كثيرا ما يراودني سؤال لماذا حجب الله تعالى عنا الحكمة من إتيان أمر بعينه أو من النهي عن اتيانه أو الحكمة من تحريمه أو حليته . ألم يكن ذلك ليدرأ عنا أسئلة كثيرة محيرة ويغلق على المشككين ومن في قلوبهم مرض ابواب الفتن .
ولاحت إلى خاطري قصة ابينا أدم وزوجته مع ابليس لعنه الله ، يوم أمر المولى سيدنا آدم الا يأكل من الشجرة دونما ابداء للأسباب ، أو ظهور لحكمة .
واستقر الى نفسي أن منع الحكمة من الظهور هو نفسه الحكمة من الامر او النهي احيانا ، اذ كيف تختبر تسليمك للامر الالهي ورضاك به دون شك او ريب والفعل في ظاهره ربما لا يستوعبه العقل أو يناقض المنطق أحيانا ، ولنضرب بقصة سيدنا موسى مع العبد الصالح مثلا ، فكل افعال العبد الصالح كانت ظاهريا مخالفة للمنطق لا يستسيغها العقل اذا ما عقلها دون معرفة الدافع من ورائها ، وهو ما حدث مع سيدنا موسى بالفعل ، ولكن اذا استقر له أن حكمة بالغة من وراء كل ذلك لرضي وما ارتاب وتعجب من افعال العبد الصالح .
فلو علم موسى ساعتها ان خرق السفينة بعد أن اركبهما اصحابها دون مقابل سيمنع الغاصب من الاستيلاء عليها وكذلك مع قتل الغلام واقامة الجدار ، ما كان هناك سبب للتعجب او الارتياب ، فكيف كانت القصة ستصير لو علم موسى الحمكة من وراء هذا كله ، إذا فغياب الحكمة كان حكمة في ذاته .

فالشجرة في اعتقادي لم تكن الا رمزا لقدسية الامر الالهي ، فربما كانت مكانا يحرم عليه دخوله او مظهرا اخر من مظاهر التنعيم في الجنة ، اذ أن ما حدث واخبرنا به القران الكريم لما اكلا من الشجرة أن بدت لهما سوءاتهما وهو ما ليس بالامر العظيم ليمنع الله سبحانه وتعالى ادم من الاكل من الشجرة بسببه .
يقول الله تبارك وتعالى وأن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى ، إذا فادم لم يأكل من الشجرة عن جوع فقد كفاه الله مؤنة الطعام ، وحقيقة فشهوة كشهوة الطعام لا تصل الى درجة التمكن من النفس كشهوة الفرج او الغنى او السمعة لا سيما وهو لم يكن جائعا ساعتها ، لكنها وسوسة الشيطان صادفت ضعفا في عزيمته ، أكان الله سيقول لآدم لا تأكل من الشجرة لأعلم مدى مقاومتك لوسوسة الشيطان ومدى امتثالك لما أمرتك به حتى لو خالف ذلك هواك وغريزتك .

إخوتي ربما حدثت للمرء حوادث ظاهرها ضرر وخسارة لكن حكمة الهية لم تتضح بعد ، والامثلة كثيرة متعددة ، كأن تسقط طائرة كان سيركبها لكنه تأخر عنها ، أو ينسى أحد موظفيه أن يرسل طردا أو خطابا يظن بعدم ارساله خسارة كبيرة فيؤنب موظفه وربما يطرده ويحدث خلاف ذلك ، إذ لو وصل الطرد او الخطاب لخسرت شركته خسارة كبيرة .
ولنا في صلح الحديبية وشروطه خير دليل .

يقول عز من قائل " انما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون " ويقول أيضا " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " ويقول " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا " .
فلا حاجة إذا للمبالغة في إظهار فائدة ما أمرنا بفعله ونفعه ولا حاجة أيضا للمبالغة في ابراز ضرر وسوء ما نهينا عن اجتنابه ، لاسيما إذا غابت الحكمة عن العامة ولم يفطن اليها الا نفر قليل من العلماء .

فكثيرا ما تجد شبابنا حبا وتعلقا باوامر الله في أمور دينية كثيرة كعبادة الصوم مثلا، يبرزون فوائد الصوم وأثره في صحة الجسم وتنقية الجسد ونفعه لعلاج البدانة وتقوية الباءة وخلاف ذلك مما اشتهر عن الصيام كسبب للتقوى ، حتى صار وكأنه علاج للسمنة والبدانة لا أمراً الهيا وركنا من اركان الاسلام ، أو تجد بحوثا في اثبات ان لعق الاصابع بعد الفراغ من الطعام يساعد على الهضم لوجود انواع من البكتيريا لا توجد الا في هذه الاماكن ، حتى لو كان كل ذلك صحيح ، وحتى لو بدا الأكل باليد ولعق الاصابع تصرفا غير حضاري على حد قول البعض ربما يخجل احدنا فعله لاسيما اذا دعي الى خارج بيته ، لكنه سنة من سنن الرسول الكريم لا نحتاج لنعرضها على العلم لنبررها ، فما الحال إذا لم يثبت العلم وجود هذه البكتيريا ، نظل رهن الخجل والحياء حتى يأتي من يبرر لنا نفع مناسكنا من الاوامر والنواهي .

وقد يكون الامر بفعل شيء بعينه لا يتوافق مع المنطق والبديهة كالمسح على الخف من فوق بينما الجزء المعرض للاتساخ هو اسفل القدم وهكذا .
ولعل مبالغتي تكمن في خوفي ان يتسبب ذلك في ضعف فضيلة التسليم والانقياد للامر الالهي ايماناً بأن ما أمر الله به هو النفع المطلق وما نهى عنه هو الضرر المحض، فهو الخالق القادر العليم الحكيم سبحانه وتعالى ، وخوفي من اعتماد البعض على النظريات العلمية والاثباتات الطبيعية ظنا منهم انهم يثبتون تميز الدين وتفرده فقد وافقت معجزاته واوامره ونواهيه ما اثبته العلم .

والله ولي التوفيق

 

المصدر: شخصي
  • Currently 237/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
79 تصويتات / 654 مشاهدة
نشرت فى 28 نوفمبر 2009 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

44,854