12 مارس، 2013‏، الساعة ‏12:33 صباحاً‏

بعد فر اق دام اكثر من (18) سنه  , التقيت اليوم احد اصدقائي الذين هاجروا البلد الى ارض الله الواسعه هروبا من ايام الحصار الجائر , وقساوة الايام التي ذاق مرارتها العراقيون دون غيرهم من عباد الله الصالحين والطالحين , التقيته اليوم في احد اسواق بغداد وما ان رأيته حتى توقفت لأتأكد ان كان هو صديقي ام شحص اخر , صديقي الذي سافر وسافرت معه سوالفنا الجميله وايام المراهقه وذكرياتها ,

ذكريات مدينة الثوره وازقتها , وفتياتها الجميلات وهن ذاهبات الى اعدادية الوثبه للبنات , انه صديقي ..

اي ولله انه صديقي لقد عرفني , انه لم ينساني انه يتذكرني كأنه غادرني قبل ايام , انه يتذكرني جيداً , انه يتمتع بذاكرة قويه منذ ايام طفولته , هتف باسمي صارخا وضاحكا اوووه انت كما انت وتعانقنا وبكينا .. يااخي انك لم تتغير الا قليلا نفس الملامح الا ان الشيب قد تسارع الى لحيتك وقليل من شعر راسك

هكذا قال لي ..انه لم يتغيير بل اصبح اكثر وسامة وشياكة .. اين كنت يااخي وما اخبارك بادرته بالسؤال

فقال لي:

هذا الكلام ينرادله كعده مو مال بالشارع خل نشوف مكان نكعد ونسولف  .

المهم , توجهنا الى اقرب مطعم في شارع الرشيد وكان المطعم مكتظا بالزبائن فانتظرنا قليلا حتى فرغت

احدى الطاولات , فجلسنا , فبادرته بالقول :

اي احجيلي وين ما وين ؟ اخر مره عفتك رحت للاردن من جان الجواز باربعمية الف دينار ووراه انكطعت اخبارك .. سألت عنك كالولي بعمان ووضعك كلش تعبان وكلش انقهرت وكلت ليش هالبهذله ليش من دون كل خلك الله , الله مبهذل العراقيين , ليش انته مال بهذله ؟ صحيح كل احنه فقره , بس جنت احسن واحد بينه , مرتب ومؤدب وشاطر ودائما الأول بالمدرسه ,( قاطع حديثنا عامل المطعم قائلاً : الله بالخير .. عيني شتطلبون ) فالتفت الى صديقي ماذا يختار وتم الاتفاق على نوع الاكل وواصلت حديثي معه :

اي ماكو واحد ماسألته عليك خصوصا وره ماتوفت والدتك الله يرحمها , اجيت بالفاتحه سألت عليك عباس

كال انكطعت اخباره حتى بالفاتحه ميدري وين يسالون اخر خبر اجاهم انته عفت عمان وسافرت لايران مدري لتركيا ..( اطرق رأسه قليلا واغرورقت عينيه بالدموع وقال وهو يختنق بعبرته :

اه..لو تدري قالها بحرقه .. اه ولله لو تدري كلشي ما اتمنى بس ارجع يوم واحد احضر ساعة موت امي

.. امي اخ يا امي شكد تحملت ضيم .. ولله لو تدري شكد شالت هم , الهم الشالته زلم عليها الاعتماد

تصيح الويل منه , تصور يعني خمس ولد زغار واثنين بنات وحده بالكماط والاكبر منها عمرها سنتين ,

( عيني تفضلوا .. قال عامل المطعم وهو يحمل بيديه الاثنين اطباق الطعام )

اكملنا طعامنا وشرب الشاي وخرجنا من المطعم .. واتجهنا باتجاه الشارع  العام , فقلت له اخبرني عن احوالك وما جرى لك في هذه السنين الطويله , نظر الي وقال لم يصبرني على سنوات الغربه ومعاناتها

