قـضــية الأمـيــة
إعداد: مختار حسن الغباشى
العــنوان: كفر الشيخ سليم – مركز طنطا
محافظة الغربية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقـدمـة :
لقد استمرت جهود النهضة بالتعليم منذ رواده الأوائل رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك فى عزمٍ وإخلاص لمواكبة تطور المجتمع فى النواحى الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، وفى مواجهة الاعتداءات ( التحديات ) الأجنبية ، ومرحلة النضال الوطنى حتى تحقق نصر أكتوبر العظيم عام 1973 ، وقد استمرت الجهود لتطوير التعليم مع تطور المجتمع .
وقد شهد العقدان الأخيران جهوداً ملموسة فى تطوير التعليم منذ أن أعلن السيد الرئيس محمد حسنى مبارك أن التعليم هو المشروع القومى الأول فى تنمية المجتمع ومواجهة تحديات المستقبل ، وقد شملت تلك الجهود الملموسة العديد من مقومات العملية التعليمية من حيث المناهج ، ووسائل التعليم ، والتقويم ، وإعداد المعلمين وتدريبهم ، والبحوث ، والإدارة التعليمية والمبانى المدرسية الحديثة ... ، وذلك بالإضافة إلى التوسع فى توفير الخدمات التعليمية ونشرها فى جميع أرجاء البلاد .
ويتطلب الأمر استمرار تلك الجهود لتتواكب مع مسيرة تحديث مصر ونحن فى مطلع القرن الحادى والعشرين بما يحقق آمال الوطن والمواطنين .
وقد ارتفعت ميزانية التعليم (17) ضعفاً خلال الأعوام العشرين الماضية وبلغ عدد التلاميذ فى المدارس حوالى (17) مليونا ً، منها نحو (7) مليون طالبة والمدرسين نحو (900) ألفاً ، والفصول (375) ألف فصل ، أى بمتوسط (45) تلميذاً للفصل ، و(20) تلميذاً للمدرس ، وجميعها من النسب المرتفعة ، قياساً على المعدلات العالمية المقبولة وهى (35) تلميذاً للفصل ، و(12) تلميذاً للمدرس على الأكثر .
ومع ذلك وكل هذه الجهود المبذولة فنحن نواجه مشكلة كبيرة ، ألا وهى مشكلة الأمية فى مصر .
المجالس النيابية والوزارات منذ نشأتها وحتى اليوم وهى تتكلم عن هذه المشكلة بل الوصمة والجميع يصرخ مطالبا بوضع علاج ناجح لها ، ولكن للأسف حتى الآن بدون أى جدوى .
ذكر مجلس الشورى فى تقريره أن عدد الأميين حوالى 17 مليون أمى ، فى حين ذكر السيد وزير التعليم أن العدد حوالى 14 مليون أمى ، فى كل الأحوال فهى كارثة حقيقية أن يكون هذا العدد لايعرف القراءة والكتابة ونحن فى الألفية الثالثة .
إن قضية الأمية من أهم القضايا فى مصر ، والتى يجب أن نتكاتف جميعا حكومة وشعبا لمحاربتها ، فنحن جميعا نعلم أن التعليم يجب أن يكون فى مقدمة الاهتمامات وجعله المشروع القومى الأول فى مصر كما وضح السيد رئيس الجمهورية باعتباره قضية أمن قومى وخط الدفاع الأول أمام المخاطر المحتملة للعولمة وسلبياتها ، كما أنه الأداة الأساسية لاستثمار الموارد البشرية التى أصبحت تمثل العنصر الرئيسى للتقدم الاقتصادى والاجتماعى والعنصر الفعال فى مواكبة التطورات العالمية المعاصرة والمستقبلية ، لذا فمن الضرورى مواجهة هذه المشكلة مواجهة جادة وحقيقية حيث تمثل هذه المشكلة تحديا حضاريا يجب مواجهته بكل قوة .
