كيف تصبح محاميا؟
في مصر الأمر بسيط في الثانوية العامة لا تجهد نفسك كثيرا. بأقل مجهود يمكنك أن تتحصل على مجموع يخالف معدلات كليات القمة و تدخل كلية الحقوق و في بطن سعادتك بطيخة صيفي.
دخلت الكلية لا تتعجل الأمر يمكنك أن تقضي سنوات الدراسة الأربع بعيدا تماما عن القانون اللهم إلا في الشهر الأخير. لن يجهدك أساتذة القانون بسماع محاضرتهم لأن باب المدرج مفتوح. إذا قررت الحضور ما عليك إلا أن تنصت و تدون إن أردت و استطعت ما يقوله الأستاذ المحاضر. يمكن الانشغال عنه في بعض الأحيان دون أن تكون مصدر ازعاج و حسب درجة تقبل الأستاذ لهذا السلوك. لن يطلب منك أستاذك بحثا و مراجع و هو لا يحب أن تناقشه أو تسأله لأنه متعب و لا يحب وجع الدماغ و لديه ما يكفي من المسئوليات الإدارية و الأسرية و كثير منهم جدوله مزدحم بسبب مكتبه الشهير و موكليه أصحاب الملايين، إذن لن تقضي ساعات طويلة في المكتبة تراجع أحكام القضاء أو تقارن و تحلل كتب الفقه و التشريعات.
بعد أن تحصل على شهادة التخرج توجه إلى نقابة المحامين و بعد استيفاء مجموعة من الأوراق- إثبات شخصية، موقف من التجنيد، صحيفة حالة جنائية..الخ- سيتم استدعائك لحلف اليمين و تتسلم بطاقة العضوية بعد دفع الاشتراك و الرسوم السنوية. تبدأ عضويتك بالنقابة كمحام جزئي تحت التمرين لمدة سنتين تقوم خلالهما بكل أعمال المحاماة تحت اشراف محامي أكثر خبرة و غالبا ما تقوم بالأعمال السطحية و الملتوية التي لا ترقى إلى مستوى من هم أسبق منك خبرة أو تلك التي يعف عنها بعض أصحاب الضمائر التي تؤنبهم فيكتفون بإحالتها إلى من هم تحت إشرافهم! و بعد مرور السنتين تنتقل إلى درجة المحاكم الابتدائية و من بعدها الاستئناف و أخيرا النقض. إذن يبدو الأمر بسيطا و ساذجا و هو ما انعكس على صورة المحاماة و الأداء الضعيف و غير المحترف للمحامين. أعتقد أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في إعداد المحامين. دعنا ننظر أولا خارج مربعنا ثم نعود لبعض الترشيحات في سبيل اعداد أمثل للمحامي المصري.
كيف تصير محاميا في فرنسا؟
أولا يجب أن تحصل على شهادة الإجازة من كلية الحقوق – الالتحاق بالكلية لا يعتمد على المجموع و إنما على مقابلة شخصية و أداء مدرسي لائق- أو دبلوم معادل لها.
ثانيا: يجب أن تنجح في اجتياز امتحان الالتحاق بمركز الاعداد المهني الجهوي بعد سنة من الاعداد الدراسي المكثف.
ثالثا: تلتحق بمدرسة الاعداد المهني التابعة للنقابة التي تنوي التسجيل بها- المحامي يمارس مهنته في نطاق جغرافي محدود و ليس مطلق و هو نطاق يتحدد بذات حدود الاختصاص الجغرافي لمحكمة الاستئناف التابع لها المحامي –هناك قواعد تنظم التمثيل المتبادل بين المحامين من نطاقات جغرافية مختلفة- تستمر الدراسة بالمدرسة سنة دراسية تنتهي بامتحان مهني متقدم تحصل بموجبه على شهادة القبول المهني
رابعا: يعقب ذلك تدريب إجباري يمتد سنتين و ينتهي باعداد تقرير مفصل عن فترة التدريب و الأعمال التي قمت بأدائها و يمكن للنقابة مساءلة المشرف على التدريب
كيف تكون محاميا في كندا؟
يجب الرجوع إلى قوانين كل مقاطعة لمعرفة الشروط التفصيلية. لكن لنأخذ مثلا بمقاطعة كيبك. تجمع المقاطعة بين تراثين قانونييين الأول فرنسي لاتيني و الثاني أنجلو-أمريكي. لذلك غالب كليات الحقوق في المقاطعة لا تطلب شهادة جامعية كشرط التحاق بكلية الحقوق عدا جامعة مكجيل التي تشترط الحصول على شهادة جامعية للالتحاق بها مع وجود استثناءات للمتميزين من طلبة المدارس العليا.
