خلق الله تبارك وتعالى هذا الكون العظيم وسخره للإنسان لا ليقضى فيه شهواته أو ينعم بلذاته فحسب، ولكن ليعبد الله عز وجل ويقيم شرع الله في الأرض فالغاية من خلق الإنسان هو عبادة الله عز وجل، وهو ما يعرف بالدين، وحاجة البشر إلى الدين أعظم من حاجتهم إلى ما سواه من ضرورات الحياة ، لأن الإنسان لا بد له من معرفة مواقع رضي الله عز وجل ومواقع سخطه، ولا بد له من حركة يجلب بها منفعته، وحركة يدفع بها مضرته، والشرع هو الذي يميز بين الأفعال التي تنفع والتي تضر، وهو عدل الله في خلقه، ونوره بين عباده، فلا يمكن للناس أن يعيشوا بلا شرع يميزون به بين ما يفعلونه وما يتركونه.
ولقد فطر الله تبارك وتعالى الناس منذ القديم على التوجه إليه عزوجل بالعبادة، وإن انحرفت الفطرة في بعض فترات التاريخ فإنها لا تنكر وجود الرب عزوجل، ولكنها تتوجه بهذه العبادة إلى ألهة أخرى من اختراعها سواء أكانت الأصنام في الماضي، أو الطبيعة والعلم في.
ومن الأمور التي لا يجد الإنسان الإجابة الصحيحة عليها إلا في الدين، هي تلك الأسئلة التي حيرت الفلاسفة منذ القديم: من أين؟ وإلى أين؟ ولم؟!.
ومهما تشغله مطالب العيش عن هذا التساؤل، فإنه لابد وأن يقف يوما ليسأل نفسه هذه الأسئلة الخالدة ؟، ولا إجابة شافية على هذه الأسئلة إلا في الإسلام، الذي يعرف الإنسان: إلى أين يسير بعد الحياة والموت؟ إنه يعرفه أن الموت ليس فناء محضا، ولا عدما صرفا، إنما هو انتقال إلى مرحلة أخرى إلى حياة برزخية بعدها نشأة أخرى توفى فيها كل نفس ما كسبت.
والدين هو الذي يقول لماذا خُلق الإنسان؟، وما الغاية من وجوده؟، فالإنسان لم يخلق عبثا، ولم يترك سدى، إنما خلق لعبادة الرب عزوجل وإعلاء شرعه الذي جاءت به الرسل                
وبهذا الوضوح في الإجابة تستقيم حياة الإنسان وتصلح حال المجتمعات، فيعيش الإنسان في دنياه مطمئنًا مرتبط بالله عزوجل وباليوم الآخر الذي يعلم أن المحسن سوف يكافأ على إحسانه، بينما يعاقب المسئ على إساءته، أما الذي يعيش بدون هذه الأجوبة، ويفتقد لهذا الوضوح فهو إنسان شقي محروم لا يخضع إلا لقوة العصا ولا يعيش إلا لبريق المال ولذة الشهوة، بل إنه في نظر نفسه مخلوق حيواني، ولا يفترق عن الحيوانات الكبيرة التي تدب على الأرض من حوله إلا إنه "حيوان ناطق" فهو يعيش بدون أن يعرف للحياة هدفًا، إنه يرى في نفسه مخلوق صغير تافه لا وزن له ولا قيمة،
ومن الحاجات الهامة التي يلبيها الدين، حاجة الإنسان إلى الاطمئنان النفسي، فإن الإنسان في أشد الاحتياج إلى ركن شديد يأوي إليه، وإلى سند متين يعتمد عليه، فإذا ألمت به الشدائد، وحلت بساحته الكوارث، هنا تأتي العقيدة الدينية، لتمنحه القوة عند الضعف، والأمل في ساعة اليأس، والرجاء في لحظة الخوف، والصبر في البأساء والضراء، وحين البأس.
أما الذي يعيش في دنياه بغير دين، بغير إيمان، يرجع إليه في أموره كلها وبخاصة إذا ادلهمت الخطوب، وتتابعت الكروب، والتبست على الناس المسالك والدروب، فهو يعيش في نكد وهم، يقتله القلق وتدمر حياته الأخبار السيئة، وتمزقه أنباء البورصة وتحركات الأسهم.          