طالب السيد رئيس الجمهورية بالارتقاء بقدرات الإنسان المصرى صانع التنمية وصاحبها من خلال برامج التدريب والتحديث المستمر لزيادة كفاءته وقدرته على مواجهة تحديات عصره .
هل يعقل أن نكون نحن أمة القرآن الكريم – أمة " إقرأ " ثم نرى أن من بيننا حوالى من 40 – 46 ٪ أميين لايعرفون القراءة أو الكتابة ؟
نحلم بالتقدم الاقتصادى والاستثمار الأمثل للموارد البشرية التى هى العنصر الأساسى فى تقدمنا فى جميع المجالات .
لذلك يتحتم علينا جميعا اتباع استراتيجية متدرجة لاستيعاب الأطفال من سن 4 سنوات فى رياض الأطفال ، ولذلك فمن الضرورى التوسع فى تخريج المعلمين المؤهلين لهذه الرسالة السامية ، وكذلك الاستعانة بالجهود الأهلية والخاصة فى هذا المجال الهام والحيوى .
التعليم والتعلم فريضة فرضها الله سبحانه وتعالى ، والإسلام حث على العلم وعلى التعلم ، فالمجتمع الإسلامى فى بداية نشأته ترعرع وكبر واستطاع أن يقف فى مواجهة أكبر قوتين فى ذلك العصر وهما الفرس والروم بالتعلم .
وقد كان القرآن الكريم سباقا إلى تحديد المنهج ، فقد جعل الأساس الأول لذلك هو البدء بتعليم الأميين القرآة والكتابة ، قال تعالى " هو الذى بعث فى الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آيته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفى ضلال مبين " وقد كانت أول آية نزلت على رسولنا الكريم " اقرأ باسم ربك الذى خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم ، الذى علم بالقلم ، علم الإنسان مالم يعلم " .
ولنا فى رسول الله e الأسوة الحسنة حيث حثنا على القراءة ، وأشار إلى أن قراءة الحرف الواحد بعشر حسنات لتشجيع القراءة وحث المسلمين على القراءة والكتابة وطلب العلم .
مما سبق يتضح لنا أن الإسلام ورسولنا الكريم e حرص على تعليم المسلمين القراءة والكتابة حتى يكونوا أمة علم وليس أمة جهل .
يجب أن تكون الأمية هى قضية المجتمع المصرى ، لذا يجب التركيز على استخدام الشباب ومن خلال الخدمة العامة للمساهمة فى هذه القضية وخاصة أن هناك طاقات كبيرة للشباب معطلة فى انتظار التعيين أو البحث عن عمل فمن الممكن استخدامهم فى هذا المشروع القومى .
من هو الأمى ؟ وما هو الهدف من محو الأمية وتعليم الكبار ؟
يقصد بالأمى ( رجلا كان أو امرأة ) كل من تجاوز عمره سن القبول بالمدارس الابتدائية ولم يلتحق بها أو تسرب منها ولا توجد لدية المهارات الأساسية للتعلم التى تمكنه من القراءة والكتابة.
ولذا فإن المقصود بمحو الأمية الوصول بالمستهدفين إلى مستوى تعليمى وثقافى يمكنهم من إفادة أنفسهم ومجتمعهم عن طريق اكتساب المهارات الأساسية فى القراءة والكتابة والحساب .
يهدف محو الأمية إلى تحقيق الأمور الأساسية التالية:
1- تنمية حب الله وتقواه فى قلوب الدارسين وتزويدهم بالقدر الضرورى من العلوم الدينية .
2- إكساب الدارسين مهارات القراءة والكتابة والحساب.
3- تزويد الدارسين بالمعلومات والمهارات والاتجاهات التى تمكن الفرد من تطوير نفسه وأسرته ، ومن المشاركة فى النهوض بمجتمعه، ومن القيام بواجبات المواطن المستنير.
كما يهدف تعليم الكبار إلى تحقيق الأمور الأساسية التالية:
1- تعميق حب الله وتقواه في قلوب الدارسين وتزويدهم بما يحتاجون إليه فى حياتهم من العلوم الدينية.
