كنت قد ذكرت في المقال المعنون (كينروس تازيازت تنتهك حرمة مقابر الأجلة الأعلام) بعض الأجلة الأعلام، بما فيه الكفاية قطعا، لإيقاظ النائم، تذكير الناسي، تعليم الجاهل، وإفحام الناكر المتجاهل وهو عين الحاذق الفهم، فكما أن تلك الأرض عامرة  بالذهب وغيره من المعادن النفيسة، هي كذلك آهلة بمقابر الأجلة والأعلام بالقدر ذاته، ليس من الممكن تعدداهم في مقال ولا حتى كتاب واحد، كما أن تجاهلهم أو عدم ذكرهم فوق التصور و المستطاع، لذا حاولت الإشارة إليهم جميعا بالرجوع إلى أصولهم الجامعة والمعبرة عنهم، قبائلهم، لأثير فضول القارئ للبحث والسؤال عن أسمائهم، مزاراتهم، ومساهماتهم الكبيرة والعظيمة في تشكيل هذه الأمة ومنظومتها القيمية والمادية على حد سواء، فاتحا الباب على مصراعيه لكل ذي لب صاحب علم،  للإدلاء بدلوه والمساهمة بفكره وعلمه.

 

في هذه المرة سأتحدث عن مقبرة كدية (أنديرك)، مقبرة كبيرة، مميزة جدا بساكنها، مزار معروف تقصده الناس، إمامها الشيخ أحمد يعقوب، علم من أعلام موريتانيا في العلم، الصلاح، الاستقامة في الدين، الورع، والشدة على الظلمة وأهل المعاصي، السيد الجليل، شفاء العليل، مأوى الذليل، المهاب الجميل، كاشف الغم المهيل، الصادق الخليل، الهادي الدليل، العارف بأحكام التنزيل، النبيل الأبيل.

 

هو أحمد يعقوب بن محمد بن ابنعمر علما، الحلقة الثانية فيما رواه محمد الخضر عنه عن شيخه الشيخ محمد المامي، ألف الكتب، قرض الشعر، استأثر بإقامة حد القصاص ثلاثة مرات في هذه البلاد، حكم، قضى، بث العلوم، حفر الآبار، خاف الله فخوف الله منه الظلمة وأهل الجور والفساد، هابه الأمراء وتحاشاه الظلام، مجاب الدعوة، طيب السريرة، كانت الناس تخشى قسمه حين يقول (عظمت ربي)، يحكم بالشريعة، لا يخاف في الله لومة لائم، قريحته ليست قريحة، طبعه ليس طبعا، يداوي القلب العازب، يكشف الهم اللازب، لا يمسك  ولا يحجم، عنده المال والكتاب، أيامه كانت أيام رخاء البال وصفاء الحال.

 

لهذا الرجل قصة عجيبة، فهو السيد ابن السادة من علية القوم، كثير المال والخدم، النسيب الحسيب، الجميل العزيز، الفتى الغر، يغبطه أقرانه، ذات يوم وهو شاب كان يتسابق مع أقرانه ويلهو، فقال له رجل صالح : ما لهذا خلقت؟ فأرشده إلى ابن عمته الشيخ محمد المامي، ولما قدم إلى الشيخ وسأله أن يتتلمذ عليه أمره برعي إبله، فهضم الشاب نفسه وهانت عليه نخوته لما عرف من الحق، وأخذ العصا و لازم الإبل حولا كاملا، فدعاه الشيخ محمد المامي وقال له: اليوم تأخذ أجرتك، وذهب به إلى ربوة شمال الخيام ومسح وجهه بيده فصار بحرا محيطا بجميع العلوم، وأمره الشيخ بالجلوس لبث العلم، فكثر طلابه وجلس للتعليم والتأليف، يكفيه أنه تخرج على يديه العلامة المحقق وحيد عصره محمد الخضر بن حبيب،   صاحب المفاد.

