Global

سيطر الحرفيون في فرنسا وإنجلترا على تصميم الأثاث خلال القرن الثامن عشر، وقلد صانعو الأثاث في الأقطار الأخرى التصميمات الإنجليزية والفرنسية وطوروها إلى أنماط وطنية خاصة بهم.

أولا: الطُرُز الفرنسية:

أخذ نمط ريجنسي الذي ساد في أوائل القرن الثامن عشر اسمه من الحاكم المؤقت الذي حكم فرنسا خلال تلك الفترة. عندما توفي لويس الرابع عشر عام 1715م أصبح حفيده -وعمره خمس سنوات فقط- ملكًا، وهو لويس الخامس عشر. ولصغر سن الملك فقد تم تعيين عمِّه دوق أورليانز حاكمًا مؤقتًا. ولم يحب الدوق رسميات القصر المترف في فرساي، فنقل البلاط الملكي إلى باريس. وهناك ظهر أسلوب أقل في رسميته بين أفراد البلاط الملكي. فسكنوا في منازل سُميت منازل المدينة وكانت أصغر وأقرب إلى المألوف من قصر فرساي. أما نمط الأثاث الذي صنع لهذه المنازل فقد سُمي طراز ريجنسي .
اتصف أثاث ريجنسي بخفة ورشاقة فاقت أثاث لويس الرابع عشر، فكان يركز على التعرُّجات والتصميمات النباتية الرقيقة. ولعل أهم خواصه أنه استخدم أرجل الكابْرِيُول المستوحاة من الأثاث الصيني.
ابتدع اثنان من صنّاع الخزائن الخشبية الفرنسية خلال فترة انتشار نمط ريجنسي ، صندوقًا بأدراج غير مرتفعة سمَّياها الكُومُّود . وهذان الصانعان هما أندريه شارلس بول وشارلس كِريسنْت. وأصبح الكومود من القطع الشعبية جدًا في أثاث القرن الثامن عشر، وصنع في كل الأقطار الأوروبية، مع بعض الاختلافات الإقليمية.
خلال الثلاثينيات من القرن الثامن عشر وأخذ طابعًا آخر عُرف باسم الرُوكُوكُو . وأهم المصممين في هذا الطراز هو جسْت أوريل ميسُونْييِّه. وكانت وحداته الزخرفية تركز على التعرجات الدوَّامية، وعلى التصميمات اللاتماثلية (غير المتناظرة)، وعلى نحوت من الصخور والأصداف. وعرف أسلوب الروكوكو أيضًا باسم أسلوب لويس الخامس عشر .

صُمِّم أثاث الروكوكو لينسجم مع التصميم المعماري العام للغرفة. فكان الحرفيون يصممون الطاولات والمرايا، والمقاعد الطويلة والأسرَّة لتدخل في المشكاوات التي يضعها المعماري على الحيطان. وكانت المقاعد تصنع وتلون بطريقة تجعلها تبدو كأنها قطعة واحدة بلا وصلات مرئية. وقد ترك نمط الأثاث الشرقي أيضًا أثره على تصميمات الروكوكو، فظهر نمط اسمه شينوازيه الذي انتشر إلى حد ما في الوحدات الزخرفية الصينية، وأصبح ذائعًا لدرجة كبيرة.
وفي العقد السادس من القرن الثامن عشر خلف هذا الطراز (طراز الروكوكو) بأخر سُمي الكلاسيكية الجديدة في فرنسا طراز لويس السادس عشر.

 وقد عكست الكلاسيكية الجديدة الرغبة المتجددة في تصميمات الأثاث الإغريقي والروماني القديم.
وبمرور الزمن تخلص مصممو الكلاسيكية الجديدة من التعرجات المتعددة التي اتسم بها نمط الروكوكو وفضلوا الخطوط الخارجية المستقيمة للأثاث القديم. واستبدل حِرَفيّو الكلاسيكية الجديدة بزخارف الروكوكو الغزيرة التفاصيل قطعًا دقيقة من الخشب المسطَّح المنظم في تصميمات هندسية.
تأثر كثير من أثاث الكلاسيكية الجديدة بوحدات زخرفية كلاسيكية كان قد اكتشفها علماء الآثار في أواسط القرن الثامن عشرفي مدينتين رومانيتين قديمتين هما بومبي وهركولانيم. وهاتان المدينتان كان بركان جبل فيزوف قد غمرهما عام 1979م.

ثانيا: الطرز الإنجليزية:

 وتشمل الطراز البالاديوني، وطراز الملكة آن، وأثاث تشبنديل، والأثاث الإنجليزي الكلاسيكي الجديد.

