saharyfolk (عبدالوهاب حنفى )

فولكلور سكان الصحارى المصرية



في النصف الأول من القرن الماضي

 

، انطلقت نخبة من المغامرين في مهمة للبحث عن واحة زرزورة الأسطورية، في مصر. والآن، ها هو ريتشارد هوث يشق طريقه في رحلة صحراوية حديثة، تنتهي عند كهف السباحين المدهش

تقع منطقة الجلف الكبير، في الركن الجنوبي الغربي من الصحراء الغربية بمصر، وهذه الصحراء النائية غير المأهولة والتي نادرا ما يسقط بها المطر، تتميز بمجموعة من التجارب الصحراوية الخاصة. حددت هذه المنطقة ورسمت على الخريطة في العهد الحديث نسبيا، وتحديدا عام 1926 ، بإشراف الأمير كمال الدين، ابن السلطان حسين كامل، وجرى استكشافها في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية من خلال مجموعة مغامرين من محبي السفر والمغامرات الشاقة، وهم أعضاء ما يعرف بنادي الزرزورة، وقد اكتشفوا منطقة الجلف خلال بحثهم عن واحة زرزورة المفقودة، والتي قد لا تعدو أن تكون سوى أسطورة. ولربما ظلت منطقة الجلف منذ ذلك الحين غير معروفة للناس على نطاق واسع، باستثناء علماء الآثار المغامرين والطلاب القليلين الذي شاركوا في تلك الحملات لمايكل « المريض الإنجليزي » الاستكشافية الأولى، لولا أنها ظهرت في رواية الادبية البريطانية المرموقة « بوكر » أونداتجي والتي صدرت عام 1992 ، وفازت بجائزة ذاك العام. وبعد خمسة أعوام، تحولت هذه الرواية، إلى فيلم حصل على تسع جوائز أوسكار من الأكاديمية الأمريكية، وهي تتبع تعقيدات الحياة الخاصة لأشخاص من انجلترا وكندا وايطاليا والهند التقوا في مصر في فترة الحرب العالمية الثانية.

وهكذا وجد الجلف الكبير، حيث دارت بعض مشاهد الفيلم الرائعة والمثيرة، طريقه إلى العالمية. وعلى الرغم من أن بقية مشاهد الصحراء صورت فعليا في تونس، فقد شجع نجاح الفيلم جيلا جديدا بالكامل على تحمل متاعب رحلات الصحراء الشاقة لزيارة كهف السباحين الذي يقع في منطقة الجلف الكبير، والذي يشتهر برسومات قديمة جدا، ولكنها أكثر من رائعة، تزين جدرانه.

24 يوما إذا أردت الوصول - تتطلب الرحلة ما لا يقل عن 10 أيام، ترتفع إلى ما بين 15 إلى جبل العوينات. ولابد للمشاركين في هذه الرحلات أن يحملوا معهم إلى الصحراء كل ما يحفظ أودهم، بما في ذلك الوقود وقطع الغيار، بالإضافة إلى الطعام والماء طبعا. كما أن وجود مرشد مجرب ضرورة أساسية لا غنى عنها. وهناك أيضا البيروقراطية. فيجب الحصول على التصاريح اللازمة، كما سيرافق الرحلة ضابط شرطة. وبسبب التعقيدات المرتبطة بإعداد مثل هذه الرحلات، فحتى الآن تبدو الطريقة المثلى هي الاستعانة بوكالة سفر موثوقة، وهو بالضبط ما فعلته شخصيا برفقة مجموعة من ثلاثة أصدقاء. استقللنا سيارتين، واصطحبنا مرشدا، وسائقا، وطاهيا جيدا، هو محمود، ومساعده محمد، إضافة إلى الضابط سعد. وبعد ليلة في ومن ثم إلى ،« الفرافرة » انطلقنا صوب الجنوب الغربي إلى واحة ،« البحرية » واحة حيث تركنا الطريق الإسفلتي وانطلقنا الى عمق الصحراء. ،« أبو منقار » واحة قضينا معظم الأيام داخل السيارة. وهذا الأمر حتمي لنتمكن من قطع كل هذه المسافات وسط الصحراء المترامية الأطراف، بالرغم من أننا كنا نتوقف دائما لتناول الطعام أو لمطالعة أحد المواقع المثيرة أو المعالم المدهشة. وكانت أولى والتي أطلق عليها هذا الاسم ،« ريجينفيلد » مثل هذه الوقفات المهمة عند منطقة المستكشف الألماني غيرهارد رولفز في القرن التاسع عشر. وتقول الشائعات أن « كوفرا » رولفز كان يحاول اجتياز بحر الرمال العظيم عام 1874 للوصول إلى واحة في الغرب (على الحدود الليبية-المصرية-التشادية). وبسبب سوء تقديراته، فقد وجد أن مخزون الماء في قافلة الإبل التي كانت معه، يكاد ينفد تماما، وذلك في وبما هو اشبه .« الداخلة » موضع يبعد أياما كثيرة عن أقرب واحة إليه، وهي واحة بمعجزة، هطل المطر وقتها، ما مكنه من التزود باحتياجاته من الماء ثانية ليصل إلى بر الأمان. وإحياء لذكرى هذه الحادثة التي أنقذت حياته، أقام رولفز كومة من الحجارة، وهي ما تزال في مكانها حتى اليوم، ويضيف إليها العابرون الجدد حجارة أخرى رمزا لمرورهم بالموقع.

