جلس على الرصيف ورصّف امامه صناديقه ورتّب فيها البرتقال والتفّاح

وعدّل ميزانه وعزم أن يفي الميزان حقّه  ,أن يكرم كلّ زبون يشتري  من عنده وحرص  ألاّ تبقى  أيّة ثمرة فاسدة   في بضاعته  فقد عاهد الله  ألاّ يغشّ النّاس  في الثمرة التي يبيعها و هويعلم  أنّ  زبائنه  أناس دخلهم قليل و ضعيف  وعندما يشترون من عنده غلالا  قليلة لعيالهم  فإنّما يقدّمون لأبنائهم بعض الحلاوة  تعويضا عن عجزهم  في توفير لحم الخرفان والعجول والسمك الطري  

فبعض التفّاح قد يطلق سعادة طفل  لسويعات   وقد يبعث  عصير برتقالات قليلة  نشاطا وحيويّة في ذهنه  ومن يدري لعلّه يكون منعرجا في حياة ذلك الصّغير

 لم يطلب ربحا يعجز معه حرفاؤه  عن الشّراء  ويهربون منه الى الّرزق على الله ....

ربّما تكون  هذه الّصناديق  فاتحة الخير ومنبعا يكفيه شرّ الفقر  فيدفنه إلى جوار جدّه  وتكبر تجارته  ويصير أكبر تاجر غلال  في الجهة أوالبلد  أو القارّة  وربّما فكّر في  توسيع نشاطه  إلى مجالات أخرى  كالألكترونيك  والملابس ووسائل النقل وربما حتّى تجارة أسلحة الدّمار الشامل ....

وربّما صار شريكا لأحد المستثمرين الأجانب  الطيّبين  ويصير شريكا أو مساهما في شركة متعددة الجنسيّات ......

 حدّد الثمن سبعمائة ملّيم  للتفّاح وسبعمائة ملّيم  للبرتقال  لن أخرج عن الرّقم سبعة  حتى لايشكّ أحد في وطنيّتي فالسّبعة مقاسي و مؤشراتي ودوافعي وغاياتي .... حتى أنّه تمنّى لو أن أمّه ولدته في اليوم السّابع من الاسبوع السّابع من العام السّابع في القرن السّابع  فقط سيتغاضى عن الشهر السّابع  فإنّ حرارته تفوق السّبع والأربعين درجة في الظل ّ.... وهو يكره الحرارة والنّار ويمقتهما ويدعو الله أن لا يدخله النّار ...يقول دائما حرارة الجنوب وحرارة الصّيف تصهر جلدي وتجعل منى غازا يتبخّر  لذلك هويعشق الخريف وغلاله و غيومه وسحبه وغباره وتقّلّباته .....

   مدّ يده تحسّس فنجان قهوة  أحضره من مقهى العهد الجميل  ترشّف منه جرعة واحدة  وبصقها  كانت مرّة مرارة الحنظل ...سبّ النادل لأنّه نسي أن يضع ثلاث قطع سكّر في الفنجان  ربّما لأنّ السكّر يرتفع ثمنه كما ثمن البترول.... ولايتراجع ولو كسد السكّر في كل بلاد العالم  فمن يصعد لايجب أن ينزل  ....

...غمغم وتمتم وتأفف :يالينني كنت تاجر بترول ... طبعا البترول المهرّب الذي طالما أحرق مهرّبيه في شويحناتهم ولذلك صار الأمر ممكنا للمتنفذين فقط....

    وصل أوّل زبائنه  وسأل عن السّعر

- سبعمائة ملّيم فقط.... التفّاح والبرتقال .

اختار الرّجل سبع برتقالات ووزنها له وانصرف بعد أن نقده ما تيسّر ...

-إن شاء الله نهارك مبروك ...

 وترشّف من القهوة المرّة وتمضمض وتمضمض وابتلعها غصبا عنه ....

 وأقبل رجلان أحدهما يعلّق أشراطا على كتفه ..  نزلا من شاحنة البلديّة  وأمره أحدهما أن يحمل سلعته وينطلق الى داره وإلا فإنّه سيضطرّ لمصادرتها   وأعلمه أنّه لايحق له  الانتصاب في هذا المكان ولافي أي ّ مكان  آخر  وتوسّله  وتوسّله ولكن دون جدوى فجرّب العصيان وكان ذلك سببا في مصادرة سلعته الغالية و مصادرة طيف أحلامه الخاوية ...