كذلك فإن الدين يحقق للمجتمع التماسك والترابط والصلاح، فمن أهم حاجات المجتمعات حاجتها إلى بواعث وضوابط؛ بواعث تدفع أفراده إلى عمل الخير، وأداء الواجب وإن لم يوجد من البشر من يراقبهم، أو يكافئهم، وضوابط تحكم علاقاتهم، وتلزم كل واحد منهم أن يقف عند حده، ولا يعتدي على حق غيره أو يفرط في خير مجتمعه، من أجل شهوات نفسه، أو منفعته المادية العاجلة، ولا تحقق القوانين ذلك، بل ما أيسر خرق القوانين لمن لم يكن متدينًا لذلك فإنه لا يوجد على وجه الأرض قوة تكافئ قوة التدين أو تدانيها في كفالة احترام القانون، وضمان تماسك المجتمع واستقرار نظامه، والتئام أسباب الراحة والطمأنينة فيه.
ولذلك فأنه مهما استعلنت المذاهب المادية الإلحادية وتزخرفت، ومهما تعددت الأفكار والنظريات فلن تغني الأفراد والمجتمعات، ولن تستطيع أن تلبي متطلبات الروح والجسد ، بل كلما توغل الفرد فيها أيقن تمام اليقين أنها لا تمنحه آمنا ، ولا تروي له ظمأ ، وألا مهرب منها إلا إلى الدين الصحيح
كما رأينا فإن الإنسان لا يستغنى عن الدين، بل إنه لا حياة لمن لا دين له، وإن كانت الفطرة السليمة تتوجه بطبيعتها إلى الرب عز وجل وإذا كان العقل الصحيح يقر بالإله القدير، إلا إن معرفة الطريق الموصلة إلى رضا الرب الجليل ومعرفة النهج المحقق للغاية من خلق الإنسان لا تستطيع أن تقوم به الفطرة أو يقوم به العقل، بل لابد من رسل يبلغون الناس ما يرضى ربهم، ويحذرونهم مما يسخط الرحمن عز وجل.
إن أعظم ما يجب على الإنسان أن يعلمه في هذه الحياة معرفة ربه الذي أوجده من عدم، وأسبغ عليه النعم، وإن أعظم غاية خلق الله الخلق لأجلها هي عبادته وحده سبحانه، فكيف يعرف الإنسان ربه حق معرفته وما يجب له من الحقوق والواجبات؟ وكيف يعبد ربه؟، هل يعرف ذلك عن طريق العقول؟، لا لأن العقول لا يمكن أن تستقل بمعرفة مراد الله منها، إذ العقل البشري أضعف من أن يدرك مراد بشر مثله قبل أن يخبره بمراده، فكيف بمعرفة مراد الله؟.
لذلك فإن هذه المهمة مقصورة على الرسل والأنبياء الذين يصطفيهم الله لإبلاغ الرسالة، وعلى من بعدهم من أئمة الهدى ورثة الأنبياء ، الذين يحملون منهاجهم ، ويقتفون آثارهم، ويبلغون عنهم رسالتهم.
لذلك فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام قاموا بأعظم دور في حياة البشرية، حيث كانوا هم الصلة بين البشر وبين ربهم تبارك وتعالى، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أنه ما ترك قومًا من لدن آدم عليه السلام إلا وجاءها رسول أو نبي يأمره بعبادة الله ويحذرها مما يغضب الرب تبارك وتعالى. ومن عظيم رحمته وعدله أنه اشترط لوقوع العذاب بالناس أن يأتيهم الرسل وتأتيهم الحجة .
ولقد كثر عدد الأنبياء والمرسلين وبلغوا عددًا عظيمًا أرسلوا بكل ما يحتاجه  الإنسان إلى قوانين وأخلاق تنظم حياته، وتضبط سلوكه، ليتميز بذلك عن سائر الحيوان.
فإن الناس إما أن يعيشوا من غير دين ينظم حياتهم، ويضبط سلوكهم.
وإما أن يتخذوا لهم من يشرّع لهم دينا.
وإما أن يكونوا على الدين الحق الذي جاءهم بالبينات والهدى، فيكونوا بذلك على وفاق مع فطرتهم التي فطروا عليها، فتنتظم أمور حياتهم خير انتظام.
فإن اختاروا الأول عاشوا في بهيمية نكراء يأكل الضعيف منهم القوي، وكان اختلافهم عن سائر الحيوان بالشكل والصورة فحسب
وإن اختاروا الثاني فقد اختاروا العبودية لطائفة من البشر، تتسلط عليهم، وتذيقهم من ظلمها سوء العذاب، فلم يبق إلا أن يحتكموا إلى الدين الحق ليأخذوا منه شرائعهم، ويبين لهم ما يحل لهم فيأتوه، وما يحرم عليهم فيجتنبوه، وهنا تكمن قمة السعادة ، ولا سعادة حقيقية للإنسان - أي إنسان - إلا بإتباع الدين الذي ارتضاه الله لعباده والذي أرسل به الرسل وأنزل من أجله الشرائع.