2- إتاحة الفرصة للذين أنهوا المرحلة الأساسية من محو الأمية لمواصلة التعليم فى المراحل الأخرى.
3- توفير الفرص اللازمة لاستمرار الكبار في القراءة منعا لرجوعهم إلى الأمية وتوفير البيئة التعليمية الملائمة لذلك.
4- تنظيم برامج ثقافية للكبار تلبى احتياجاتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
يجب أن ندرك ما أدركته جميع البلدان المتقدمة والنامية من أن نجاح برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية يرتبط ارتباطا وثيقا بنجاح برامج التنمية البشرية فيها، ويتوقف إلى حد كبير على مدى وعى المواطنين بضرورة مسايرة التطور والتغير المصاحب لبرامج التنمية عن طريق رفع مستوياتهم الثقافية والاجتماعية ، والعمل على رفع مستوى الأداء الفنى لديهم وإكسابهم المهارات المختلفة ؛ لذلك يجب أن تعمل الحكومة والجمعيات الأهلية وجميع مؤسسات الدولة على توعية المواطنين وحثهم على الإقبال على البرامج التعليمية المختلفة ، ومنها برامج تعليم الكبار التي يجب أن تتوافر فى جميع أرجاء مصر مصحوبة بكل أنواع الرعاية الصحية والاجتماعية والبيئية ، وتهتم بصفة خاصة بِحَثْ المتأخرين عن التعليم على الإقبال على برامج محو الأمية حيث تمثل الأمية مشكلة تعوق التقدم الحضاري .
الملامح الأساسية لتعليم الكبار :
بعد مرور سنوات تجاوزت المئات منذ بدأ الاهتمام بتعليم الكبار، وبذل الجهود فى سبيل نشره، وحث الأفراد على الالتحاق به، أخذت ملامح هذا العلم تتحدد وبرزت أهميته بالنسبة للأفراد والمجتمعات ، واتضحت علاقته بصفة خاصة بمشكلة محو الأمية التى مازالت تعانى منها بعض المجتمعات، كما اتسعت مساحة الأهداف التى يسعى تعليم الكبار إلى تحقيقها ، وتنوعت الاستراتيجيات التى يسير وفقا لها فى سبيل تحقيق الأهداف المرجوة والتى اختلفت من مجتمع إلى آخر تبعا لظروفه وأحواله ، إلا أنها اتفقت فى النهاية على أنه تعليم يوجه للكبار لتعويضهم ما فاتهم من فرص التعليم والتدريب ، لتحسين أوضاعهم ومساعدتهم على الارتفاع بمستوياتهم الشخصية وبمستوياتهم المعيشية وخدمة المجتمع.
ولقد تعددت الدراسات التى تناولت تعليم الكبار من حيث تعدد تعريفاته واختلاف أهدافه ووسائله والعوامل المؤثرة فى الإقبال عليه أو الإحجام عنه ، وإضافة إلى ما سبق فإنه يمكن إلقاء المزيد من الضوء على تعليم الكبار من خلال مناقشة الملامح التالية:
· الإستراتيجيات المتنوعة لتعليم الكبار.
· العلاقة بين تعليم الكبار ومشكلة محو الأمية.
الاستراتيجيات المتنوعة لتعليم الكبار
تختلف فلسفة تعليم الكبار من مجتمع لآخر باختلاف العوامل والقوى الثقافية فيه من حيث الظروف الاقتصادية والأحوال الاجتماعية والأنماط السياسية السائدة فيه ، وتنبثق استراتيجية المجتمعات فى تعليم الكبار من الاستراتيجية الخاصة بكل مجتمع باختلاف فلسفته وأيديولوجيته وبما يميزه عن المجتمعات الأخرى.