 

من مؤلفات الشيخ أحمد يعقوب كتابه (نيل الكريم) في الفقه، الجدير بأن يفيض على تلك المجلدات، ومن شعره في رثاء شيخه الشيخ محمد المامي:

 

ألا إن في الدنيا خطوبا تبصر                وفي  السير   عنها  للنعيم  تصبر

 

لئن جنت الدنيا بــأيق ثمارها                 فقد كان للأخرى سرور ومفخر

 

أيق: كدية عندها قبر الشيخ محمد المامي.

 

كان الشيخ أحمد يعقوب رحمه الله وجيها عند القبائل المحاربة قاصيها ودانيها، مهيبا لديهم، وكان حكيما في التعامل معهم، ففي الحالات الثلاثة التي حكم فيها بالقصاص، أمر في الأولى بأن ينفذ الحكم في القاتل رئيس قبيلته وابن خالته فامتثل، وفي الثانية تولى التنفيذ اثنان من أسرتي المشيخة في قبيلة الجاني، وفي الثالثة نفذ ابن الجاني الحكم فيه، أراد الشيخ أحمد يعقوب بذلك سد الباب على الآثار التي قد تترتب على تنفيذ تلك الأحكام.

 

عجبا لهذا الشبر في (انديرك)، كيف استطاع ضم هذا البحر المحيط المتلاطم الأمواج، والأعجب كيف نضن بهذا الشبر عليه، كيف وهو الذي تخشى الليوث من شدته، هو المشار إليه إن خطب دهى، هو الذي يخفي نفسه تواضعا وتنم عنه وسائل السلطان، هو المدافع عن عشائر كثيرة في الثغور فاحشة الخطر،

 

فالله يقبل ما بنته يمينه      فهو الشكور لما بناه الباني

 

والله يكرم نزله في جنة     محفوفة بالنـخل والرمــان

 

في مزار الشيخ أحمد يعقوب، يرقد ضيفه محمد فاضل ولد محمد لمين ولد الحاج ولد محمد مولود، العالم الرباني، الفائق في الصلاح والورع، الفهامة الكبير، النقالة القدير، الحافظة النحرير، الشاعر الوزير، من وزراء محمد ولد عبد العزيز ولد الشيخ محمد المامي، الشيخ محمد المامي الذي يعود الفضل في عودته، لعمه العالم العلم  سيد ولد محمد مولود، المكرم من كرام غير أنكاس

 

يا قوم توبوا فلا عار ولا خطل      فبالمتاب يماط الذنب والزلل

 

ضيفه الثاني الراقد بسلام، عبد الله ولد البخاري ولد الشيخ محمد المامي، (وده) علما، المعروف بالعقل والعلم والصلاح والكياسة، الفائز بالدراسة، المنفق في السياسة، خلقه التقوى،  علم ليعمل بالشرع، جمع المروءة بالدين، لم يقصد بجوده الرياء ولا السمعة، كان ماله الزرع والضرع لأهله وإخوانه.

 

رب إني إليك عين التجاء     منك خوفي وفيك رب رجاء

 

رب يارب رب أمن بلادا     نحن فيـها من البلا والوبــاء

 

وقنا ظلم من يروم حمانا     رب أنت اللطيف بالضعفـاء

 

بقي فقط أن أحذر شركة كينروس تازيازت ومن يليها، من أن للشيخ أحمد يعقوب قرونا، وأنها مؤذية جدا، وانه يستخدمها أحيانا،

 

وقد أعذر من أنذر:

 

لأن للبيت ربا سوف يمنعه    طيرا أبابيل إن جاح الغرابين

 

 

 

 

ملاحظة:

 

-  للحصول على نسخة من هذا المقال باللغة الانكليزية ترجى المراسلة على البريد الالكتروني.

 

المهندس محمد أبات الشيخ

 

[email protected]

 

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 366 مشاهدة
نشرت فى 22 يناير 2012 بواسطة mohamedhademine

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,497