قبل أن ننطلق في رحلتنا كنا قد استمعنا إلى محاضرة في مركز الأبحاث الأمريكي بمصر حول الصحراء لغربية في عصور ما قبل التاريخ. وذكر د. رودلف كوبر، وهو أحد المشاركين المخضرمين في الكثير من أعمال الحفريات بالمنطقة، شيئا وهو تل مهجور يقع إلى الجنوب من بحر الرمال العظيم، جرى ،« أبو بلاس » عن فيه اكتشاف أعداد هائلة من قدور الطين الضخمة. وقد شاهدنا خلال المحاضرة عندما أعيد اكتشافه للمرة « أبو بلاس » شريحتين توضيحيتين، إحداهما صورة لتل الأولى في العشرينيات من القرن الماضي، وكان يبرز مرتفعا وتنتشر القدور حول قاعدته، والأخرى تعود للثمانينيات من ذلك القرن، حيث كان قد تم نقل الكثير من هذه القدور بغرض الاحتفاظ بها تذكارات، أو تعرضت للكسر. وهكذا، وعندما زرنا المكان بأنفسنا، وجدنا عددا أقل بكثير من هذه القدور أيضا، وكانت معظمها مجرد قطع متكسرة. فمع غزو المغامرين للصحراء، تضيع المواقع المميزة مثل تل أبو بلاس حتى قبل أن تتم دراستها وتوثيقها كما يجب .

حين وصلنا إلى الجانب الشرقي من الجلف الكبير في اليوم الثالث من الرحلة، باتجاه المعبر الوحيد وسط الصدوع « وادي ماشي » نصبنا خيامن، ثم توجهنا عبر الكثيرة، وهو عبارة عن ممر ضيق يمكن للسيارات من خلاله اجتياز الجلف أو النقطة الصعبة، وهي عبارة عن واد من الرمال يمتد ،« العقبة » الكبير. وهذه هي من الهضبة إلى السهول في الأسفل. ومن المفترض أن يكون هذا الوادي الذي اكتشفه المغامر الهولندي الكونت ألماشي عام 1931 ، قد جرى تلغيمه خلال الحرب العالمية الثانية، بالرغم من أن هذا الافتراض قد يكون مجرد خدعة. فالممر يستخدم اليوم دون أن نسمع عن أية حوادث. وبمجرد وصولنا إلى السهول، شاهدنا الجروف شديدة الانحدار لطرف الجلف الغربي تشكل ما يشبه ستارة صخرية بدت أكثر إثارة بفضل الاستواء والانتظام التام الذي بدت عليه قمة المنحدر الشديد.

وبعد بضعة كيلومترات إلى الغرب، وجدنا جبلا معزولا، يعرف بالجبل الإنجليزي، وفي قاعدته يوجد ما يعرف بالمعسكر الإنجليزي. وكانت هذه إحدى القواعد التي التي قادها رالف باغنولد خلال « مجموعة الصحراء طويلة المدى » استخدمتها الحرب العالمية الثانية، والتي أسندت إليها مهمة شن الغارات في عمق أراضي العدو. وما يزال بالإمكان مشاهدة بقايا المعسكر، يحفظها جفاف الصحراء الشديد، ،« شل » حيث تنتشر أكوام من غالونات الوقود المسودة، ولا يزال بعضها يحمل شعار إضافة إلى علب لحم محفوظ وبسكويت مفتوحة، بل وبطارية وإطار سيارة قديمة.

كان الهدف الأساسي من القيام بهذا الجزء في الرحلة هو الوصول إلى وادي سورا وزيارة الكهوف التي اكتشفها بات كلايتون أو كونت ألماشي، وكلاهما من أعضاء فهناك وجدنا كهف السباحين، :« وادي سورا » نادي الزرزورة. وقد فوجئنا بمشهد والذي بدا كما لو كان فجوة نصف كروية في الجدار، ولكنه أصبح الآن للأسف في حالة مزرية. وكان د. كوبر قد أوضح أن الزوار الأوائل لهذا الكهف قاموا برش الرسومات الصخرية بالماء لإظهار الألوان، ما أدى إلى زوال معظمها. واليوم تبدو t الجدران متكسرة، ولكن لا يزال بالإمكان تمييز اشكال السباحين المشهورين في الرسومات. ولكن، يحق للمرء أن يتساءل: إلى متى سيظل من الممكن تمييزهم؟

