الدعاية والإعلان تؤثر في اقتصاديات الدول، وتعتبر الدخول التي تأتي عن طريق الدعاية والإعلان من أهم الدخول التي تعتمد عليها وسائل الاتصال المختلفة في الدولة كالتلفزيون والإذاعة والصحف, سواء منها العامة أم الخاصة. ويكفي لتأكيد هذه الأهمية الاقتصادية أن نذكر إحصائية وزارة التجارة الأمريكية التي قدرت عائدات التجارة الإلكترونية التي تعتمد على الترويج الرقمي بـ 30% من الدخل القومي!
وبالمقابل فإن النمط الاستهلاكي غير الواعي للأفراد يكلف الدول مبالغ طائلة تذهب هدراً لإشباع حاجات غير ضرورية بسبب تأثر الأفراد بالدعاية والإعلان, ففي الولايات المتحدة التي يطلق عليها اسم أرض البدانة (60% من الأميركيين مصابون بزيادة الوزن) أصبحت البدانة السبب الرئيسي للوفيات بالتساوي مع التدخين كنتيجة مباشرة لانتشار هذه الثقافة الغذائية السيئة (ينفق الأميركيون ما قيمته 110 مليار دولار على الوجبات السريعة في حين كانت 3 مليارات دولار عام 1972)" هذه الثقافة الاستهلاكية المتأثرة بالدرجة الأولى بالإعلانات التجارية التي تصور هذه الأطعمة بطريقة تؤثر على المستهلك وتدفعه لاعتمادها رغم خطورتها.
وللأسف فإننا ننساق للتقليد حتى رغم معرفتنا بخطورة ومضار هذه المنتجات, فقط بسبب استلابنا اللاواعي, وتأثرنا بالإعلانات التجارية.
وفي بعض الدول يتم إنفاق أموال طائلة على العطور ومستحضرات التجميل وكريمات البشرة والمشروبات والأطعمة السريعة تكفي للقضاء على الفقر في دول العالم الثالث.
وقد درس الباحثون أهمية الدعاية والإعلان في السيطرة على وسائل الاتصال واستخدامها بطرق تضمن مصالح معينة للحكومات والدول, تمكنها من القيام بسياسة مرسومة مع الأفراد مما أثّر على حرية الصحافة والإعلام, ففي أمريكا مثلاً وصف أحدهم الإعلام بأن وظيفته داخلياً هو ترويض المتلقي وكبت مشاعره المعرضة وتدجين العبودية وتجميلها بحيث تصير مقبولة، وفي الخارج تصنع عدواً لها، وتهيء الناس وتوجه مشاعر الخوف لدى الجمهور المتلقي بحيث يتفق مع أي إجراء تتخذه السلطة فيما بعد.
يقول ألكسندر بانارين في كتابه الإغواء بالعولمة متحدثاً عن السيطرة الإعلامية التي استخدمت الإعلان والترويج للأفكار الغربية والأمريكية منها خاصة من أجل السيطرة على الشعوب والدول الأخرى: "لقد دلت التجربة على أن العالم العولمي ليس عالماً مترابطاً كما يؤكد لنا الليبراليون الجدد بقدر ما هو تابع, أي مُدار من قبل مركز واحد. في الوقت نفسه تعني العولمة شيئاً أكبر: إنها تشير إلى أن الزعيم العالمي المعاصر يرتكز إلى مكتسباته الاقتصادية والثقافية أكثر مما يرتكز إلى المكتسبات العسكرية التقليدية. يدور الحديث عن تجربة التبادل العولمي غير المتكافئ والذي لا يفترض نهب الأطراف الاقتصادي وحسب, بل السلطة الروحية عليها أيضاً, أي تلك السلطة نفسها التي يمكنها أن تُكسِبُ السمعة والمهابة أوالخزي والعار التي تقدس أوتدنس التي تضفي الشرعية أوتحرم منها".
هذا الذي يصفه الكاتب يظهر الأثر الخطير للدعاية والترويج للأفكار الغربية التي غزت البلاد الفقيرة مهددة بمحو حضارتها وثقافتها, وجاعلة إياها خاضعة وتابعة للدول القوية التي تستغلها لمصلحتها بأبشع الصور, وما زيادة التسلح وانتشار الحروب وخراب البيئة إلا صور متعددة لوجه واحد هو الهيمنة الإعلامية الدعائية الغربية على العالم ككل. وهناك دراسات عديدة وأبحاث كثيرة أظهرت بالأرقام وبما لا يدع مجالاً للشك خطورة هذه الهيمنة ووسائلها وأهدافها.
ساحة النقاش