جريدة أخبار الجمهورية الدولى

رئيس التحرير محمود أبومسلم

الإمام مالك بن أنس

 

تعريف :
إنه إمام دار الهجرة وشيخ المدينة وعالم أهل الحجاز أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي ، الذي نشأ في رحاب العلم مُخلصا له منقطعا إليه شأن كل إمام جليل ، ومن الطريف أن مالكا قد رأى لنفسه رأيا في مستهل حياته لو أنه قام بتنفيذه لحُرم العلم والدين شيخا من شيوخه وإمام من أئمته ، ذلك أنه قد راق له في باكر صباه أن يشتغل بالغناء ولعله قد أنِس في نفسه صوتا رخيما وأداءً جذابا ، ولكن أمه وكانت سيدة فاضلة سارعت إلى تقبيح الفكرة لديه موهمة إياه أنه قبيح المنظر والناس لا يَقبلون سماع المغني إذا لم يكن جميل المحيا وضيء القسمات ، ونصحته بالإقبال على الفقه فأذعن لرأيها ، وأقبل على الفقه والحديث ذلك الإقبال الذي هيأ منه إماما جليلا من أئمة الإسلام .
ونحن نتساءل الآن عن الموقف الذي كان يتخذه مالك فيما لو نظر في المرآة ووجد أن أمه لم تكن على حق ، ذلك أن مالكا كان جميل المحيا ، مكتمل البنية ، أبيض اللون إلى شقرة ، وظلت هذه السمات معه فكسته بالإضافة إلى حُسن هندامه في الكبر هيبة ووقارا قلما توفر إلا عند القلائل من عظماء التاريخ ، حتى أن حكومة المدينة ممثلة في واليها كانت تهابه وتحترمه ، والإمام الشافعي نفسه يقول : ما هبت أحدا قط هيبتي من مالك بن أنس ، على أن الهيبة التي جاءت مالكا كانت هيبة العلم ووقاره ، فكم من أنيق جميل المحيا لا يزن قدره عند الله والناس جناح بعوضة .

مالك يتعلم ويُعلم :
لقد كان مالك يتمتع بذاكرة حافظة لاقطة ، هذه الذاكرة التي أسعفته بحفظ كتاب الله في سن مبكرة كل الإبكار ، ولقد تتلمذ مالك على عدد كبير من أعلام هصره في المدينة مثل : نافع بن أبي نعيم ، والزهري ، ونافع مولى عبد الله بن عمر .
كما تردد مالك أيضا على ربيعة بن عبد الرحمن المعروف باسم ربيعة الرأي ، ومن الطريف أن أمه تلك المرأة الفاضلة كانت تلبسه أحسن الثياب وتعممه ثم تقول له : اذهب إلى ربيعة فتعلم علمه قبل أدبه .
ويصيب مالك علما كثيرا ويصبح أستاذا لكبار الأئمة الذين عاصروه مثل : الأوزاعي ، أو جاءوا بعده بقليل مثل الشافعي ويحيى بن سعيد ، بل إن بعض شيوخه من العلماء الكبار قد جلسوا إليه وترددوا على ندوته العلمية وسمعوا منه حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وتزداد ثقة العلماء بعلم مالك فينادي المنادي بالمدينة المنورة : ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وابن أبي ذئب ، وفي رأي أن الذي كان يأمر بذلك هو المنصور العباسي .
وكان الإمام يضع نفسه في مكانها الصحيح من الناحية العلمية فيقول : لا خير فيمن يرى نفسه في حالة لا يراه الناس أهلا لها ، ثم يقول في مناسبة جلوسه للإفتاء : ليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس حتى يشاور فيه أهل الصلاح والفضل والجهة من المسجد ، فإن رأوه لذلك أهلا جلس ، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك .
وكان مالك يدقق كل لتدقيق في تقبل أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحيث لا يرويها إلا إذا تحقق من صحة نسبها إلى قائلها عليه الصلاة والسلام ، ومن هنا جاء قول الشافعي : كان مالك إذا شك في شيء من الحديث تركه .
وكان الإمام مالك – وهو إمام أهل الحديث – إذا أراد أن يُحَدِّثَ قام فتوضأ ثم جلس على صدر فراشه وسرح لحيته وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة ثم حدَّث ، وقد سُئل في ذلك فقال : أحب أن أُعظم حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أُحدث به إلا متمكنا على طهارة ، وكان لا يركب في المدينة ويقول : لا أركب في مدينة فيها جثة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مدفونة .