 وارتمى على الأرض  مولولا ولولة الملتاع  وهو يرى سلعته ترمى في الشاحنة  ويتبعها الميزان العادل ويسمع توجّعه والكفّتان تصطدمان بصفيح العربة  ...وتخرّان صامتتين ولاتقدران حتّى على توديعه .. وانطلقت العربة وبقي المسكين يتضوّر ألما ويتجرّع ندما و......هو يرى حلما آخر قد سقط على قارعة الطريق .... وجرّ أذياله وعاد كسيرا حزينا عاد والصّدر يمتلئ أنينا واندلف إلى غرفة أمّه  وانساب في نشيج يدمي القلوب وعندما بدأت أوجاعه تخفّ حدّث نفسه واندسّ في صدره وسواسه .:

ترى أتعرف ماذا فعلت البلديّة بصناديق غلالك التي  صادرتها منك ؟ترى هل باعوها في سوق الجملة  ووضعوا نقودها في الخزينة العامّة وعندئذ ربّما تصير برتقالاتك حجرا  في رصيف يسير عليه  من لايريد لنعله أن يتّسخ  وربّما تصير  حجرا في مدرسة تنير عقول الصّغار  أو مصباحا في شارع الحرّيّة  يضيء على نساء  قريتك  أوحقنا تشفي مريضا شارف على الموت والحق ّ أنك تفسد اقتصاد بلدك وتدمره وتسببّ مشاكل مع شركاء البلاد من المجموعة الاقتصادية الاروبية  ...هم أعدّوا السوق لسلعم وأنت جئت تنافسهم وتقطع رزقهم   تصوّر أنه يوجد مئات الآلف من امثالك يبيعون سلعهم على الرّصيف وينقصون من رزق الشّركاء الطيبين أتعلم نتيجة عملك هذا ...سيفرّون الى بلاد أخرى وعندئذ ماذا سيحدث ؟

....ترى هل ألقت البلديّة بسلعتك لقلّة جودتها في مصب النفايات أو تم تحويلها إلى أسمدة  تستفيد منها  حقول بلادك ومزارعها  ومهما فعلت البلديّة بسلعتك  فإنّها فعلت ذلك وهي تخاف الإلاه وكل البلديات تفعل مافعلت بلديّتك  مساهمة منها  في حماية اقتصاد البلد  وتوفيرالمناخ السليم للمستثمرين  بإزاحة أمثالك  من طريقهم .... فكّر وفكر وتناوبته الهواجس وراجعته الآمال وانحسرت وانقضت عليه الآلام وانتصرت  وقرّر الشكوى  وجاءه صوت أّمّه : لاأحد يغضب البلديّة  والله وحده أقوى منها ...لم ييأس وجرّب واختار مايكره ...اختار النّار كما اختار غيره ماء البحار وقرّر الهروب إلى الله الواحد الغفاّر .....

 

المصدر: انتاج خاص البشير عجالة
  • Currently 99/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
32 تصويتات / 1688 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2011 بواسطة savou

ساحة النقاش

aldramainquran

قد وصلت القصة إلى ربعها من حيث البناء الذى كانت تتطلبه تلك الأقصوصة الجميلة والتى يطلقون عليها القصة القصيرة جدا ،
المهم اعجبتنى القصة جدا
ولكن
كنت اتمنى أن تكتمل
لأنها من منظورى فى أسس القص الجديد سبع أسس ( البداية - الابتلاء - الزلة - العقدة - الانفراجة - التعرف - النهاية )
وفى هذه القصة قد كانت البداية رائعة ميسرة ممتعة مسلية
ثم تلاها الابتلاء الاس الثانى من البناء الصحيح الذى يغير مجرى الاحداث ويدفها الى اتجاه اخر تماما عكس حاجة البطل وهدفه ، وقد كان
ويتجلى فى فقد اسباب قوته وادوات نجاحه بضاعته كلها رأس ماله وهو احد اشد انواع الابتلاء كما نص الله وفرض
ثم من المفروض يتلوها الزلة
ونعنى به غلطة البطل وربما كان السفر هو غلطته
ثم تكتمل باقى القصة حيث وحدة العقدة يليها وحدة الانفراجة يليها التعرف يليها النهاية ولكن من وجهة نظرى لم تكتمل القصة التى كنت اتمنى ان تكتمل على هذا البناء القوى وهى وجهة نظرى ومدرستى التى اريد ان اعممها وليست فرضا على مبدع
لك الشكر والتقدير
تقبل مرورى

savou

شكرا جزيلا ومن ناحية الاختصار كان ضروريالن البطل احرق نفسه وكان ذلك حقيقيا واقعيا ويحرق الشباب التونسي نفسه كما فعل مع أجمل تحياتي

البشير عجالة فى 9 يناير 2011

البشير عجالة

savou
»

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

29,026