سوى رواية سمعتها من عمي (خزعل )عندما كنت شابا , لقد مررت بظروف صعبه جدا في هجرتي في عمان حيث سرقت كل نقودي التي جمعتها لمدة عامين من عملي في عمان حيث كنت اعمل نهارا عامل بناء وليلا في احد المطاعم بالعاصمه فتأثرت ومرضت وتم نقلي الى المستشفى ,وكان بعض الاصدقاء ومن العراقيين الطيبين هناك قدموا لي المساعده واشار علي البعض بالعوده الى بلدي 

الذي هجرته مرغما , ولكن رواية عمي خزعل لاتفارق بالي وهي التي زادتني اصرارا على ان ابقى صامدا وصابرا الى ان شاءت الظروف وتحسنت الامور بعد ان تعرفت على احد الاصدقاء الذي بدوره وجد لي عمل باجر جيد واعادة ترتيب وضعي وخروجي من عمان الى احدى الدول الاوروبيه وحصلت  على اللجوء والعمل والدراسه وحصولي على الجنسيه , وقبل ان تسأل عن رواية عمي خزعل سوف ارويها لك , كما رواها  قبل عشرات السنين لي:

يروى بان هناك رجل ثري جدا وليس له من الاولاد الا ولد واحد وكان هذا الولد غارق في نعمة الثروه التي يملكها والده , وذات يوم فكر الوالد الثري كيف سيترك الثروه لهذا الابن المدلل فقرر ان يختبره فدعاه وقال له يابني انك لن ترث ثروتي الابشرط فقال ماهو الشرط , لا اشرط عليك حتى تتزوج , فقبل الولد وتزوج حسب رغبة ابيه .. وبعد مده قال الاب لابنه اليوم سوف اسالك السؤال الذي تكون اجابته كل ثروتي 

فقال الابن سل ياوالدي , فقال الاب يابني  ( اين العقل في الانسان ) فاشار الولد الى رأسه وقال هنا ياابي , فقال الاب ليس هذا الجواب يابني اذهب ابحث عن الجواب عند اصحابك او معارفك او عند اهل العلم فذهب الابن يبحث عن الجواب فهذا الذي يقول له ان العقل في القلب وذاك الذي يقول له في كذا مكان من الجسم وهو يقول لهم قلت لابي بهذا المكان وقال لي ليس هو الجواب وبعد اكثر من عشر سنين وصل الى احدى القرى فسال اهل القريه عن اعرفهم واعلمهم فارشدوه الى شيخ كبير طاعن في السن فقال له ياولدي ان جواب سؤال والدك هو ( ان العقل في الصبر ) فاذهب واخبره بذلك وعاد الولد الى اهله (نظر الي صديقي وقال لي : شوف عيني يجوز الروايه مو حقيقيه بس المهم الفائده ) فاجبته ( فوت سالم  يعني أكمل ) وعندما رجع الى اهله بمدة عشر سنين ايضا وصل الى دار ابيه وقال ادخل من الفناء الخلفي للدار واتسلل الى غرفتي فافاجئهم صباحا وعندما وصل الى غرفته وجد زوجته نائمه على السرير وبجانبها شخص نائم فسل سيفه واراد ان يقتله فتذكر ان العقل في الصبر وخرج بهدوء الى وسط الدار وصاح ياابتي ها قد عدت ومعي الجواب فخرج كل من الدار بما فيهم زوجته والذي كان نائم معها فقال لابيه بحرقه من هذا ياابي قال هذا ابنك الذي تركته في بطنها حين سافرت فصاح ولله كدت اقتله لولا ان العقل في الصبر ..فقال الاب انه الجواب ولله , الان انت تملك كل ماملك ..

فوقف صديقي ونظر الي قائلا: الصبر كان معي دائما وماكو شي يجي بسهوله عيني....

المصدر: بقلمي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 201 مشاهدة
نشرت فى 11 إبريل 2014 بواسطة sattarsebban

عدد زيارات الموقع

1,659