المدرسة هي أهم وسيلة من وسائل التعليم في العصر الحديث ، والتعليم يعنى إعطاء المتعلم جرعة من المواد التعليمية وشرحها له حتى يفهمها بوضوح ، وإتاحة الفرصة له حتى يهضمها ويتعقلها ، ويجب أن تؤدي طريقة التعليم ومناهجه إلى تنمية موهبة إعمال فكر المتعلم فيما تعلمه حتى يستطيع استنباط أشياء جديدة فوق ما تعلمه ، فيتمكن بذلك من إضافة الجديد الذي استنبطه بتفكيره دون أن يتعلمه بطريقة مباشرة.

ونشر مناهج اللغات بما فيها من دراسة المواد العلمية بلغة أجنبية هو ضد هذه الأهداف جميعا ، إذ كيف يتسنى للمتعلم أن يفهم بوضوح ويهضم المادة العلمية ويتعقلها أيما تعقل بلغة غير لغته الأم؟؟

قد يكون هذا ولا شك مناسبا لقليل جدا من الفئات التي تربت أبناؤها صغارا في بلاد أجنبية فاكتسبوا لغتها ، أو الفئات التي تعايشت أبناؤها مع اللغة الأجنبية بطريقة أو بأخرى حتى صاروا يتقنونها كإتقانهم لغتهم الأصلية أو أشد إتقانا ، أما أن نحاول نشر هذه المدارس لعامة الناس الذين لا يعرف آباؤهم إلا بعض الكلمات الأجنبية المتناثرة أو ربما لا يعرفون منها شيئا على الإطلاق ، أو حتى إن كانوا يعرفون ؛ فإن الطفل نفسه الذي هو موضوع التعليم لا يعرف عن هذه اللغة إلا النذر اليسير ؛ فكيف نعرضه لدراسة مواد علمية بلغة لا يكاد يعرفها ، وهي في رأسه مشوشة غير واضحة المعاني؟؟

فكم من دارس بلغة أجنبية تقابله أثناء دراسته مفردات كثيرة يجهلها فيلجأ إلى القواميس التي ربما وجد فيها معان لا تتفق مع سياق موضوعه أو ربما لا يجد المفردة التي يبحث عنها أصلا ، أو ربما ملّ من كثرة المفردات التي تحتاج إلى البحث عن معانيها فتركها ، وفي كل هذه الأحوال يرى نفسه مضطرا لخلق معنى يراه مناسبا ، وبذلك تصبح كثيرا من المفردات مشوشة في ذهنه غير واضحة المعنى وغير محددة المعالم.

ويضيع جهد المتعلم كله في محاولة فهم معاني الكلمات ، وبالكاد ربما يستطيع أن يفهم محتوى الموضوع بصورة إجمالية وتضيع منه الكثير من التفاصيل الهامة ، ويفقد القدرة على استنباط ما هو جديد ، ويعجز عن إدراك ما كان يمكنه أن يستنبطه ويدركه لو أنه درسها بلغته الأم.

لذلك فإننا نحذر من انتشار تعليم المواد العلمية بلغة أجنبية في المراحل الأساسية والثانوية فإن في ذلك قتل لموهبة الطالب واغتيال لقدرته على التفكير والاستنباط ، وفيه أيضا إهدار لوقته الثمين في محاولة الوصول إلى مجرد معاني المفردات بدلا من صرف هذا الوقت لفهم المادة العلمية نفسها.

وهذا لا يعني أننا ضد تعلم اللغات الأجنبية ؛ كلا بالطبع ؛ فإننا نؤيد تعلم كل ما هو نافع ومفيد ، ولكننا فقط لسنا مع تعلم العلوم والمواد بلغة أجنبية حتى لا تبدو لدارسها كأنها طلاسم أو كأنها مسخ ، بينما يراها من يدرسونها باللغة الأم أنها صورة واضحة جلية وليست مسخا وليست طلسما.

أما مدارس اللغات فيجب أن توجد في نطاق ضيق ؛ لتخدم تلك الفئة من المتعلمين الذين يتقنون اللغة الأجنبية مثل إتقانهم اللغة الأم أو يزيد.

 

المصدر: الكاتب : د. عبد العزيز محمد غانم
masry500

طابت أوقاتكم وبالله التوفيق

  • Currently 86/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
28 تصويتات / 282 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

112,852