لا نكاد نجد أثراً معمارياً إسلامياً واحداً لم يزخرفه الفنانون المسلمون بأنواع الزخارف المختلفة، وقد شملت الفنون الإسلامية عناصر زخرفية متنوعة ومتعددة ،بمعنى إن لكل عصر من العصور زخارفه المميزة،والتي تصلح في كثير من الأحيان كوسيلة للتميز بين منتجاته ومنتجات العصور السابقة عليه أو اللاحقة له ،إلا أن هناك أنماطا زخرفية تظل دائماً على امتداد عصور زمنية مختلفة باقية ومتجددة . وتعتبر الزخرفة الإسلامية المعروفة باسم الأرابيسك من أهم هذه العناصر الزخرفية التي برزت عبر العصور المختلفة، وتجددت وتنوعت،
لكنها بقيت خالدة في مشرق العالم الإسلامي ومغربه، بل وتعدت هذا النطاق الجغرافي والحضاري لتغزو الفنون والعمارة الأوربية ،وكانت زخارف الأرابيسك ميداناً كبيراً عمل فيه الفنانون المسلمون، وكذلك بعض فناني أوربا لما وجودوه في هذه الوحدات الزخرفية من جمال فني رائع ومهارة صناعية عالية ، ونظراً لأن اسم الأرابيسك هو التسمية الأوربية لهذا النوع من الزخارف فإن التفسير لها ربما يكمن في كون العرب هم أول من ابتكر هذه الزخرفة وأدخلها إلى الفنون الإسلامية . واعتقد الناس لفترة طويلة إن كلمة أرابيسك ( الرقش العربي ) والتي تعني كل كنوز الفن الإسلامي مثل الزخارف الهندسية والنباتية، وكذلك زخارف الكائنات الحية والخط العربي ،ومع تطور الدراسات الخاصة بالزخارف أصبحت هناك حاجة ملحة لتعريف هذا المصطلح تعريفاً دقيقاً وأكثر تحديداً، لذا حدد هذا الفن على نوع محدد من زخارف الفن الإسلامي وهي ( الزخارف النباتية ) ،البعيدة عن أصولها الطبيعية والتي تبدو على هيئة حلقات متشعبة انقسامية متتابعة . ولا يمكن إغفال مواءمة هذا النوع من الزخارف لطبيعة الشخصية العربية الإسلامية ، فهناك تناسب واضح بين هذه الشخصية وتقاليدها ،وتعاليمها الدينية وبين هذه الزخرفة، فمن مميزات هذه الزخرفة إنها لا تحوي كائنات حية، أو أشكالا واضحة المعالم، بل هي أنماط زخرفية بعيدة عن أصولها الحقيقية ، أعطتها معالمها الجديدة ترتيباً مختلفاً جديدا. ويقوم هذا الفن على خطوط التزيين النباتية المؤلفة من براعم وأوراق متفرعة ومتصلة ومنوعة، دائمة الاتصال ،وبالتفصيل نجد إن الغصن الدائري يبدأ بها أو إنها تكمله أو تهيئه وهو يتموج ويتميز به ويتشابك معه .ويطل أحياناً من خلف الأوراق وتخفيه وراءها أحياناً أخرى ويتشابكان دائماً ،الغصن والأوراق ينبت بعضها من بعض فهي امتداد له وهو امتداد لها .وتوزيع الزخارف مدروس لملء الفراغ وتكسية السطح بالكامل بدوران هادئ متوازن، لانفعال في تحركه ولا مفاجآت في التفافه، مع المحافظة على عنصر الإدهاش في إلقاء المشاهد وسط متاهات وخطوط على أرضيات مربعة أو مسدسة أو مثمنة أو دائرية. ويمكن تقسيم المجموعات الزخرفية في فن زخرفة الأرابيسك إلى ثلاث مجموعات : المجموعة الأولى : المجموعة النباتية: وتتألف من ورق نخيل أو أنصاف ورق نخلية ، أوراق العنب وسويقاته وزهور ثلاثية، كلها وحدات زخرفية ربما ترجع أصولها إلى الفترة البيزنطية والساسانية، وكل هذه الفنون ورثها الفن الإسلامي . المجموعة الثانية : المجموعة الزخرفية الهندسية : وهي في الغالب داخل إطار، أو تكون الوحدة الهندسية محددة بذاتها كما هو الحال في زخارف الفسيفساء ،أو الإطارات التي تحيط بالفتحات المعمارية، ويبدو أن الزخارف الهندسية كانت معظمها ابتكارات الفنان المسلم، وليس كما هو الحال في الزخارف النباتية ،ويمكن وصف الزخارف الهندسية بأنها نزاع بين وحدات زخرفية كاملة ،وبصفة عامة فإن الفنان المسلم اعتمد في زخارفه الهندسية على الدوائر والخطوط المستقيمة . المجموعة الثالثة : وهي لانستطيع أن نضعها في المجموعة الهندسية أو النباتية حيث يوجد بها زخارف مثل أشكال الجزر الموجودة بكثرة على الفخار والخزف،وكذلك في بعض تصميمات الإطارات وزخارف الأقواس الموجودة على المعادن وخاصة البرونز . وتدخل أحياناً الكتابة في التزيين فترتاح الحروف على الأغصان أو تتحد معها، أو تشكل مضلعات ومتداخلات،وكثيراً ما اجتمعت الزخارف النباتية مع الزخارف الهندسية، وربما انتهت الحروف بتشكيلات نباتية .وقد يستعمل الشكل الهندسي أو الشكل النباتي أو الخط الكوفي أو الكتابة العربية الجميلة المتعددة النماذج وقد يكتفى بها وحدها لتشكل عملاً زخرفياً مستقلاً ولكن غالباً ما يشترك أكثر من عنصر لتألف عملاً فنياً متكاملاً. مصدر فن الأرابيسك ويتبادر إلى الذهن سؤال ما هو مصدر فن الأرابيسك ؟ والحقيقة إن فن الأرابيسك كان دائماً مجهول المصدر، ومن الصعب بل ومن المستحيل معرفة الرواد الأوائل من الفنانين الذين قاموا به لأول مرة أو الذين ابتكروه ،وإن ما نملكه فقط هو التطور الذي طرأ على فن الأرابيسك وكيف نشأ وتدرج في الارتقاء ، ومدى تأثره بالزخرفة القديمة ،وتنوعه بحسب المناطق الجغرافية والبلاد التي انتشر بها الإسلام، وهو ما سنتحدث به لاحقاً . يعود أقدم نموذج لزخرفة الأرابيسك إلى القرن الخامس المسيحي وهو عبارة عن شريط يتألف من أوراق الأكنتس المتتابعة والمتفرعة بعضها من بعض، كما يظهر فيها بوضوح التفرع المتكرر بانتظام والذي يرتد مرة إلى الأمام ومرة إلى الخلف،وهناك نموذج آخر يعود إلى القرن السابع هو عبارة عن زخرفة لولبية تتألف من تكوين ملون هيلنستي يرجع إلى منطقة تركستان، التكوين مرسوم بطريقة منتظمة للغاية إلى حد أن الأصول النباتية الطبيعية يصعب معرفتها، كما إن تفريعاته اللولبية يتضح فيها انفصال بين الشكل المستعمل في الزخرفة وبين تكراره المفصل .
المصدر: جمعية الدعوة الاسلامية
نشرت فى 30 مارس 2010
بواسطة princesslines
عدد زيارات الموقع
1,451,408
ساحة النقاش