<!--<!--<!--
مدى خضوع السلع المستوردة للاستعمال الشخصي
للضريبة العامة على المبيعات
الموضوع الراهن يتعلق بقطاع عريض من المواطنين و الجهات الإدارية ، العامة و الخاصة ، لعموميته في الواقع العملي ، و تأثيره و مساسه ، من ناحية أخرى ، بقدرتهم المالية و المتمثلة في ملكيتهم الخاصة ، و هو ما يجعل الأمر أشد أهمية ، و قد نشأ خلاف في شأن مدى خضوع السلع المستوردة للاستعمال الشخصي للضريبة العامة على المبيعات من عدمه ، فيما بين محكمة النقض و المحكمة الدستورية العليا ، غير أن الغلبة هنا- بلا مراء - للمحكمة الدستورية العليا ، و ذلك كله وفقاً للتوضيح التالي :
أولاً : موقف محكمة النقض :
ذهبت محكمة النقض إلى خضوع السلع المستوردة بغرض الاستعمال الشخصي للضريبة العامة على المبيعات ، و في ذلك قضت بأنه :
" نص المشرع في المواد من 24 إلى 30 من القانون رقم 11 لسنة 1991 بإصدار قانون الضريبة على المبيعات على الإعفاءات من هذه الضريبة على سبيل الحصر ، بما يستفاد منه بمفهوم المخالفة أن السلع المستوردة للاستعمال الشخصي تخضع للضريبة العامة على المبيعات كأصل عام إلا ما أعفي منها بنص خاص ، لما كان ذلك ، و كانت السيارة التي استوردها الطاعن – محل النزاع – قد استوردت للاستعمال الشخصي فإنها تخضع للضريبة العامةعلى المبيعات أخذاً بالأصل العام طالما أنها ليست معفاة بنص من نصوص القانون سالفة البيان ". الطعن رقم 594 لسنة 67 ق – جلسة 28/4/2005 .
ثانياً : موقف المحكمة الدستورية العليا :
انتهجت المحكمة الدستورية العليا مبدأ لها لم تحد عنه ، سواء في شأن المسألة الراهنة ، أو بشأن الآلات المستوردة المستخدمة في إنتاج سلعة ، مؤداه عدم خضوعها لتلك الضريبة ، و ارتكزت في ذلك على أن قانون الضريبة العامة على المبيعات ربط الالتزام بتلك الضريبة في هذا الشأن بالغرض من الاستيراد ، بحيث لا ضريبة إذا لم يكن الغرض من الاستيراد الاتجار، أما إذا كان الغرض الاتجار فإن فرض الضريبة حينئذ يكون متعينا.
فقد قضت المحكمة الدستورية العليا بأن :
" و حيث إن المقرر أيضاً في قضاء هذه المحكمة أن الخطأ في تأويل أو تطبيق النصوص القانونية لا يوقعها في حمأة المخالفة الدستورية إذا كانت صحيحة في ذاتها، و أن الفصل في دستورية النصوص القانوينة المدعى مخالفتها للدستور لا يتصل بكيفية تطبيقها عملاً ، و لا بالصورة التي فهمها القائمون على تنفيذها ، و إنما مرد اتفاقها مع الدستور أو خروحها عليه إلى الضوابط التي فرضها الدستور على الأعمال التشريعية جميعاً.
