الرجل الظاهر في هذه اللوحة هو مصمم الأزياء البريطاني الشهير أوسي كلارك الذي توفي في العام 1996، وعاد الحديث عنه أخيراً بسبب إعادة إطلاق اسمه على إحدى دور الأزياء. والمرأة الواقفة بقربه، هي زوجته سيليا بيرتويل التي كانت تعمل في تصميم الأقمشة. أما الرسام فهو صديقهما الذي كان شاهداً على زواجهما قبل عام من تاريخ هذه اللوحة 1970، الفنان دايفيد هوكني.
يعتبر هوكني من أشهر الرسامين الإنجليز في القرن العشرين، إن لم يكن أشهرهم على الإطلاق. وهو يقيم منذ منتصف الستينيات في كاليفورنيا بالولايات المتحدة، غير أنه يحتفظ باستديو خاص في لندن، التي لا يغيب عنها كثيراً. ومن ضمن اللوحات التي رسمها في إنجلترا «صورة أوسي كلارك وزوجته».
تمثل هذه اللوحة باكورة أعمال الفنان التي اعتمد فيها على آلة تصوير (من طراز بولارويد)، لتصوير الجوانب المختلفة للموضوع الذي يرسمه، ومن ثم جمع الصور التي التقطها وفق المخطط التوجيهي للوحة. وقد أطلق الفنان مجموعة أعماله هذه التي استمر في العمل عليها حتى العام 1986، باسم «الأعمال الجمعية».
عندما قصد هوكني منزل صديقه أوسي كلارك ذات صباح لالتقاط مجموعة من الصور الفوتوغرافية، كان مصمم الأزياء الشهير قد استيقظ لتوّه من النوم، ولايزال حافي القدمين، وقد جلس على كرسيه باسترخاء، فيما استقرت قطته على حضنه.
ونعرف من الصور الفوتوغرافية التي قسمها الفنان إلى مربعات، أنه اعتمد عليها لنقل الخطوط وتناسقها مكبّرة إلى مقاس قماش اللوحة. وعلى الرغم من أن هذه التقنية تبدو وكأنها «حيلة» المبتدئين في فن الرسم الذين يفتقرون إلى الإحساس بالتناسق والمقاييس، فإن هدف هوكني كان في مكان آخر.
تكمن أهمية هذه اللوحة في صناعة واقع مختلف عن الأصل الذي صوّرته الآلة، فقد حذف الفنان بعض التفاصيل لتقتصر الألوان الداكنة على ملابس الرجل وزوجته (ماداما يشكلان الموضوع). وهذان الشخصان يغرقان في بحر من الضوء يتدفق عليهما من النافذة التي تتوسطهما. وفي هذا الكثير من الرمزية إلى سمو العلاقة التي تجمع هذا الرجل بزوجته.
أما معالجة المساحات بالألوان وخاصة في الملابس، فتمثل ذروة ما وصل إليه «البوب آرت» الذي كان هوكني من كبار المساهمين فيه خلال الستينيات، والذي يميل إلى التبسيط حتى أقصى حد ممكن، ولا يأخذ من واقعية الخطوط إلا ما هو مرتبط بالموضوع. ولذا استعمل الفنان مادة الإكريليك بدل الألوان الزيتية.
إضافة إلى ما تقدم، تتضمن هذه اللوحة تأريخاً لما كانت عليه القيم الجمالية الطليعية في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات. مثل الطاولة المصنوعة وفق تصميم هندسي مجرد. والكرسي (طراز باوهاوس) الذي يجلس عليه أوسي، وكان آنذاك عنوان ثورة في فن تصميم المفروشات، ويجب ألا يثير الأمر استغرابنا، فالرجل مصمم أزياء، ومن الطبيعي أن يكون طليعياً في تصميم ديكور منزله، وكل هذه العناصر هي التي تجعل هذه اللوحة اليوم الأكثر استقطاباً للزائرين في «تايت غاليري» في بريطانيا.

المصدر: مجلة العربي، عبود عطية، من مقال نشر بعنوان "دايفيد هوكني.. صورة أوسي كلارك وزوجته"
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 556 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

55,527