تبنت البلاد العربية الإستراتيجية العربية لمحو الأمية وتعليم الكبار التي أقرها مؤتمر الإسكندرية الثالث المنعقد فى ديسمبر عام 1976م. وهذه الاستراتيجية المتبناة هى نمط من استراتيجيات المواجهة المكثفة فى المدى القصير ، مع الأخذ فى الحسبان أن كل قطر عربي يتعين عليه أن يصوغ استراتيجية لمحو الأمية وتعليم الكبار به وفقا لظروفه المحلية وفى إطار الاستراتيجية العامة ، وهذه الاستراتيجية العامة التى أقرها المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثـقافة المنعقد بنيروبى في أكتوبر عام 1976م فى دورته التاسعة والتي عرفت تعليم الكبار على أنه المجموع الكلى للعمليات التعليمية المنظمة أيا كان مضمونها ومستواها وأسلوبها ، مدرسية كانت أو غير مدرسية ، وسواء أكانت امتدادا أو بديلا للتعليم الأول المقدم فى المدارس والكليات والجامعات أو فى فترة التلمذة الصناعية والذى يتوصل به الأشخاص الذين يعدون من الكبار فى نظر المجتمع الذى ينتمون إليه إلى تنمية قدراتهم وإثراء معارفهم وتحسين مؤهلاتهم الفنية أو المهنية أو توجيهها وجهة جديدة وتغيير مواقفهم أو مسلكهم ، مستهدفين التنمية الكاملة لشخصيتهم والمشاركة فى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية المتوازنة والمستقلة .
ويرتبط بتنوع استراتيجيات تعليم الكبار اختلاف مفهومه من بلد لآخر ، ففى المجتمعات التي ترتفع بها نسبة الأمية يستخدم المصطلح كمرادف لمحو الأمية ، على حين أن المجتمعات التي انتهت بالفعل من مشكلة الأمية ، فتعليم الكبار فيها يعنى إتاحة الفرصة للحصول على المزيد من التعليم ، وعلى الرغم من هذه الاختلافات فإن نقطة البداية الحقيقية لتحديد هذا المفهوم يمكن أن تبدأ بأن نعرف من هو الكبير ، ومن هنا نجد البعض يتخذ السن تحديدا لمفهوم الكبار ، والبعض الآخر يرى أن مفهوم النضج النفسى يمكن أن يصلح لتحديد من هو الكبير ، بينما تؤكد فئة ثالثة على الدور الاجتماعي الذى يلعبه الفرد فى المجتمع كأساس لتحديد مفهوم الكبير .
هذه الاستراتيجيات المتنوعة لتعليم الكبار جعلت منه ميدانا واسعا وعريضا يتعامل مع فئات عديدة من البشر فى مجالات متنوعة ومختلفة ومتجددة دائما ، لذلك تبتكر مصطلحات جديدة لتعليم الكبار لتتناسب مع الاستراتيجيات الخاصة به فى كل من المجتمعات ، ومن هذه المصطلحات: التربية الأساسية ، وتربية المجتمع ، والتربية الاجتماعية ، والتربية المستديمة ، والتربية مدى الحياة ، وتربية الجماهير ، والتربية خارج المدرسة ، وغير ذلك من المصطلحات التي تدور في فلك تعليم الكبار، وكلها تسهم فى توضيح معالمه وتجلية مفهومه.
تنوعت أنشطة تعليم الكبار واختلفت باختلاف الاستراتيجيات من بلد لآخر، إذ يقدم كل بلد برنامجا مختلفا لتربية الكبار تبعا لحاجاته الخاصة ، ففي البلدان المتقدمة ثقافيا وتكنولوجيا كبلدان أوروبا الشمالية والولايات المتحدة وكندا يرتبط مفهوم تربية الكبار بصفة رئيسية بقضية التوعية الفكرية والسياسية ، وكذلك بأنشطة الأفراد الخاصة بتطوير الثقافة الوطنية فى كل منها ، وتعنى تربية الكبار بالنسبة لهذه المجتمعات الاكتساب المستمر للمزيد من الخبرات الحضارية بقصد تحسين أسلوب الحياة الإنسانية وزيادة وعى الأفراد لما يجري حولهم من أمور وتغيرات . وعلى هذا فإن التعليم والتدريب المهنى لا يدخلان بشكل كبير فى إطار برامج تربية الكبار في تلك البلدان ، بينما نرى على النقيض من ذلك بلدانا أخرى كدول أوروبا الشرقية تقدم لأفرادها الكبار مجموعة كبيرة متنوعة من برامج التدريب المهنى والفنى ، وبين هذين النمطين نجد أن تربية الكبار في البلدان النامية التي ما تزال تواجه مشكلات التنمية الاجتماعية والاقتصادية أكثر التصاقا واهتماما ببرامج محو الأمية والتربية الأساسية والتعلم الوظيفى .