بعد الحصول على شهادة الليسانس، تتقدم إلى مدرسة نقابة المحامين لعمل امتحان تحديد مستوى. تصدر على أساسه لجنة التقييم نصيحة بعمل برنامج الدراسة المطول أي 8 شهور أو الاكتفاء بدراسة مكثفة 4 شهور.
الدراسة مكثفة للغاية و نسبة النجاح ليست مرتفعة خاصة مع تغيير البرنامج العام الماضي.
بعد اجتياز امتحان مدرسة النقابة هناك تدريب إجباري مدته 6 شهور. تنتهي باقرار مدرسة النقابة فترة اعدادك و تحيل الملف إلى النقابة لانهاء اجراءات التسجيل و حلف اليمين لتمارس بعدها مهنة المحاماة في المقاطعة.
نظرا لأهمية مهنة المحاماة و نظرا للمشاكل الملموسة التي تعطل الأداء الصحيح لواجبات المحامي، فإن الحاجة لاجراءات جديدة لا يعوزها كثير من الأسانيد و التبريرات.
لكن من أي نقطة نبدأ؟
هناك نقطة بداية مهمة لكنها مرتبطة بالنظام الجامعي المصري المشوه و لذلك هي تتعلق باصلاح هذا الأخير. إذ يجب أعادة النظر في معايير الالتحاق بكلية الحقوق سواء من ناحية الكم أو من ناحية الكيف. المسألة لا تتعلق فقط بالقدرة على تحصيل درجات تقييم مرتفعة و لا قدرة على الحفظ عن ظهر قلب، و لكنها على العكس تتعلق بالقدرة على التفكير و التحليل المنطقي و ملكات التعبير و اللغة.
النقطة الثانية تتعلق بالمحتوى الدراسي في كليات الحقوق و اتصاله بالمجتمع و مشكلاته و سوق العمل- سأفرد لهذه المسألة تدوينة لاحقة إن شاء العدل.
يجب أن نعترف أن الدراسة الجامعية لها هدفها و للحياة العملية و التطبيقات ديدنها و متطلباتها. الجامعة مكان لتنمية مهارات التحليل و التفكير و النقد. لا شك أنها مهارات يستعملها المحامي لكنه يستعمل غيرها مما لا توفره الجامعة. فالجامعة تعد جماعة من الطلاب سيكون منهم القاضي و وكيل النيابة و المحامي و رجل السياسة و التخطيط ,,الخ. لكل منهم حاجته و اختصاصه ومهاراته. لذا اعداد كل منهم بشكل منفرد يجب أن يلحق مرحلة الدراسة الجامعية.
إن فكرة مدرسة نقابة المحامين ترسم ملامح محامي المستقبل و تشكل وعيه و تزوده بالمهارات الأساسية التي لا غنى له عنها للوفاء بواجبه. أعتقد أن الأخذ بمدرسة لاعداد المحامين مهنيا سيكون لها مردود طيب الأثر إذا أحسن اختيار برامجها ليعقب ذلك فترة تدريب لمدة سنة على الأكثر.