ومن عظيم رحمته بالمسلمين بل بجميع خلقة أن أرسل أفضل إنسان مشى على الأرض و طلعت علية الشمس ليأخذ بيد الناس الى طريق السعادة الحقيقية وهو محمد  بل إن الله سبحانه وتعالى أخذ العهد والميثاق على أفضل من خلق من البشر ، وهم أنبياءه الذين اصطفاهم لتبليغ رسالته ، أخذ عليهم العهد بأن يؤمنوا وينصروا محمداً  إن بعثه الله في عهد أيّ منهم أن يأمروا أقوامهم بالإيمان به ونصرته  .
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا من محاسن الأخلاق وكريمها، ولم يتخلف عنها، فأخلاق المرء لا تنفك عنه، ولا يستطيع التحلى بها في وقت وتركها في وقت آخر، وقد نشأ رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أول أمره إلى آخرة لحظة من لحظاته متحليا بكل خلق كريم، مبتعدا عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس وأنصحهم وأفصحهم لسانا، وأقواهم بيانا، وأكثرهم حياء، يضرب به المثل في الأمانة والصدق والعفاف.
ولا عجب فقد أدبه الله فأحسن تأديبه فكان أرجح الناس عقلا، وأكثرهم أدبا، وأوفرهم حلما، وأكملهم قوة وشجاعة وشفقة، وأكرمهم نفسا، وأعلاهم منزلة، وبالجملة كل خلق محمود يليق بالإنسان فله صلى الله عليه وسلم منه القسط الأكبر والحظ الأوفر، وكل وصف مذموم فهو أسلم الناس منه وأبعدهم عنه شهد له بذلك العدو والصديق.
وقد تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوازن نفسي وسلوكي لا يتصف به إلا أنبياء الله ورسله الذين اصطفاهم الله عزوجل واختارهم لأعظم مهمة وأفضل دور.
فالرسول صلى الله عليه وسلم رغم ما كان عليه من زهد في الحياة وإقبال على الأخرة، ورغم اجتهاده في عبادته لربه إلا إنه لم يعتزل الدنيا بل إنه نهى أصحابه عن فعل ذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عظيم عبادته وخشيته وزهده يسير أمر الأمة أعظم تسيير ويراعى حاجات بيته ويداعب أطفاله وليس ذلك إلا لما تمتع به من توازن نفسي وسلوكي حباه به الله عزوجل.
لم تبق رحمته صلى الله عليه وسلم مجرد تعاليم نظرية أو مواعظ جوفاء، بل ترجمها إلى الحياة العملية بدقة تدعو إلى التقدير وتغري بالتدبر في أسرار هذه الظاهرة الفذة وصور الرحمة في حياته وسيرته مع أهله وأولاده وأقاربه وأصحابه ومع سائر الناس، بل مع الحيوان والطير، كلها رفقاً وليناً وخلقاً كريماً، لا تملك إلا الإعجاب به وإن لم تكن من أتباعه بل حتى لو كنت من عدوه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يتمتع بشخصية جذابة آسرة، ووصفت أخلاقه بأنها كانت معجزة، أي لا يملك أحدٌ من الناس أن يدانيها فضلاً عن أن يضاهيها، وكان كثيرٌ من المشركين الذين يقابلون محمداً ؛ لمحاولة إقناعه والتأثير عليه بترك دعوته، يخفقون في هذه المهمة وربما وقع بعضهم في شراك رحمته، وأعلن الإسلام على رؤوس الأشهاد.
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذروة الكمال الإنساني في سائر أخلاقه وخصاله وفي جميع جوانب حياته، وهو وجهٌ آخر من وجوه إعجازه الأخلاقي. ولو كان تفوق محمد صلى الله عليه وسلم في جانب الكرم والسخاء لكان أمراً مألوفاً جرت به العادة، فحاتم الطائي كان مضرب المثل في الكرم حتى إنه ذبح فرسه وقدمه طعاماً لضيفانه، وعنترة كان مثالاً في الشجاعة والفروسية، لم يبل في الحروب أحدٌ بلاءه، وقيس بن سعد بن عبادة بلغ الذروة في الدهاء، ولولا الورع ما غلبه خصومه في خصومة قط، والأحنف بن قيس اشتهر بالحلم، وأخباره في ذلك غريبة عجيبة، بيد أن تفوق محمد صلى الله عليه وسلم كان شاملاً لكافة هذه الجوانب، وبلغ ذروتها، وتربع على عرشها دون منازع.