وتختلف طرق التدريس المستخدمة فى تنفيذ برامج تعليم الكبار ما بين المحاضرات والمناقشات والحلقات الدراسية والدراسات المستقلة والدراسة بالمراسلة والدراسة عن بعد عبر الراديو أو عبر الشاشات التليفزيونية أو من خلال برامج الكومبيوتر وشبكة المعلومات- الإنترنت- أو بأى طريقة أخرى بما يتفق ونوعية الاستراتيجية المرسومة لكل بلد .
وباختلاف استراتيجيات تعليم الكبار اختلفت أهدافه وتنوعت توجهاته .
العلاقة بين تعليم الكبار ومحو الأمية :
يعتبر محو الأمية ركنا مهما وأحد المشتملات الأساسية لبرامج تعليم الكبار فى مصر ، حيث تمثل الأمية تحديا خطيرا يواجه هذه الأمة فى مسيرتها نحو التنمية والتقدم ، لذلك وضعت البرامج الوطنية فى مقدمة خططها وأهدافها ضرورة مواجهة مشكلة الأمية باعتبارها من أصعب العوائق التى تعترض طريق التنمية .
يجب أن تحتل مشكلة الأمية مركز الاهتمام الأول على جميع المستويات المجتمعية .
مخـاطـر الأمـيـة :
الأمية وبال خطير على الأمة ، فهى تأثر تأثيرا سيئا على تقدم الوطن ورفعته ، فالشباب الجاهل وبال على الوطن ، وحتى المرأة الجاهلة ليست لديها المقدرة على تنشئة أبنائها تنشئة سليمة لكى تعطى للوطن مواطنين صالحين قادرين على الصمود أمام هوجة العولمة ومخاطرها .
إن الأمية تشكل عائقا في طريق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمكافحتها والقضاء عليها قضاء تاما .
مشكلة الأمية مشكلة معقدة ترتبط بمعظم المشكلات الاقتصادية والسكانية والصحية ، مما يشكل عائقا معطلا لجهود التنمية الشاملة والتى لم تعد قاصرة على تنمية رأس المال البشرى ، ولعل أحد العوامل التى يرجع إليها بطء النمو الاقتصادى والتقدم الاجتماعى فى مصر هو عدم استغلالها لمواردها البشرية رغم كثرتها ( بل تزايدها زيادة سريعة ) الاستغلال المناسب ، إن هذه الموارد مازالت تعانى من الأمية ، ومن نقص فى المهارات الفنية الحديثة ومن التكيف مع الاتجاهات الجديدة التى يعيشها المجتمع .
والحقيقة فإن الأمة التى تتفشى فيها الأمية لايمكن أن يكون لها وزن أو مستقبل بين الأمم ، ونحن نعيش فى الألفية الثالثة صارت الغلبة فيها للعلم والمتعلمين .