لماذا يجب أن نهتم و نرتقي باعداد المحامين؟
المحامون صنو القضاء كما علمنا أستاذنا في المرافعات أحمد الصاوي إذ يقول " تجمعهم ذات الغاية و هي تحقيق العدالة و يربطهم نبل المقصد و هو تأكيد سيادة القانون، يعينون القضاة فيقدمون لهم مادة أحكامهم"
إذ كما يقول رجال القانون القضاء ينقسم إلى أولا: قضاء جالس و هو قاضي المنصة الذي يفصل في المنازعات و يقرر الحقوق و الجزاءات، ثانيا: قضاء واقف و هو المحامي الذي يعكف على قضية موكله يدرس القانون الذي يحكمها و ما يثور من مشاكل قانونية و أراء فقهية يناقشها و يسوق الحجج و البراهين فيقدم للقاضي رؤية قد تسهل مهمته و تنير طريقه إلى التطبيق الأمثل للقانون. كما كان يقول أستاذنا الصاوي أن نقاش المحامين أمام القضاء يفضي إلى إثراء المعرفة القانونية.
و يضيف الصاوي أن مهنة المحاماة تستمد مكانتها من سمو مقصدها و لا ينال منها عدم فهم البعض لطبيعتها و لا المسلك السيء لبعض المحامين. فالمحامي ليس كما يتصور البعض مجرد رجل يحسن الكلام و الجدل، سيان عنده الدفاع عن الحق أو الباطل، يستعين بمعرفته ليفلت المجرم من العقاب فالمهم عنده الحصول على أتعابه.
إن دور المحامي مهم و بدونه يفسد ميزان العدالة و لا يتحقق العدل الاجتماعي إذ لا يستوي الناس في فهم القانون و لا يتكافئ الناس في التعبير و الحجة و البرهان. فيتقدم المحامي و هو على علم و إحاطة بالقانون و تملك للبيان و البرهان ليدافع عن حق موكله. يتساءل البعض كيف يدافع المحامي عن مجرم هو على يقين بارتكابه الجرم. هذا التساؤل يتناسى أن الأصل في الإنسان البراءة حتى يثبت العكس. المحامي يقوم بواجبه في الدفاع عن الانسان حتى تثبت إدانته و هو بذلك يقوم بدور مهم في حماية حقوق الإنسان في مواجهة غضب العامة أو السلطة فيقوم حارسا و مذكرا بالقواعد و الأصول القانونية حتى يطبق القانون على النحو الصحيح. أخيرا يجب أن نشير إلى أن صورة المحامي التي يحتفظ بها الناس هي صورة منقوصة تختزل دوره أمام القاضي في قضايا العقوبات و الجرائم. الحقيقة أن مهام المحامي متعددة و متنوعة تبدأ من تمثيل موكله أمام القضاء و جهات الإدارة مرورا بالمشورة القانونية في أغراض الحياة المختلفة و تحرير العقود و إنشاء الشركات و التحكيم و المصالحة بين المتخاصمين..إلخ. ممارسة مهنة المحاماة تطورت مع الوقت فمن مكتب المحامي الفرد الذي يقوم بكافة أنواع القضايا و يحرص على علاقة شخصيه بموكله تماما كطبيب العائلة في الأفلام الأبيض و أسود، بدأ المحامون في التخصص شيئا فشيئا فتجد محامي الشركات و البيوع و محامي الجنايات و محامي حقوق الملكية الفكرية و محامي الضرائب و التشريعات المالية و محامي الأحوال الشخصية و الأسرة..إلخ. كذلك بدأت تتكون شركات لممارسة مهنة المحاماة و هو أمر شائع خاصة في دول النظم الاقتصادية و القانونية المستقرة حيث يكون لشركة المحاماة فروع في مدن و عواصم مختلفة في العالم قد يصل عدد المحامين المشتغلين في بعضها إلى ما يزيد عن 500 محامي فضلا عن المساعدين القانونيين و الإداريين.
نشرت فى 21 نوفمبر 2009
بواسطة ruaasamararts
<p>مقاله رائعة و بها العديد من المعلومات المفيدة</p>
<p> </p>
2 يناير 2010
عدد زيارات الموقع
7,015
ساحة النقاش