فقه مالك :
كان مالك يعرف بالفقه والحديث ولم يعرض لعلمه صورة أخرى من صور التفكير الإسلامي الذي كان يعايشه من اعتزال وتشيع وقدرية إلى غير ذلك من تلك الاتجاهات التي لم تكن في نظره ونظر الكثيرين من المسلمين مأمونة العواقب ، وكان كثير الاستياء في إصدار الأحكام ومن ثَمّ في اختيار السبيل الذي ألزم نفسه به في تفكيره وبالتالي في فقهه ، لذلك كان المصدر الأول لفقه مالك هو القرآن الكريم ، وكان يستعين في فهمه بالإضافة إلى مداركه الواسعة ومكتسباته الجمة بالحديث الشريف والسنة ، والمصدر الثاني للفقه والتشريع عند الإمام هو السنة النبوية الشريفة ذلك أن السنة مبينة لأحكام القرآن شارحة لنصوصه ، وكان الإمام كثيرا ما يتمثل في هذا السبيل الآيات الكريمة التي تُوجّه إلى الانتفاع بالسنة النبوية كقوله تعالى : " وَما آتاكُمُ الرَّسولُ فَخُذوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " ، وكان مالك في مقام تعلقه بالسنة النبوية الشريفة يردد دائما قول الشاعر :

وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائعُ

والمصدر الثالث من مصادر فقه مالك هو قول الصحابة ، ويستوي في ذلك عند مالك المهاجرين من الصحابة والأنصار ، وكان المصدر الرابع لفقه مالك الإجماع وهو ما يجتمع عليه أهل الفقه والعلم على حد سواء ، وكان مصدره الخامس هو ما يعمله أهل المدينة لأنهم أبناء أولئك الذين صاحبوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولأن الأحكام العامة تعيش في المكان لعدة أجيال .
وكان الإمام مالك إذا أعوزه النص أو الدليل القريب يأخذ بالقياس والاستحسان والعرف وسد الذرائع والمصالح المُرسَلة ، ولكنه في هذه الأخيرة – أي المصالح المرسلة – يشترط للأخذ بها عدة شروط أهمها :
1- ألا تنافي المصلحة أصلا من أصول الإسلام ولا دليلا قطعيا من أدلته .
2- أن تكون المصلحة مقبولة عند ذوي العقول .
3- أن يرتفع بها الحرج لقوله تعالى : " وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ في الدّين منْ حَرَج " .
على أن هناك نصا في المعارف لابن قتيبة يجعل فيه الإمام مالكا من أصحاب الرأي ، ويلتقط الأستاذ أبو زهرة هذا النص ويُجري دراسة على فقه مالك ينتهي به إلى الموافقة على أنه فقيه رأي بالإضافة إلى كونه فقيه أثر ، وإن كان الرأي الذي ارتضاه مالك ليس هو الرأي الذي اختاره أبو حنيفة وأصحابه ، وأن الفرق بينهما فرق في طريقة الاستنباط بالرأي وليس في مقداره .
على أن الأمر الجدير بالذكر أن فيما يتلق بفتاوى الإمام مالك أنه لم يكن يُبدي رأيه سريعا فيما يُسأل عنه ، وإنما كان يقتل المسألة درسا وتمحيصا ، وكان يقول : إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ما أتفق إلى رأي فيها إلى الآن ، ومالك صادق الحس والنية عندما يقف طويلا أمام مسألة قبل الإفتاء فيها ويقول : ما من شيء أشد عليّ من أن أُسأل مسألة من الحلال والحرام لأن هذا هو القطع في حكم الله ، وكثيرا ما كان يُردد : إن نظن إلا ظنا وما نحن بمُستيقنين .
ولذلك فإن مالكا كان في فتاواه يلتزم الإجابة عن الأمور التي وقعت ولا يُحب أن يخوض في أمور مفترضة أو أحداث مُتوقعة كما كان يفعل أبو حنيفة ، ولعل من أسباب ذلك أن مالكا كان يعيش في نطاق محدد من الأرض وهو الحجاز هذا بالإضافة أيضا إلى رأيه في عدم التوسع في الفتاوى ، أما أبو حنيفة فقد كان يطوف في الأرض ويُكثر من اتصاله بالناس سواء في أول حياته عندما تعاطى التجارة أو في وسطها وآخرها عند توفره على الدرس ، فكانت مشاكل الناس أمامه أكثر وضوحا وأشد استشكالا ، ولقد كان مالك يردد عبارة تكشف عن احتياطه في إجاباته وهي : إذا ترك العالم " لا أدري " أُصيبت مقاتله .

