Global

كان مناخ بلاد الشام والرافدين أقل جفافاً من مناخ مصر، فلم يحفظ لهذا السبب إلا القليل من الأثاث في مدافنها، ولم يبق إلى اليوم سوى بعض القطع النادرة المحفوظة في المتاحف إضافة إلى ما يشاهد على المنحوتات الجدارية والصور والنقوش الأثرية القليلة. وكانت مناطق بلاد الشام والرافدين - على النقيض من مصر - مجزأة إلى مدن وممالك يحكم كل منها حاكم مستقل، لذلك تنوعت أنماط الأثاث فيها. وأما القطع الأساسية منه فهي: السرير والعرش والمتكأ والأريكة والكرسي والطاولة والصندوق.

وكانت قطع الأثاث في بلاد الرافدين قريبة الشبه في تركيبها من النمط المصري إلا أن أجزاءها أغلظ وعقدها أقل، وهي غنية بالزخارف النافرة ومطعمة بالبرونز والعاج والعظم والمسامير الضخمة الرؤوس والدسر.


وقد عثر على قطع أثاث من العصر السومري القديم (2800-2370ق.م) لها قوائم أمامية على هيئة قوائم الثيران ومساند مخرمة، أما قوائمها الخلفية فمسطحة وتمتد أحياناً لتؤلف مساند قصيرة للظهر، كما عثر في ماري (تل الحريري) على بقايا صناديق خشبية مطعمة بالعاج واللازورد كانت تستعمل لحفظ الحلي أو الأدوات الموسيقية وتمثل مشاهد من الحياة العامة.

واستعمل في العصر الأكدي الأول (2370-2230ق.م) مقاعد مخرمة قُسِّم الفراغ تحتها ستة مربعات أو تسعة تفصل بينها دعامات أفقية وعمودية من الخشب.

وقد برع الفينيقيون - الكنعانيون في صناعة الأثاث وتطعيمه بالعاج إلى درجة كبيرة حتى صار إنتاجهم يصدّر إلى الدول المجاورة، وقد عثر في أنكوما (قبرص) على علب من عظم الفيل مزينة بزخارف تمثل مشهداً لصيد الثيران، وفي متحف دمشق الوطني صفائح من عاج لجزء من سرير عرش يرجع تاريخه إلى القرن الرابع عشر ق.م، وعثر في تلال منطقة غورديون Gordion (الأناضول - تركية) على قطع أثاث مزخرفة يعتقد أنها تعود إلى الملك ميداس ملك فريجية في القرن الثامن قبل الميلاد، ومنها طاولة ثلاثية الأرجل وحجب تشبه الغربال من خشب البقس والجوز، وقد طعمت بأشكال هندسية من خشب العرعر.

كانت مناطق الرافدين وبلاد الشام مصدر إلهام لثلاثة أنماط خلدها الأثاث الكلاسيكي القديم في اليونان ورومة، وانتقلت منها إلى بقية الحضارات الغربية. وأول هذه الأنماط زخرفة قوائم قطع الأثاث بحلقات معدنية «مكفاة» الجوانب حادة الحروف تقع الواحدة فوق الأخرى مثل أساور اليد، وهي أصل القوائم الخشبية «المخروطة» في الأثاث الذي ظهر بعد ذلك. أما النمط الثاني فاستعمل الحواشي الكثيفة في أغطية الأثاث المستعمل مما يمنح الهيكل والحشية والوسادة سمة واحدة، وقد خففت هذه الحواشي في العصور الكلاسيكية تمشياً مع الذوق السائد آنذاك، ثم عادت إلى الظهور في عصر الاتباعية الجديدة (القرن 18م). وأما النمط الثالث فهو قطع الأثاث التقليدية التي ظلت تستعمل من دون تعديل يذكر طوال عصور الظلام في أوربة، ومن هذه القطع الأريكة التي كانت تستعملها الشخصيات الكبيرة عند تناول الطعام أو تبادل الأحاديث، والمنضدة المتنقلة الصغيرة التي توضع عليها المرطبات قرب الأريكة أو إلى جانب الكرسي الذي يجلس عليه «النديم» (الزوجة أو المحظية أو المغني أو غيرهم)، بحسب رغبة الشخصية التي تتكئ على الأريكة. ومن هذا التقليد الأرستقراطي انبثقت أكثر نظم البلاط تعقيداً، وهي تحدد من يحق له الجلوس في حضرة الشخصية المذكورة وأين يجلس ، وما تزال مثل هذه التقاليد مرعية في قصور الملوك واحتفالاتهم.

  • Currently 201/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
67 تصويتات / 2482 مشاهدة
نشرت فى 24 يناير 2010 بواسطة medo17

عدد زيارات الموقع

321,987