وتميز محمد صلى الله عليه وسلم بالتوازن في أخلاقه، فهو رحيم دون ضعف، متواضع بغير ذلة، محاربٌ لا يغدر، سياسيٌّ لا يكذب، يستخدم الحيلة في الحرب ولكن لا ينقض العهود والمواثيق، آمن خصومه بصدقه وأمانته، يجمع بين التوكل والتدبير، وبين العبادة والعمل، وبين الرحمة والحرب، وبين إدارة شؤون أسرته الكبيرة. والمقصود أن صفات محمد وخصائصه تعمل ضمن منظومة متناسقة متناغمة، تتشابك جميعها لتأدية أغراضها، فلا تتوسع صفة أو تقوى على حساب أخرى، ولا تعمل إحداها ضد الصفة التي تقابلها.
ومظهرٌ آخر للتوازن هو ثبات أخلاقه، فمحمدٌ هو محمدٌ في رضاه وغضبه، وفي سلمه وحربه، وفي عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وفي بيته وسوقه ومسجده، مع أزواجه وأولاده، ومع أصحابه، وفي جميع أحواله وشؤونه. وهذا الثبات قليلٌ في الناس أو نادرٌ، فترى الشخص في رضاه فإذا ما غضب صار شخصاً آخر كأنه ليس هو، وترى الشخص ضحَّاكاً بسَّاماً بين زملائه فإذا دخل بيته عبس وبسر، وتتعرف على الرجل في الحضر فتراه في وجه، ويجمعك به السفر فيسفرُ لك عن وجه آخر، وترى زعيماً ما يفيض في السلم رقة وحناناً فإذا ما اشتعلت الحرب تحول إلى وحش فاتك! وترى السخي الجواد في الرخاء فإذا أصابته شدة ضنَّ بماله، وأمسك عن الإنفاق، أما محمد فقد كان سخياً ندياً في سائر أحواله، وكان رحيماً في سائر أحواله، وعلى ذلك فقس بقية الشمائل المحمدية، ولعلك الآن وصلت إلى الفكرة التي أحاول تقديمها إليك. كان محمد صلى الله عليه وسلم يملك القدرة على الجمع بين النقائض أو هكذا تبدو للناس، وهذا معجزة بحد ذاته ولكن ليست من الخوارق التي اشتهرت عن الأنبياء
وإذا كان بعض الناس قد تحجرت عاطفته، فلا تتحرك لشيء، ولا ترقُّ لشيء، قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، لكن محمداً يفيض عاطفة ورحمة، فيفرح حتى يشرق وجهه، ويحزن، حتى إنه مرَّ عامٌ عليه يسمى عام الحزن، ويغضب حتى تحمرَّ وجنتاه، ويبكي حتى تبتل لحيته، ويضحك حتى تبدو نواجذه، وذاك هو الإنسان!.
بيد أنك تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله: في غضبه وفرحه وحزنه وضحكه وبكائه، موزوناً معتدلاً، لا يخرجه الانفعال عن حده: فلا الفرح يبطره، ولا الحزن ينسيه، ولا يستطيع الغضب أن يغتصب منه زمام أمره وقياد نفسه.
تميزت الشريعة المحمدية بعدة مزايا عن بقية الرسالات التي سبقتها، ولا عجب في ذلك فهي الرسالة الخاتمة والتي بها سعادة العباد في الدنيا والآخرة؛فقد تميزت بشمولها التشريع الإسلامي لجميع شئون الحياة وإحاطته بها ؛و بالعدل في المبادئ وعند التطبيق بحرصها على كل ما فيه مصلحة للبشر، حتى صار ذلك من قواعد الدين وأصول الفتيا؛و التيسير على الناس وعدم إيقاعهم في الحرج والضيق والمشقة ؛ والحكمة ووضع الشيء في موضعه المناسب ؛ والعناية بالدنيا والآخرة ؛و ومن أعظم مزايا الشريعة الإسلامية أنها معصوما عن الخطأ أو التحريف والتبديل والتغيير.

makpoul

د/ خالد رشاد

  • Currently 228/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
74 تصويتات / 837 مشاهدة
نشرت فى 1 أغسطس 2010 بواسطة makpoul

ساحة النقاش

khaled mohamed rashad

makpoul
خالد محمد رشاد من ابناء العريش محافظة شمال سيناء حاصل عل درجة الدكتوراة فى علوم وتكنولوجيا الاغذية ورئيس مجلس ادارة جمعية طلائع التنمية المشاركة فى مشورع تنمية المشروعات الصغيرة بالتعون مع البنك الاسلامى للتنمية IDB كما يرأس مؤسسسة مقبول للتنمية و مدير معهد سيسكو لرواد الاعمال بالعريش »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,534