على بعد قرابة 40 كيلومترا، خيمنا عند قاعدة ،« وادي سورا » وإلى الشمال من المنحدر الشديد لليلتين. وبعد أن استيقظنا في الصباح التالي قمنا بجولة قصيرة فوجيني - » على الأقدام، وبتجربة لتسلق أحد المنحدرات، فوصلنا إلى كهف ومثلما كان كهف السباحين قبله، بدا هذا الكهف أشبه بحائط جرف .« مستكاوي متآكل، أكثر مما بدا ككهف، ولكن غطت جدرانه مئات فوق مئات من الرسومات الصخرية الملونة بالأبيض والأسود والأصفر والأحمر الضارب إلى البني، وجميعها ما تزال محتفظة برونقها وجمالها.

ومن بين التصاوير الكثيرة التي بدت لبشر في أوضاع مختلفة عديدة، كانت هناك رسومات متكررة لحيوانات تعيش في أماكن تتمتع بمناخ ألطف وأعلى رطوبة مما يبدو عليه المكان الآن. فهذه الرسومات تمثل حيوانات مناطق السافانا، وليس حيوانات الصحراء. وجدنا بينها رسوما لزرافات، وبعضها رسمت بأسراب كاملة، وبعضها كان يدوس بقسوة وبشكل غريب على البشر، بل لقد بدا أحدها وكأنه يأكل شخصا. وهناك أيضا رسومات لأسود، وكانت غالبا بلا رؤوس ومزينة، وكذلك النعام، والماشية، بعضها مرقطة أو بالبني والأبيض، وبدا من الواضح أنها مستأنسة.

القيام بمحاولات « أبو منقار » تطلب اجتياز بحر الرمال العظيم ثانية للعودة باتجاه شاقة لقهر الكثبان الرملية، وهي تجربة لا تناسب على الإطلاق ذوي القلوب الضعيفة. فالأمر يتطلب مهارة خاصة في العثور على النقطة الأفضل لصعود الكثيب الرملي، ومن ثم استجماع القدرات الخاصة لاعتلاء ذروته، ومن ثم الانزلاق بخفة على السطح الأملس حتى أسفل الجهة الأخرى من الكثيب.

وفي النهاية، وبعد أن قضينا ليلة أخيرة تحت الخيام، حيث بدت الواحة في الأفق أمام ناظرينا، عدنا الى الطرق المرصوفة ثانية. وقد خرجت من هذه التجربة وأنا أكن الاحترام الكبير للرواد الذين استكشفوا هذه المناطق للمرة الأولى. فغيرهارد رولفز وحسنين بيه، وغيرهما قد قاموا بمثل ما قمت به، ولكن على الأقدام وفي قوافل من الإبل. ولقد جربنا، عند معسكرنا الأول، تسلق كثيب رملي عال وضيق، والرياح تهب من خلفنا وكأنها تساعدنا، وكانت مجموعتنا ممن يتمتعون بلياقة بدنية عالية. لكن، والحق يقال، فإن الرمال الخفيفة هذه تستنزف الطاقة، لأنك تتراجع بمقدار خطوة كلما تقدمت خطوتين للأمام. ولا شك أن الاستمرار بهذا الأسلوب لمئات من الكيلومترات دون أن ترى أثرا لأي حياة، يجعل الذهن في حالة من الشرود وعدم الاتزان. وبالرغم من أن باغنولد، وكلايتون، وألماشي وغيرهم من أعضاء نادي الزرزورة استخدموا السيارات، فإنها لم تكن من نوع سيارات الدفع الرباعي المريحة الفاخرة التي ننعم في أحضان مقاعدها الوثيرة اليوم. إن قراءة تقاريرهم ويومياتهم وأنا جالس حول نيران المعسكر في الليل أشعرتني بالتواضع الشديد أمام إنجازاتهم. وإضافة لذلك، فخلال الحرب العالمية الثانية، كان عليهم أيضا التحسب لأشياء أخرى، لا تقل خطورة مثل هجمات العدو المفاجئ.

       للمزيد من حول الموضوع ، راجع اموقعنا التالى 

http://egyptfolk.blogspot.com/2010_11_06_archive.html

 

المصدر: دراسة بحثية رحلة / ريتشارد هوث
  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
13 تصويتات / 1149 مشاهدة
نشرت فى 2 يناير 2011 بواسطة saharyfolk

ساحة النقاش

عبدالوهاب حنفى

saharyfolk
متخصص فى مواد الفولكلور فى الصحراء الغربية ( الواحات المصرية الخمس وقبائل بدو منطقة مطروح و سيناء و العريش) ... عمل مديرا للفنون الشعبية بالثقافة الجماهيرية لعشر سنوات ومديرا عاما لمشروع أطلس الفولكلور المصرى لخمس سنوات وله أكثر من100دراسة بحثية وميدانية حول الثقافة الشعبية لسكان الصحراء الغربية و الشرقيه المصرية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

140,188