<!--<!--<!-- <!--

جلست خلف مكتبي مستغرقا في تفكير عميق أقلب فيه ما عشته من احداث وتجارب ، مستدعيا ما تبقى من ذاكرتي باحثا في ثنايا نفسي ، علي أجد من العمل ما افخر به او ما احسه ذا قيمة ، لاذكره اذا وقفت موقف الثلاثة الذين سد عليهم الغار ففزعوا يسترحمون الله بذكر ما قدموا من اعمال صالحة خالصة له ، نجاهم الله بسببها ، الا أني لم أجد خلال سنوات عمري - على امتدادها - ما افخر به ولا ما اذكره - حتى بيني وبين نفسي - قد يمنعني من عقاب الله او سخطه .

فبي من التقصير ما الله به عليم ومن الذنوب ما تنوء بحمله الجبال ، ولعلي أجزم أن ما اعيشه من أمن وسلام بعيداً عن الابتلاء والتمحيص هو استدراج من الله من حيث لا أعلم وامهال منه أو هي رحمة الله بامثالي من المفرطين الذين لا يصل بهم عملهم الى حيث وصل بهؤلاء عملهم ، هي ما تمنع عني بلاء كهذا البلاء ، فهو سبحانه اعلم بضعفي واعلم كذلك لأي درجة يصل بي ايماني وتقواي .

والجدير بالذكر أن اعمال الثلاثة جميعها كانت - لما استشعروا مخافة الله ساعتها وعلموا اطلاعه ومشاهدته لهم - بحق خالصة لوجه الله ، لذلك نجاهم بها ، فالاول قدر على ابنة عمه وجلس منها مجلس الرجل من زوجته لكنه قام عنها لما ذكرته بحدود الله - على حبه لها - ، ولو فعل الفاحشة ما علم ذلك أحد ، لكنها تقوى الله في الضعفاء ، والثاني لن يقول عليه أحد أنه عاق غير بار بوالديه إذا لم يظل واقفاً بكوبي اللبن حتى يستيقظا لكنها تقوى الله في الاباء والثالث لن يقول عليه أحد أنه سارق لو أعطى للأجير أجرته دون ما استثمره له ، لكنها تقوى الله فيما استؤمن واسترعي  .

فهل يصل بي الحال الى هذه الدرجة من المراقبة والخوف لادع شهواتي جانبا ويحكمني ما حصلت من ايمان وتقوى - وانا قادر على اعمال شهوتي وانفاذ مرادي ورغم ما يحوطني من مغريات وفتن - ، فأجد ما افخر به ولو بيني وبين نفسي ، لأقول ساعتها ها انا خذلتك ايها الشيطان ، ها قد انتصرت عليك ايتها النفس ، وهل احتاج الى مثل هذه الابتلاءات العظيمة والفتن المزلزلة لأثبت ايماني وتقواي ، أم يظل ايماني ساكناً لا اعلم حقيقته او تمكنه من قلبي حتى يمتحن بهذا او يبتلى بتلك ، هل لابد من حدث جلل قد يضيع معه ايمان المرء وتميد معه أركان نفسه ودعائمها الا ما رحم الله ليقول الانسان عن نفسه انه خاض غمار البلاء ونجح فيه ، وها هو ما يفخر به ويحاج به امام الجميع .

لا يأمرنا الاسلام بمواجهة الفتن والابتلاءات بل يأمرنا بتجنب مواطنها والبعد عنها ، فربما كان وقع البلاء اكبر من يقين المرء فيسلب منه الايمان وتضيع معه الاخرة والاولى ، ولكن الحياة لا تمر بلا ابتلاء ولا تنقضي ايامها دون امتحانات أو اختبارات رق أثرها أم عظم ، لا يتساوي في مواجهتا والخلاص منها جميع البشر ، ولا تترك بالخلاص والنجاة منها عند كل مبتلى نفس الاثر ، لكنها درجات الايمان واليقين و الصبر والتسليم هي سبل الخلاص وعلاجات الضرر ، يمحص الله بها النفوس ويجلو بها قلوباً ران عليها الكدر ، فتصفو معها الحياة وينشط بعدها المرء ويحيا حياة الملائكة لا حياة البشر ، بصحيفة بيضاء نقية محت ما بها من ذنوب وخطايا ابتلاءات القدر  .



 

المصدر: شخصي
  • Currently 90/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
30 تصويتات / 454 مشاهدة
نشرت فى 8 إبريل 2010 بواسطة lance

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

44,854