أما بالنسبة للفتيات فتشير الإحصائيات في مصر أن هناك أربعة ملايين من الفتيات من سن 20:15 أميات وأن أكثر من النصف ( أكثر من 2 مليون ) من هؤلاء الفتيات لم يلتحقن بالمدارس أو تسربن منها وغير متزوجات ولا يعملن في الوقت الحاضر وهو ما يعد مثبطا لمعنويات هؤلاء الفتيات خاصة اللاتى اكتسبن قدرا من التعليم وقد أوضحت الدراسات الحديثة أن الكثير من هؤلاء الفتيات يتعرضن للضغوط العائلية الشديدة للزواج فى سن مبكرة وضد رغبتهن وبالتالى يصبح العديد منهن أمهات وهن ما زلن فى سن ما قبل العشرين وبالرغم من البرامج التنموية التي تقوم بها الدولة ألا أن هذه الفئة العمرية قد تم نسيانها تماما ، ولذلك فلابد من وجود برامج لرعاية هؤلاء الفتيات من منطلق أن :
1. بنات مصر هن مستقبل مصر .
2. بنات مصر هن أمهات المستقبل .
3. البنت المتعلمة هى الزوجة الصالحة والام المثالية .
4. البنت المتعلمة قادرة على العمل الأفضل والكسب الأكبر .
أسباب تفاقم ظاهرة الأمية فى مصر :
1) عدم قدرة المؤسسة التعليمية فى مصر على استيعاب من هم فى سن الإلزام وذلك بسبب الانفجار السكانى من ناحية ، وقلة الموارد المتاحة لبناء عدد كاف من المدارس التى تتناسب مع الزيادة الهائلة فى السكان من ناحية أخرى .
2) عزوف بعض الأهالى عن قيد أبنائهم بالتعليم الأساسى خاصة فى ظل عدم التزام أولياء الأمور بالقانون الذى يقضى بأن يسجل الآباء وأولياء الأمور أولادهم فى سن الإلزام .
3) لجوء الأسر الفقيرة إلى استخدام أبنائهم وبناتهم فى العمل وذلك لحاجتهم إلى المال مما يؤدى إلى حرمانهم من حق العلم والتعلم .
4) عدم المساواة بين الذكور والإناث فى التعليم فى بعض المناطق الريفية وذلك بفعل عوامل اجتماعية وثقافية مترسخة لدى الكثير من الأسر فى هذه المناطق مثل الزواج المبكر للإناث .
5) زيادة معدلات التسرب من التعليم الأساسى ويدخل فى أسبابه كل ما سلف ذكره بالإضافة إلى كارثة الدروس الخصوصية وما يترتب عليها من تسرب الأولاد فى بعض المناطق المحدودة الموارد مثل القرى والمناطق الشعبية وذلك بسبب الظغوط التى تمارس على التلاميذ من بعض المدرسين معدومى الضمير .
6) فصول محو الأمية التى تم فتحها لمجابهة هذه الظاهرة الخطيرة والوباء القاتل للموارد البشرية لم تتمكن من المساعدة فى القضاء على هذه الظاهرة وذلك للأسباب الآتية :
ú افتقاد المدرس للقدرات والمهارات التى تؤهله لآداء مهمته حيث أن أى خريج أيا كان مؤهله يمكنه أن يتعاقد مع الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ويفتح فصل بغض النظر عن صلاحيته لهذا العمل .
ú عدم التدريب الجيد للمدرس .
ú عدم توافر النضج الكافى لدى المدرسين الذين يعملون بمحو الأمية للإقناع والتأثير وجذب الدارسين .
ú إلقاء عبىء جذب الدارسين على المدرسين فقط وهذه مشكلة كبيرة لايستطيع المدرس منفردا التغلب عليها ، وكذلك ربط أجر المدرس بعدد الدارسين مما يؤدى إلى إحجام الشباب عن المشاركة فى هذا المشروع .
ú سوء المكان الذى يتم فيه ممارسة عملية محو الأمية ، حيث أنه غالبا ما يتم اختيار أسوء فصول المدرسة ليتم بها عملية التدريس ، أو فى مضيفة أو دار مناسبات قديمة مهلهلة وغير صالحة لهذه العملية .
ú تدنى نظرة المجتمع للدارس فى فصول محو الأمية ، فالجميع ينظر إليهم على أنهم مواطنين مستوى أقل منهم مما يؤدى إلى إحجام الأميين عن الإلتحاق بفصول محو الأمية .
