الأثر الاجتماعي للدعاية والإعلان
يقول الباحثون إن المجموعات المختلفة التي ينتمي إليها الأفراد سيكون لها عادات اجتماعية تفرض ما هو مقبول وما هو مفروض على الأفراد. وتعتبر الطريقة التي ينظر بها الفرد إلى دوره داخل الجماعة التي ينتمي إليها عاملاً مهمًا في شرح دوافعه واختياراته، ويجب على الإنسان ألا يشعر بالفردية ولكن يجب أن يؤقلم نفسه مع المجموعة، وفي هذه الحالة يحاول أن يشكل عاداته وحاجاته وفقًا لظروف الجماعة التي ينتمي إليها. وبنفس الوقت فإن الأفراد هم الذين يغيرون عادات المجتمع, فإذا تبنت فئة من الناس عادة ما, تبعها آخرون وهكذا حتى تصبح العادة منتشرة في كل المجتمع. ولهذا صرنا نجد أن العادات الاستهلاكية في المجتمع قد تغيرت بصورة كبيرة وذلك بسبب تغير العادات الفردية فالعلاقة بين الفرد والمجتمع علاقة تبادلية فهو يتأثر ويؤثر, بالتالي فإن تأثره بالدعاية والإعلان ينعكس على المجتمع ككل.
إن الملاحِظ للمجتمع يجد أن هناك ما يمكن تسميته بـ"سعار استهلاكي" جماعي, فقد انتشرت في المجتمع عادات استهلاكية عديدة, منها مثلاً سعي الأسر لامتلاك كافة الأدوات المنزلية المتطورة حتى لو كانت لا تملك ثمنها بعد أن انتشرت في المجتمع عادة الشراء بالتقسيط, ونجد اليوم أن كل أسرة ضعيفة الدخل أو متوسطة الدخل تُراكم على عاتقها أقساطاً كثيرة بسبب شرائها لأشياء ضرورية وغير ضرورية تحت تأثير دعاية البيع بالتقسيط.
وكذلك سعي الناس لشراء السيارات وامتلاكها, والتي أصبحت للأسف دلالة على مكانة الفرد في المجتمع, وصرنا نجد أن بعض الأفراد يسعون لامتلاك سيارة بأي شكل من الأشكال حتى لو اضطروا لسحب القروض من البنوك أو الاستدانة, وذلك تحت تأثير الدعاية والإعلان الذي يصور ركوب السيارة وامتلاكها دلالة على المكانة والرفاهية المطلقة, وفي بلد كبلدنا يفتقر إلى شوارع واسعة صرنا نعاني من التلوث ومن الازدحام ومن الضجيج المزعج الذي سببه هذا الكم المبالغ فيه من السيارات المستعملة والتي يقف أحدنا فاغراً فاه دهشة وهو يفكر كيف يشكو الناس من الفقر وكثير منهم يركبون السيارات التي تكلفهم مبالغ هم بحاجة إليها أصلاً؟؟!!
وما يقال عن السيارات يقال عن الموبايل مثلاً, والذي صار يستخدم لا بهدف تلبية حاجة الاتصال الضروري, ولكن صار آلة تصوير وآلة تسجيل وأداة لتمضية الوقت وإزعاج الناس, وكل هذا بسبب تأثر الأفراد بالدعايات المختلفة التي تحرّض الفرد على استخدام هذا الجهاز بطرق مختلفة عما صنع من أجلها أساساً.
إن هذه العادات الاستهلاكية دخلت في صميم حياتنا الاجتماعية, وصار الناس يحسبون حساباً لما سيقال عنهم إذا هم قصّروا ولم يسرفوا في إنفاق مالهم وشراء المنتجات المتنوعة في مناسباتهم المختلفة بصورة مبالغ فيها, كما في الأعراس والحفلات والمناسبات التي تتطلب شراء الهدايا. بل وحتى في الجنائز فإن مظاهر الإسراف باتت تدل على مكانة المتوفى وأهميته بين الناس, وكأن صرف المال على الجنازة سيكون من دواعي دخوله الجنة!.
الأمر إذاً, هو تأثر اجتماعي كبير بما يبث في وسائل الاتصال المختلفة من إعلانات ودعايات تجارية. هذا فضلاً عن الأفكار التي دخلت إلى مجتمعاتنا وغيرت من خصائص هذه المجتمعات ومقوماتها, فالرسائل الخفية التي تبثها الإعلانات التجارية لا تهدف فقط للترويج للسلعة وإنما هي في أحيان كثيرة تهدف إلى الترويج لأفكار جديدة وعادات جديدة تتسلل إلى المجتمع دون شعور أو انتباه من أفراده.
ولتوضيح هذه النقطة, ننظر مثلاً إلى الإعلانات التجارية التي تروج لمنتجات عديدة والتي تقوم غالباً بتمثيلها نساء بمواصفات معينة, فالمرأة في الإعلان التجاري غالباً ذات قوام ممشوق, وطول فارع ولطافة غريبة, وفي هذا بث لرسالة خفية ترسخ مفهوم محدد للجمال الأنثوي, فالمرأة الجميلة هي التي تشبه فتيات الإعلان, والبيت الجميل هو البيت الذي يشبه ذاك الذي يظهر في الإعلان........إلخ وفي هذا كما لا يخفى, رسائل اجتماعية تغير كثيراً من نظرة الأفراد في المجتمع لمفاهيم الجمال والقيمة الإنسانية والفنية والتربوية مما ينعكس بمجمله على عاداتنا وتقاليدنا وحياتنا بشكل عام
ساحة النقاش