الأستاذة: نبيح آمنة- جامعة الجزائر- مقال 30-ماي 2007 في في تقديرك إلي أين تتجه بك تكنولوجيات المعلومات ؟
إن جدلية التأثير و التأثر ما جعلتنا نعيش اليوم علي كل ما هو تكنولوجية حديثة، هاته التكنولوجيا التي مست أهم ما بنيت عليه علاقاتنا و نمت به أجيالنا، أي الاتصال، مع من نتصل، كيف نتصل، ولماذا نتصل ؟ فإذا أوصلنا إلي أي تغيير في حياتنا تكون قد أجبنا علي هذه الأسئلة، و مع تطور البشرية تطورت اتصالات الإنسان بتقنيات ووسائل جديدة لجعل العالم قرية صغيرة و جعلتنا بذلك بعيدين جدا عن أسلافنا فقد دخلنا مجتمع التكنولوجيات الحديثة من بابه الواسع ولكن هل سئلنا أنفسنا إلي أين نحن متجهين في ظل هذا التطور ؟ الآن لا نستطيع أن نجيب إلا إذا تعمقنا أكثر فيما أنتجته هذه التكنولوجيا و مدى تفاعلنا معها، عندها ربما سنجيب عن السؤال المطروح إلي أين تتجه بنا تكنولوجيا المعلومات؟
لو رجعنا بذاكرتنا إلي قرن من الزمان لو جدنا أن المجتمع الزراعي المهين علي توجه العالم إلي الصناعة ، فأصبحت بذلك هي القوة المسيطرة علي العالم ، أما الآن و بتطور وسائل الإعلام و الاتصال أي تكنولوجيا المعلومات فقد تغير الوضع لتصبح المعلومات هي الاقتصاد بعينه فقد أصبح المجتمع مجتمع معلومات وهو المجتمع الذي يتركز أساسا علي إنتاج المعلومة و الحصول عليها و استغلالها في خدمة أهداف التنمية و التطوير. من خلال وضع آليات تحتية للمعلومات و شبكات الاتصال و الذي يتميز بوجود سلع وخدمات معلوماتية لم تكن مجودة من قبل. بذلك تكون تقنية المعلومات هي القوة المسيطرة و هذا طبعا مع دخول وسائل الاتصالات الحديثة و إلزامية استعمالها بالشكل الصحيح، و هذا هو المشكل القائم في مجتمع اليوم رغم كل إيجابياته، فقد تعددت وسائل هاته التكنولوجيات بدأ من التطور التي شهدته الوسائل القديمة، فعالم اليوم يعتمد علي الصحافة الإلكترونية، التلفزيون الرقمي، و الهاتف الرقمي، الراديو الرقمي و حتى البيت الرقمي .... فالوصول إلي هاته الوسائل لم يكن سهلا و ما نحن فيه لهو اكبر دليل علي هذه الثورة المذلة، زد علي ذلك أن أهم ركيزة لمجتمع المعلومات هي الانترنت الشبكة العالمية للمعلومات وما أفرزته من خدمات كانت في وقت مضي دربا من دروب الخيال العلمي، اليوم أصبح بريدنا إلكترونيا و ألعابنا إلكترونية، تعليمنا إلكترونيا )ما أنا فيه الآن في هذا الامتحان لخير دليل على ذلك(، مناقشاتنا و اتصالاتنا الكترونية وحتى تعازينا و تهانينا إلكترونية، تعارفنا بل زواجنا إلكترونيا، حتى طلب مأكولاتنا إلكترونيا، زد علي ذلك علاجنا الذي أصبح بدوره إلكترونيا، فعالمنا اليوم تحت بضع أزرار. الآن أصبح اقتصادنا قائم علي المعرفة وحجم الاتصالات بين العلاقات الدولية و ليس علي المواد الأولية و حجم السكك الحديدية التي كان يقاس بها، كما ان وتيرة العمل عن بعد في ازدياد مستمر وهذا ما يفقد الجغرافيا قيمتها، و بظهور التجارة الإلكترونية بدأ تلاشي العملة الورقية الذي غير مجري تسير المؤسسات و إنتاجها فانخفضت بذلك قيمة العقارات و تكلفة الوقود وقلت التلوث وتراجعت اليد العاملة الثقيلة كما انه زاد الإنتاج بدون تضييع وقت، لكن لا يمنع من أن تأثير هذا التفاعل قد خلق عدة مخاوف تهدد قوة العمل التقليدية و تعدنا بجيوش من البطالة ، أما اجتماعيا فهذا التفاعل حتم علينا العيش في بيوت ستكون في وقت قريب إلكترونية مائة بمائة و حتى تسلية و ترفيه أطفالنا بات إلكترونيا، إذ انه أصبحنا نعيش عصر الأسرة النووية فتقلصت بذلك العلاقات الاجتماعية. نحن لا نعرف حتى