و حيث إن نصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات تعتبر كلاً واحداً ، يكمل بعضها بعضاً، و يتعين أن تفسر عباراته بما يمنع أي تعارض بينها ، إذ أن الأصل في النصوص القانونية التي تنتظمها وحدة الموضوع هو امتناع فصلها عن بعضها ، باعتبار أنها تكون فيما بينها وحدة عضوية تتكامل أجزاؤها ، و تتضافر معانيها ، و تتحد توجهاتها لتكون نسيجاً متآلفاً ، و لما كانت الفقرة الأولى من المادة الثانية من قانون الضريبة العامة على المبيعبات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 السالف الذكر تنص على أن ( تفرض الضريبة العامة على المبيعات على السلع المصنعة و المستوردة إلا ما استثني بنص خاص ...)، فإن تعيين هذا الإلتزام الضريبي لا يستقيم منهجاً إلا بالكشف عن جملة دلالات و مفاهيم عناصر هذا الإلتزام ، كماهية المكلف ، و ماهية المستورد ، و هو ما لا يتأتى سوى بالتعرض وجوباً لدلالات الألفاظ حسبما أوردها المشرع بالمادة الأولى من القانون ذاته ، حيث عرفت المكلف بأنه " الشخص الطبيعي أو المعنوى المكلف بتحصيل و توريد الضريبة للمصلحة سواء كان منتجاً صناعياً ، أو تاجراً أو مؤدياً لخدمة خاضعة للضريبة بلغت مبيعاته حد التسجيل المنصوص عليه في هذا القانون ، و كذلك كل مستورد لسلعة أو خدمة خاضعة للضريبة بغرض الإتجار مهما كان حجم معاملاته " ، كما عرفت " المستورد " بأنه " كل شخص طبيعي أو معنوي يقوم باستيراد سلع صناعية أو خدمات من الخارج خاضعة للضريبة بغرض الإتجار " ، الأمر الذي يتضح معه بجلاء اتجاه إرادة المشرع إلى إخضاع السلع و الخدمات التي يتم استيرادها بغرض الإتجار لضريبة المبيعات المقررة وفقاً لهذا القانون ، و قد ربط دوماً في نطاق الخضوع لها بين الاستيراد و الإتجارفيما يتم استيراده ، متى كان ذلك ، و كان المدعي يهدف بدعواه الموضوعية إلى استرداد ما أداه من مبالغ تحت مسمى ضريبة المبيعات على السيارة التي استوردها من الخارج لدى عودته من الإعارة ، بغرض الاستعمال الشخصي ، لا بغرض الإتجار، فإن التطبيق السليم لنصوص قانون الضريبة العامة على المبيعات الصادر بالقانون رقم 11 لسنة 1991 يكون محققاً للمدعي بغيته من دعواه الموضوعية ، و لا يكون له مصلحة في الطعن على النص المطعون فيه بحسبان أن الضرر المدعى به ليس مرده إلى هذا النص، و إنما مرده إلى الفهم الخاطئ له و التطبيق غير السليم لأحكامه ، و من ثم فإن المدعي يمكنه بلوغ طلباته الموضوعية من خلال نجاحه في إثبات الغرض من استيراد السيارة المجلوبة من الخارج ، و ذلك شأنه أمام محكمة الموضوع ، دون حاجة إلى التعرض للنص من الوجهة الدستورية ........ حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى ........." . حكمها الصادر في الدعوى رقم 8 لسنة 18 ق – جلسة 6/2/2011 – المنشور في الجريدة الرسمية – العدد 7 مكرر – بتاريخ 19/2/2011 .
الأثر المترتب على ذلك الخلاف :
تنص المادة رقم 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا رقم 48 لسنة 1979 على أن : " أحكام المحكمة في الدعاوى الدستورية و قراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة و للكافة ...." ، و مؤدى ذلك أن قضاء المحكمة الدستورية العليا له حجية مطلقة في مواجهة الكافة و بالنسبة للدولة بسلطاتها المختلفة – قضائية و تشريعية و تنفيذية - باعتباره قولاً فصلاً في المسألة المقضي بها ، و هي حجية تحول بذاتها دون المجادلة فيه ، أو إعادة طرحه عليها من جديد لمراجعته .
و أحكام المحكمة الدستورية العليا تختص هي – و على سبيل الحصر و الإستئثار- دون غيرها بإصدارها و تحديد مضامينها و آثارها و تفسيرها و تنفيذها و إزالة عوائق تنفيذها، فقد اختصها الدستور و قانونها بذلك ، فإذا تم تحديد آثارأحكامها من أية جهة كانت ، قضائية أم غير قضائية ، على خلاف ما قصدته وجرى عليه قضاؤها ، كان ذلك عدواناً على اختصاصها و نيلاً من سلطتها الولائية ، و تسليطاً لقضاء أدنى على قضاء أعلى ، و عائقاً من عوائق التنفيذ يعترض أحكامها و ينال من جريان آثارها في مواجهة الكافة ، سواء كان قضاء المحكمة الدستورية العليا بعدم الدستورية أم بالرفض أم بعدم القبول فصلاً في مسألة دستورية .