ú عدم إيمان هؤلاء المدرسين بقضية محو الأمية ، فالمدرس لايهمه فى هذه الحالة سوى المرتب الذى سيتقاضاه .
ú الخلط بين الدارسين من مختلف الأعمار فى فصل واحد ، فنجد مثلا أطفال صغار فى سن 14 سنة مع دارسين آخرين فى سن آبائهم وذلك يسبب حرج للكبار منهم ، وكذلك الفصل الواحد يحتوى على الإناث مع الرجال مما يسبب المضايقات والحرج لدى الإناث وهذه أسباب كفيلة لعدم الذهاب إلى فصول محو الأمية .
ú نقص الوعى لدى بعض الأسر بأهمية التعليم وخصوصا للبنات .
ú عدم وجود أى حافز للدارس فى محو الأمية .
ú صعوبة استخراج شهادة محو الأمية وطول فترة انتظارها .
ú الارتداد للأمية مرة أخرى بعد محوها نتيجة عدم المتابعة .
ú عدم ربط المنهج بالبيئات المختلفة للدارس وتنوع ثقافتهم .
ú عدم التواصل بين المستويات فى مناهج الدراسة .
ú غياب الوسائل التعليمية المتطورة .
ú جمود المنهج مما يشعر الدارس أنه لن يستطيع التجاوب مع هذا المنهج.
ú قصر المدة المخصصة لتدريس هذا المنهج ، فكيف نتصور أن ما يدرس فى المدارس الابتدائية على مدى سنوات يدرس فى فصول محو الأمية فى سنة واحدة .
ú عدم وجود منهج تدريبى للمدرسين .
ú عدم التنسيق بين الجهات المهتمة بالقضية مثل الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار والمحليات ودور العبادة .
ú عدم نشر الوعى بحق الإنسان فى التعليم .
ú عدم وجود اتصال بين الهيئة العامة وتعليم الكبار وبين منظمات المجتمع المدنى التى فى هذا المجال .
7) ظاهرة التسرب من التعليم هى البوابة الخلفية التى تزيد من معدلات الأمية فى مصر ومن أسباب تزايد هذه الظاهرة :
? الظروف الاجتماعية للأسر مثل انفصال الأب والأم وكثرة عدد الأولاد .
? الظروف الاقتصادية للأسر مثل قلة الدخل والأمراض حيث تلجأ الأسر الفقيرة إلى استخدام أبنائهم وبناتهم فى العمل وذلك لحاجتهم إلى المال مما يؤدى إلى حرمانهم من حقهم فى التعليم .
? الدروس الخصوصية وما تتكبده الأسرة من مصروفات هائلة على هذا البند .
? عدم قيام المدرسة بدورها على الوجه الأكمل ( انعدام دور الأخصائى الاجتماعى - معاملة التلاميذ من بعض المدرسين بصورة غير لائقة – إجبار التلاميذ من بعض المدرسين للذهاب للدروس الخصوصية – كثافة الفصول وما يترتب عليها من عدم استوعاب التلاميذ للدروس – المناهج الجامدة ) .
التوصيات :
1) ضرورة وجود شبكة اتصال فورية وفعالة بين الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ومنظمات المجتمع المدنى التى تعمل فى هذا المجال للعمل سويا .
2) تكاتف كل أجهزة الدولة للقضاء على الأمية .
3) ضرورة العمل على الحد من ظاهرة التسرب من التعليم والتى تعتبر البوابة الخلفية للأمية ولعلاج أسباب التسرب من التعليم يوصى باتباع الآتى :
? ضرورة قيام الأخصائى الاجتماعى بالمدرسة بدوره على الوجه الأكمل .
? صرف مساعدات فورية عن طريق برنامج تحسين التعليم لكل من يرغب فى العودة للتعليم من المتسربين .
? الدعوة لدى الجمعيات الأهلية بكافة أشكالها بالتضامن لحل هذه المشكلة .