مالك يُؤلف كتاب " المُوَطّأ " :
يذهب كثير من العلماء إلى أن الموطأ هو أول كتاب مؤلَّف في الإسلام ثابت النسبة إلى مؤلفه وتناولته الأجيال جيلا بعد جيل .
وأما مناسبة تأليف الكتاب فقد كانت نتيجة غير مباشرة للمحنة التي تعرض لها الإمام مالك حين ضربه والي المدينة العباسي بالسياط على ما قد سبق ذكره ، ثم رأى العباسي المنصور أن يسترضيه وتم التراضي على أن يلتقي الإمام والمنصور في مِنى في موسم الحج ، وتم اللقاء بينهما وكرم المنصور مالكا وجرى بينهما حديث طويل في شئون شتى اتسم بالمجاملة ولم يخلُ من حوار في الفقه أو الحديث أو العلم ، ولم يلبث الملك العباسي أن قال لمالك : يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودوِّنه ودوِّن منه كتبا وتجنب فيه شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس وشواذ عبد الله بن مسعود ، واقصد إلى أوسط الأمور وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضي الله عنهم لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبتك ونبثها في الأمصار ، ونعهد إليهم ألا يخالفوها ولا يقضوا بسواها ، فقال مالك : أصلح الله الأمير ، إن أهل العراق لا يرضون علمنا ولا يرون في علمهم رأينا ... وفي رواية أخرى قال المنصور لمالك : اجعل العلم يا أبا عبد الله علما واحدا ، فقال له مالك : إن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تفرقوا في البلاد فأفتى كل في مصره بما رأى ، وإن لأهل هذا البلد – يعني مكة فقد كان اللقاء في مِنى – قولا ، ولأهل المدينة قولا ، ولأهل العراق قولا تعدوا فيه طورهم ، فقال المنصور : أما أهل العراق فلا أقبل منهم صرفا ولا عدلا ، وإنما العلم عند أهل المدينة ، فضع للناس العلم .
وينصرف مالك إلى هذا العمل ويجمع في كتابه الحديث والسنة وأقوال أهل المدينة ، ويظل عاكفا على عمله العلمي الكبير لمدة إحدى عشر سنة ، من سنة 148 إلى 159 هـ ، ويُطلق على كتابه عنوانا طريفـا هـو " الموطأ " ، والموطأ لُغةً هو الممهد الميسر المعبّد ، ولا شك أن مالكا حين أطلق هذا العنوان على كتابه فإنما صدر في ذلك عن اقتناع أن هذا الكتاب الذي جمع الفقه والحديث قد يسر للمسلمين فهم دينهم على طريق ممهد معبد بعيد عن تلك الصعاب التي ذكرها المنصور سابقا .
ويقدم لنا الإمام مالك النهج الذي اتبعه في تأليف كتابه موضحا سبيله في الفقه فيقول : أما أكثر ما في الكتاب فرأي لعمري ما هو برأيي ، ولكن سماع من غير واحد من أهل العلم والفضل ، والأئمة المقتدى بهم الذين أخذت عنهم ، وهم الذين كانوا يتقون الله تعالى ، وكثر عليّ فقلت رأيي ، وكان رأيهم مثل رأيي مثل رأي الصحابة الذين أدركوهم عليه ، وأدركتهم أنا على ذلك ، فهذا وراثة توارثوها قرنا عن قرن إلى زماننا فهو رأي جماعة ممن تقدم من الأئمة .
وكان الإمام مالك نقادة للرجال ، لا يأخذ العلم إلا ممن وثق منهم وتأكد أنهم أهل لذلك ، وكان له في دلك أقوال حكيمة يمكن أن تدخل في نطاق الوسيلة التي اتبعها في جمع الأحكام والأحاديث التي ضمنها كتابه ، فهو مثلا يقول : لا يؤخذ العلم من أربعة ويؤخذ ممن سواهم ، لا يؤخذ من سفيه ، ولا يؤخذ من صاحب هوى يدعو إلى بدعة ، ولا يؤخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس وإن كان لا يُتهم على حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، ولا يؤخذ من شيخ له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحمل ويُحدّث به .
لقد كان مالك حسن الرواية للأحاديث جيد التمييز بين الضعيف والمتواتر وصحيح الإسناد ، ثم هو إلى جانب ذلك خبير بالرواة بارع التمييز بينهم براعة الصيرفي الماهر في اختبار الدراهم ، ولذلك جاء كتابه شيئا فريدا اعتز به كبار العلماء وامتدحه جهابذة الفقهاء ، حتى أن الشافعي يقول عنه : ما في الأرض – حتى زمانه طبعا – كتاب في العلم أكثر صوابا من موطأ مالك .
هذا وللإمام مالك مشاركة فعالة في التأليف ، فليس الموطأ أثره العلمي الوحيد ، وإنما له آثار علمية أخرى قيمة ، منها تفسير غريب القرآن ، رسالة في الرد على القدرية ، رسالة في الأقضية ، رسالة في الفتوى إلى أبي غسان ، كتاب السرور ، وأخيرا رسالته إلى الليث بن سعد إمام أهل مصر في زمانه .

 

 

جمهوري العزيز نقدم لكم كل جديد وحديث في دنيا الأخبار

لذا نرجو كتابة التعليق والتصويت لان هذا يسعدنا كما نسعدكم

مع تحيات / صحفي

محمود مســلم

Apu_msALm @yahoo.com

 

www.kenanaonline.com/ws/msALm

 

0102259689

0180688635/0115408636

 

 

 

المصدر: حيــــــــــــاة
msALm

صحفى محمود ابو مسلم الموقع أخبار رياضية – ثقافية- فنية- اجتماعية –حوادث وتحقيقات- زورنا على مواقعنا الإخبارية والإعلامية 01280688635 01023399536

  • Currently 245/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
82 تصويتات / 1993 مشاهدة
نشرت فى 26 سبتمبر 2009 بواسطة msALm

جريدة أخبار الجمهورية الدولى الالكترونى

msALm
الأخبار الفنية الرياضية السياسية - التحقيقات- قضايا المجتمع - قضايا المرأة -حوادث - بريد القراء - صالة التحرير- أعلانات - »

عدد زيارات الموقع

876,919

تسجيل الدخول

ابحث