الطراز البالاديوني. هو الطراز الشعبي الإنجليزي في بداية القرن الثامن عشر. أخذ هذا الطراز اسمه من أندريا بالادُيُو وهو معماري إيطالي عاش في القرن السادس عشر. وقد تبنى الحرفيون الإنجليز عناصر أسلوب بالاديو الذي كان مبنيًا على نمط المعمار الإيطالي. فعلى سبيل المثال كان هؤلاء الحرفيون الإنجليز يزينون الصناديق والخزائن الخشبية ببعض معالم العمارة كالأعمدة والحلية الزخرفية المعمارية التي تسمى الإفريز أو (الكورنيش)، والقطاعات العلوية المثلثة التي تسمى القوصرة (تكون في أعلى واجهات المباني).
طراز الملكة آن.ْ كان طراز البالاديوني باهظ التكاليف لدرجة أنه لم يتمكن من شرائه إلا الأثرياء. استعمل أفراد الطبقة الوسطى في إنجلترا طرازًا آخر أقل تكلفة، وأكثر راحة. وأُطلق على هذا الطراز اسم طراز الملكة آنْ وهي الملكة التي حكمت إنجلترا من عام 1702م إلى عام 1714م. وقد أدخل طراز الملكة آن أرجل الكابريول إلى تصميمات الأثاث الإنجليزي.
أثاث تشبنديل. نشر صانع الخزائن الخشبية، ومصمم الأثاث الإنجليزي تُوماسْ تشبنديل كتابًا عن تصميم الأثاث عام 1754م وسمَّاه موجِّه الرجل المحترم وصانع الخزائن. وكان هذا أول كتاب ينشر في إنجلترا ويتناول صناعة الأثاث فقط، وأصبح له أثر كبير. وعلى الرغم من أن تشبنديل لم يقدم أي طُرز جديدة إلا أنه وصف كل الطُرز الموجودة ـ خصوصًا الروكوكو ـ بحرية وقوة جعلت تصميماته يحتذيها ويقلدها كثيرون. وانتشر تأثيره لدرجة أن اسم تشبنديل أصبح يعني أي أثاث من طراز روكوكو صنع في أواسط القرن الثامن عشر، سواء كان في إنجلترا أم في أمريكا.
الأثاث الإنجليزي الكلاسيكي الجديد. أدخل رُوبِرْت آدم، المعماري ومصمم الأثاث الأسكتلندي، طراز الكلاسيكية الجديدة إلى إنجلترا في العقد السابع من القرن الثامن عشر. استعار آدم بعض أفكاره من الكلاسيكية الفرنسية الجديدة لكنه أسهم بكثير من العناصر الأصيلة، واستخدم في زخارفه وحدات زخرفية نباتية رقيقة ورؤوس الخراف والثيران وغير ذلك من الملامح التي استوحاها من زخارف المباني والقبور الرومانية. وأدخل آدم الكريدنزا على الأثاث الإنجليزي، واشتهر أيضًا بمهارته في إدخال الأثاث في التخطيط المعماري للغرفة.
تبنَّى عدد كبير من صنَّاع الأثاث الإنجليزي ـ في أواخر القرن الثامن عشر ـ أسلوب آدم، المعروف بالكلاسيكية الجديدة. وأشهر هؤلاء هما جورج هبلوايت وتوماس شيراتون اللذان أعدا كتب تصميم جعلت هذا الطراز مرغوبًا فيه. وكان الأثاث الذي صُنع حسب تصميمات آدم الأصلية باهظ النفقة. وعمل هبلوايت وتُوماس شيراتون وغيرهما من صنَّاع الأثاث على تبسيط التصميمات لتخفيض تكلفتها للمشترين من الطبقة الوسطى.بداية الأثاث الأمريكي. كانت تصميمات الأثاث في المستعمرات البريطانية في أمريكا الشمالية ـ عمومًا ـ انعكاسًا للأنماط المرغوب فيها في إنجلترا في ذلك الوقت، لكن الحرفيين في المستعمرات استطاعوا إيجاد بعض التغييرات في الأنماط الإنجليزية. ففي عام 1790م بدأ النمط الأمريكي الأول المعروف والمأخوذ من الكلاسيكية الجديدة في الظهور، وعُرف باسم الطراز الفيدرالي. واستمد هذا الطراز اسمه من الشكل الفيدرالي الجديد لحكومة الأمة الناشئة. وكان أشهر مصممي الأثاث الأمريكيين في ذلك الوقت دنْكان فَايِفْ، الذي كان يعمل في مدينة نيويورك. وقد أنتج الحرفيون أثاثًا ذا قيمة أيضًا في بوسطن بولاية ماساشوسيتْس وفي فيلادلْفيا بولاية بنسلفانيا وفي نيوبورت في ولاية رود آيلاند.

عدد زيارات الموقع

321,957