مع من نتكلم و انفتح بذلك مجال أمام العلاقات العامة، زد علي ذلك أن البعد اللغوي هو أهم بعد أمدتنا به التكنولوجيات الحديثة فكل ما تحدثت معك كلما تعاملت معك، بذلك نستطيع القول أنه قد وصلنا لمجتمعات جديدة تسمي بالمجتمعات الإلكترونية القائمة علي الدردشة و المناقشات و الصفقات. أما في مجال التعليم فقد أصبح الكمبيوتر من العوامل التربوية المساعدة في اكتساب المهارات لتتغير بذلك معادلة التدريس الكلاسيكية و أصبح بذلك التعليم حتى الجامعي يتم عن بعد ، و مما يلاحظ أيضا أن المفاهيم و المصطلحات قد تغيرت فمفاهيم السياسة مثلا أصبحت إلكترونية بدأ من الإدارة الإلكترونية …. إلي الحكومة الإلكترونية و البرلمان الإلكتروني، وهذا ما قلب موازين القوي فقد مست ديمقراطية هذه التكنولوجية الغطاء الذي يحتمي وراءه السياسيون كل حسب ديمقراطيته الخاصة، و هذا مكان يهدد البرلمان و الحكومة الكلاسيكية، زد علي ذلك في هذا المجال انه حتى الحروب أصبحت إلكترونية معتمدة علي جندي بوسائل رقمية و أهداف معلوماتية بعيدة عن الدم و الجيوش، فكل ما يهم في هذه التكنولوجية هي المعلومة التي بدورها تعاني من مشاكل علي مستوي الشبكة علي أيدي العابثين عليها، و هم القراصنة فقراصنة الإعلام الآلي هم عباقرته الذين يعملون علي مراقبة الأرقام السرية و ترجمتها و تحويل الأموال، كما أن الفيروسات هي أخطر الجرائم التي تستهدف البنوك و البورصات فالسرقة و القرصنة و جريمة اليوم ليست كالجريمة فيما مضي. في ذكرنا للجريمة فهي لم تعد القتل و التعذيب بل أصبحت الجريمة صور في الانترنت حول صنع القنابل مثلا لخدمة الإرهاب أو ما يسمي بالبورنوغرافيا هي صور خليعة للجنس تمس 80% دعارة الأطفال و هي أهم ما تعاني منه الشبكة. وبدون أن ننسي أن الثقافة قد أخذت بنصيبها من تفاعلها مع هذه التكنولوجيا فقد ساهمت في تغيير النشر أصبح النشر إلكترونيا في شكل جديد و هذا ما أثار مخاوف الناشرين ورجال السياسة بسبب الملكية الفكرية، لكن المشكل حسب ما أري وحسب ما تراه منظمة الحدود الإلكترونية لا يكمن في الناس الذين يرغبون في النشر لأنهم مبدئيا يتبرعون بها للمجتمع الإلكتروني لكن المشكل في من لا يرغب في ذلك، فلا احد يستطيع منع الناس لما يقرؤون و ما يشاهدون فهي بذلك مغالطة تاريخية، وفي هذا المجال أو ذاك فإن تفاعلنا مع هذه التكنولوجيا قد غير حياتنا كدول نامية بالدرجة الأولي و كعرب مسلمين بالدرجة الثانية، ولكن إلي أين سنصل أخر المطاف فهذا ما لا أستطيع الإجابة عنه فلو نظرنا الإيجابيات هاته التكنولوجيا التي تتمحور فيما نعيشه و سنعيشه من تطور و سهولة لحياتنا في مختلف الميادين، من خلال ما يتوفر لنا من خدمات بين أصابع يدينا، لقلت بذلك أننا علي أبواب الجنة، و لو نظرة إلي الجوانب السلبية وما يهدد ثقافتنا و هويتنا كعرب مسلمين و بصفة هذه التكنولوجية غربية و حتى مضمونها و لغتها ليست من مبادئنا و لا أسسنا و لا من ديننا و عادتنا و تقاليدنا لقلت أنها فخ و أن نارها تلتهمنا الواحد تلوي الأخر.
أجل إنها العولمة ) الأمركة( في ثورة علي كل ماهو خارج نطاقها وحش شرس لا نعرف حتى الآن موطنه أو حتى ملامحه، أعرتم الآن لماذا لا أستطيع الإجابة عن السؤال حضرتكم، كل ما أستطيع قوله أن المنفذ الوحيد هو أن نواكب هاته التكنولوجيا وأن نعيش في نعيمها و لكن أن نتمسك في نفس الوقت و نتقيد بهويتنا الثقافية وديننا فنعيش بدلك الأصالة و المعاصرة في ظل أي تجدد مهما كان نوعه ومن أي جهة وفي أي ميدان فنأخذ ما ينفعنا و نرمي ما يضرنا.
ساحة النقاش