? حماية التلاميذ المعرضون للتسرب من التعليم قبل تفاقم المشكلة وذلك بمساعداتهم ماليا واجتماعيا .
? مد مظلة هذه الحماية إلى التلاميذ المعرضون للتسرب من الأزهر الشريف حيث أنهم يمثلون نسبة كبيرة جدا فى أغلب القرى قد تصل إلى حوالى 60 ٪ من إجمالى نسبة المتسربين .
? تصنيف التلاميذ داخل الفصول حسب مستوياتهم .
? التأكيد على الدور الهام الذى يجب أن تماسه دور العبادة فى هذا الشأن .
? التأكيد على دور الوحدات الاجتماعية وما يجب أن تقوم به من حماية اجتماعية لأسر التلاميذ المتسربين من التعليم والمعرضون للتسرب من التعليم وضرورة الإعلان على أنه سيتم ربط مساعدات للأسر التى تهتم بأولاده فى التعليم أكثر من غيرهم .
? التوجيه لدى لجان الزكاة والجمعيات الشرعية وأهل الخير بضرورة ربط ما يقدم من مساعدات لهذه الأسر بمدى استمرار أولادهم فى التعليم .
4) إدخال المجتمع بكافة فئاته كشريك فى العملية التعليمية .
5) الارتقاء بمستوى المدرس القائم بهذه العملية داخل فصول محو الأمية وتدريبهم والإعداد الجيد لهم .
6) الاتفاق على الهدف العام بين الجمعيات الأهلية التى تعمل فى هذا المجال وبين الهيئة العامة لمحو الأمية .
7) إيجاد وسائل فعالة لجذب الدارسين وتحفيزهم لتواصل التعليم .
8) يجب العمل على عودة الكتاتيب القديمة بصورة جيدة تساعد على تعليم القراءة والكتابة للأطفال منذ الصغر وخاصة فى القرى والعزب والنجوع حيث أن لها دور كبير إذا أحسن استغلالها ، حيث أن معظم رموز مصر تخرجت من هذه الكتاتيب.
9) دور العبادة من مساجد وكنائس لها دور كبير فى هذه العملية ، لذا يجب التركيز على الناحية الدينية فى معالجة هذه المشكلة لما للدين من أكبر الأثر فى حث المواطنين على التعلم وتنظيم فتح فصول محو الأمية فى دور العبادة .
10) مساهمة ومساعدة طلاب الجامعات وخاصة فى إجازة الصيف بمحو أمية مجموعة من المواطنين مقابل حافز يشجع هؤلاء الطلاب على المضى قدما فى هذا الاتجاه .
11) زيادة المساحة المخصصة لبرامج محو الأمية في الإذاعة والتليفزيون .
12) إلزام الهيئات والمؤسسات الحكومية وشركات قطاع الأعمال بمحو أمية العاملين فيها .
13) عدم التعيين في أي وظيفة مهما كان مستواها المتدني إلا بعد تقديم شهادة محو الأمية .
14) عدم منح أي تراخيص للعمل أو مزاولة الأنشطة التجارية والحرفية والخدمات بدون حصول صاحب الطلب علي شهادة محو الأمية .
15) ضرورة إدراج برامج محو الأمية ضمن مشروعات خدمة المجتمع بالجامعات وتشجيع الطلاب علي المشاركة في تنفيذ هذه البرامج بعد تأهيلهم وتحفيزهم ماديا أو من خلال درجات تضاف إلى مجموع درجاتهم عند التقويم وكذلك إعطاء الأولوية للعمل فى مشروعات محو الأمية عند تكليف خريجي الجامعات والمعاهد العليا بالخدمة العامة .
16) الاستفادة من خريجى الجامعات في مشروعات محو الأمية خلال فترة تجنيدهم علي أن يحصلوا على أجر رمزى بصفة شهرية .
17) إصدار طابع لمحو الأمية يتم فرضه علي جميع المعاملات الرسمية والتراخيص والشها�
ساحة النقاش