فلقد حدث أن أصدرت المحكمة الدستورية حكمين بعدم القبول ، بشأن الطعن بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر مقدم إيجار يجاوز أجرة سنتين من المستأجر و بعدم دستورية تجريم تقاضي المؤجر أي مبالغ خارج نطاق عقد الإيجار ( خلو الرجل )، و استندت في ذلك إلى انتفاء مصلحة المدعي لكون قانون الإيجار رقم 4 لسنة 1996 يعتبر قانوناً أصلح للمتهم ، إلا أن الهيئة العامة للمواد الجنائية بمحكمة النقض أصدرت حكماً بجلسة 13/4/1997 في الطعن رقم 11838 لسنة 60 ق منتهية فيه إلى عدم اعتبار القانون المذكور أصلح للمتهم ، و أنه لا حجية لآحكام المحكمة الدستورية إلا إذا قضت بعدم الدستورية ، فلجأ المتهم للمحكمة الدستورية العليا لفض هذا التناقض بين تلك الأحكام ، طالباً وقف تنفيذ حكم محكمة النقض ، فكيفة المحكمة الدستورية طلبه على أنه طلباً بالإستمرار في تنفيذ حكمها ، و قضت المحكمة الدستورية بالإستمرار في تنفيذ حكمها دون حكم محكمة النقض ، وقد جاء بحكمها :
" ... كلما كان التنفيذ متعلقاً بحكم صادرفي دعوى دستورية فإن حقيقة مضمونه و نطاق القواعد القانونية التي احتواها و الآثار المتولدة عنها هي التي تحدد جميعها شكل التنقيذ و تبلور صورته الإجمالية و تعين كذلك ما يكون لازماً لضمان فعاليته ، بيد أن تدخل المحكمة الدستورية العليا لإزاحة عوائق التنفيذ التي تعترض أحكامها و تنال من جريان آثارها في مواجهة الكافة و دون تمييز بلوغاً للغاية المبتغاة منها في تأمين الحقوق للأفراد و صون حرياتهم إنما يفترض أن تكون هذه العوائق سواء بطبيعها أو بالنظر إلى نتائجها حائلة فعلاً دون تنفيذ أحكامها تنفيذاً صحيحاً مكتملاً أو مقيد لنطاقها.... " ، و انتهت المحكمة إلى أنه " ... يكون متعيناً القضاء بالإستمرار في تنفيذ حكم المحكمة الدستورية العليا على الوجه المبين باسبابه ..... دون ما حاجة إلى التعرض لما تضمنه حكم الهيئة العامة للمواد الجنائية المشار إليه في تدويناته من تقريرات لا تطاول الحجية المطلقة لأحكام المحكمة الدستورية العليا في الدعاوى الدستورية ، سواء كان الحكم قد قضى بعدم دستورية النص الطعين أو برفض الدعوى أو بعدم قبولها فصلاً في مسألة دستورية ، بما يلزم كل سلطة في الدولة – بما فيها الجهات القضائية على اختلافها – باحترام قضائها و تنفيذ مقتضاه على وجهه الصحيح امتثالاً للمادتين ( 72 ، 178 ) من الدستور و الفقرة الأولى من المادة 49 من قانون المحكمة الدستورية العليا ... و بما مؤداه عدم الإعتداد بأي عقبة تكون قد عطلت من هذا التنفيذ أو انحرفت بجوهره أو حدت من مداه ". حكمها الصادر في القضية رقم 1 لسنة 19 ق منازعة تنفيذ دستورية – جلسة 3/10/.1998.
و على ذلك فإن حكم المحكمة الدستورية هو الواجب التطبيق ، و يتعين على دوائر محكمة النقض التي قضت بما يخالفه أن تنزل على مقتضى و مضمون ذلك الحكم ، احتراماً للشرعية الدستورية و آلياتها التي انتظمتها أحكام الدستور و القانون ، فمبادئ المحكمة الدستورية تمثل صحيح مضمون الدستورالذي يتعين على الجميع النزول على أحكامه باعتباره التشريع صاحب السمو والصدارة على ما عداه ، و بالتالي فلتلك المبادئ ذات القيمة .
أشرف سعد الدين المحامي بالإسكندرية
0126128907
ساحة النقاش