نجحت فى التواصل مع طفلى الأصم ؟
حين منحني الله طفلا من الصم رضيت وحمدت الله على منحته لعلها راحلتي إلى الجنة ، ولكن ماذا بعد الرضا ؟ تثور أمومتي قلقا على مستقبل طفلي ؟ كيف سيتواصل مع العالم من حوله ؟ أعلم أن التواصل هو المفتاح لعقل الطفل ، أعلم أنه الذي يسمح بتنمية مهارات التفكير لديه والوعي بالعالم من حوله ، ولكن من أين وكيف أبدأ ؟ !! تتعدد الخيارات أمامي بداية من التواصل السمعي اللفظي وحتى لغة الإشارة مارا بالعديد من أشكال التواصل بينهما فماذا أفعل ؟ !!
بحيرتي وقلق أمومتي تثور أسئلتي ويرتد الصدى من (( نداء )) ولأني وجدت الطريق أضعه الآن أمام كل أسرة لعلنا جميعا ننجح في اختيار التواصل مع أطفالنا من الصم أو ضعاف السمع ..
وكان سؤالي الأول من أين أبدأ ؟ فكان لابد من دراسة كل شيء حول تواصل طفلي بقدر الإمكان وذلك بالتكلم مع آباء الأطفال الآخرين ( في جميع الأعمار ) من الصم وضعاف السمع ، وكذلك مع مجموعة متنوعة من الصم وضعاف السمع الذين خضعوا لبرامج تواصل مختلفة ، أرشدوني أيضا إلى التكلم مع معلمي الأطفال الصم وضعاف السمع ، وإلى زيارة مدارس وجامعات ومراكز تأهيلية مختلفة ، وإلى قراءة العديد من الكتب والمراجع والمقالات.
وكان لابد من النظر إلى حقائق تصنعها إجابات الأسئلة : كم عمر طفلي ؟ هل مقياس سمعه بالسماعات يظهر أنه قادر على سماع الأشخاص وهم يتكلمون في مستوى الحديث الطبيعي وعلى بعد 3 أقدام / 6 أقدام ؟ أين يقضى معظم أوقاته ؟ هل مع الوالدين أو أحد القائمين على رعايته الذين سوف يصبحون متخصصين في نظام تواصل جديد مثل لغة الإشارة إذا كان هذا هو نوع التواصل الذي سوف نقوم باختياره ؟ هل تأخر بالفعل عن سنتين أو أكثر من فرص تعلمه للغة ؟ أي من أساليب التواصل تستطيع الأسرة الالتزام به – أي الطرق ستحث غالبية أفراد الأسرة على التواصل مع طفلي ؟
إن اختيار أياً من أساليب التواصل يعتبر أمراً معقداً ، لأنه سوف يؤثر على حاضر ومستقبل الطفل والأسرة ، وقرارنا سيؤثر على علاقات الطفل الحالية والمستقبلية بالأسرة والأصدقاء والمجتمع ككل بل وأيضاً مستوى تعليمه والمهنة التي سيزاولها.
كنا في حاجة إلى التفكير في القيم والأهداف وكذلك الأحلام والآمال التي نحملها تجاه طفلنا باعتبارها تمثل جزءا في عملية اتخاذ القرار ؛ حيث تؤثر قيم أسرتي الدينية والقيم الخاصة بأسرتي الممتدة وأسلوب التعليم المتبع في مجتمعي المحلي بل والتعليم العالي على اختيارنا لأسلوب التواصل . أما عن أحلامي وآمالي فكان لابد من وقفة مع النفس : ما أملي وحلمي لطفلي ؟ هل سيشارك في المهنة والأعمال التي تمتهنها الأسرة ؟هل يمكن أن يصبح طبيباً ؟ كيف ومن سيتزوج ؟ وكيف سيكون تعامله مع أطفاله ؟ هل يمكن أن يكون عضوا منتجا وسعيدا في مجتمعه ؟
بداية قامت الأسرة بعدة تغييرات كنتيجة لعلمها بإصابة الطفل بضعف السمع وتضمن ذلك اختيار المعين السمعي واستخدامه وكذلك الانضمام لبرنامج التدخل المبكر ، وفي (( نداء )) كان الإرشاد الأسري وفقا لدرجة الفقد السمعي ؛ فإذا كان لدى الطفل ضعف سمعي بسيط أو معتدل فإن التغيرات التي سوف تقوم بها الأسرة فيما يختص بالتواصل تتضمن الحد من تأثير الخلفية الضوضائية عند وجود الطفل ، والحديث معه من مسافة تمكنه من فهم الكلام ، وإذا كان الطفل يعانى من ضعف سمع حاد أو عميق فقد يحتاج إلى استخدام نظام لغة الإشارة معه وفى هذه الحالة فسوف تلتزم الأسرة بتعلم لغة جديدة وهو نفس الالتزام الذي كانت ستتخذه في حالة انتقالها إلى بلد جديدة سوف تمكث فيها لسنوات طويلة تتكلم لغة جديدة بالنسبة لها ولأولادها ، فهنا نحن مضطرون إلى تعلم هذه اللغة ، ولن يقتصر الأمر هنا على تعلم واستخدام بعض الكلمات .. إذن لابد من التحاق الأسرة بفصول تعلم لغة الإشارة .. سوف نشاهد أفلام الفيديو الخاصة بهذه اللغة .. سنتدرب عليها وسنشارك من يستخدمونها بالفعل في التواصل بها ، وعندما يبدأ الطفل في استخدام تلك اللغة كوسيلة للتواصل فلابد من إتاحة الفرص أمامه لقضاء وقت مع أقرانه من نفس السن ممن يستخدمون هذه اللغة .. وقد يستدعى ذلك دخول عائلات جديدة في محيط علاقاتنا الاجتماعية وهذا سيفتح الباب لتعلم تقاليد وثقافة تلك العائلات التي تتشارك جميعها في جميع المجالات الاجتماعية.
إن الحاجة والرغبة في التواصل هي أمر حيوي لكل إنسان ، فمعظمنا يرغب في قضاء الوقت مع الأشخاص الذين يستخدمون نفس اللغة ويشتركون معه في نفس القيم الثقافية ، وبالمثل فإن الطفل الأصم إن لم يستطع التعبير عن نفسه وأن يفهم ويكون مفهوماً من غالبية أعضاء أسرته أو جيرانه أو المجتمع ككل فإنه لن يستطيع المشاركة بصورة كلية في عملية التفاعل الاجتماعي ، بل وقد يتعرض للكثير من الإحباطات والمشكلات .
إن الأشخاص الذين لا يستطيعون استخدام لغة الغالبية العظمى من المجتمع تكون فرص التعليم والعمل المتاحة أمامهم محدودة كما هو الحال في مجال التفاعل الاجتماعي بالآخرين وحتى مع التحاقهم بالعمل فقد يصبحون غير قادرين على تحقيق جميع الأهداف المرجوة من عملهم.
لذا فإن على الأطفال الذين تعد لغة الإشارة لغتهم التي تعلموها أولا أن يتعلموا لغة المجتمع سواء لفظياً أو / وكتابة للتواصل مع الغالبية العظمى من أفراد المجتمع ولتفتح أمامهم فرص أفضل للاختيار بين عدد أكبر من الكليات والجامعات ، وتتيح لهم مجالا أوسع لفرص عمل متنوعة ومتعددة .
وختاما فإن القدرة على التواصل بنجاح مع الآخرين أمر حيوي لصحة الطفل الانفعالية والاجتماعية ، وتستحق من الأسرة والمجتمع كل الاهتمام .
نداء
ساحة النقاش