هذا الطرح الموجز قد لا يفي الموضوع حقه، ولكن الدرس الذي نستفيده هو أننا يحب أن نتعلم ممن سبقونا وأخذ آخر ما وصلوا إليه وتسخيره ليناسب ظروفنا و"حنا غير"، وإتاحة الشفافية وخلق بيئة قانونية وتقنية مبنية على الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات. وأهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ورأب الصدع بينهما احتراما للمصلحة العامة.
بينما يعتبر الاستثمار في القطاع العقاري أحد أهم القواعد الاقتصادية لمعظم دول العالم ويقدر حجم الاستثمار فيه بالمليارات، ويرتبط بالاقتصاد الأساسي للدول ارتباطا وثيقا لدرجة أنه عامل مؤثر في رفع أو تخفيض سعر الفائدة في البنوك، إلا أن القليل منا يفهمون أهميته وطرق وآليات الاستثمار فيه. وقد يكون السبب أن هذا القطاع الحيوي والمهم لم يأخذ حقه من النقاش والتقنين في اقتصادنا الوطني ومازال مهمشا ولا يجد هيئة أو مؤسسة تحميه وتدافع عنه، أو من يحاول التعريف به ودوره الفعال في تنمية الاقتصاد الوطني وما تجنيه الدولة والمجتمع من فوائد إيجابية على المستويات الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، فهو مازال يعاني من الصراع بين القطاعين الحكومي والخاص اللذين يجب أن يمشيا يدا بيد لما فيه المصلحة العامة بدلاَ من لوم كل منهما الآخر. فالنجاح لن يكتب لنا من دون رأب الصدع بينهما.
وبعكس الصورة والانطباع الذي يراه العامة من أن الاستثمار في القطاع العقاري هو قطاع هامشي ولا يستفيد منه إلا العقاريون، خاصة بعد أن بدأت تشوه صورته وتزعزها بعض الممارسات السيئة. وتأخر الموافقة على نظام الرهن العقاري والتسجيل العيني للعقار الذي هو أساس الثروة الحقيقة وهي ثروة قاعدة المعلومات التي هي أساس الاستثمار، فالاستثمار العقاري هو محرك للاقتصاد في جميع دول العالم الحديث. ويمثل عادة ما بين 10 و20 في المائة من الناتج الوطنيGNP. فعلى سبيل المثال فإن ولاية ميريلاند الأمريكية يوجد فيها نحو ثلاثة آلاف شركة عقارية عام 2003م وفرت 105 آلاف فرصة عمل أو ما يقارب 4 في المائة من مجموع العمالة في الولاية. ودفعت تلك الشركات أكثر من سبعة مليارات ريال رواتب للعمال وإضافة 13 في المائة من الناتج الوطني (محلي) للولاية. وإن تنفيذ ألف وحدة سكنية متوسطة يوفر 2500 فرصة عمل إضافة إلى ما توفره من فرص عمل لمؤسسات السمسرة والتأمين على الصكوك والمباني والمصارف والبنوك ودور التمويل، إضافة إلى المؤسسات والمهن والمقاولين الذين يستفيدون من الاستثمار العقاري بطريقة غير مباشرة مثل شركات التأثيث والأجهزة والأدوات الكهربائية والإلكترونية ونقل الأثاث والتنظيف ومنسقي الحدائق....
وبعكس سوق الأسهم تشير دراسة لمركز دراسات الإسكان في جامعة هارفارد أنه مقابل كل ألف دولار ربحا للفرد في العقار فإنه يصرف 150 دولارا ليدورها في قطاعات أخرى بينما الربح نفسه في سوق الأسهم يدور فقط 40 دولارا.
وحيث إن شراء العقار يحتاج إلى روؤس أموال كبيرة فهو محرك ومؤشر رئيس لسعر الفائدة في البنوك كما أنه قطاع يقود اقتصاد الدول في حالات الركود الاقتصادي لأنه يأخذ وقتا أطول في الهبوط والارتفاع من سوق الأسهم.
لذلك فإن القطاع العقاري إضافة إلى كونه مربحا لبعض المواطنين إلا أنه يقوم بنوع من تدوير الأموال لتتوزع على جميع القطاعات الاقتصادية ليطول منها الجميع مثل المكاتب الهندسية والمقاولين وتجار مواد البناء ودور النشر والصحف ومكاتب الإعلانات والتسويق وشركات الحاسوب والإنترنت وغيرها .. كما أن المواطن سيدور هذه الأرباح لشراء متطلبات أخرى له ولأفراد عائلته سواء من الضروريات أو الكماليات. والتدوير للقطاعات الاقتصادية الأخرى وبذلك يحرك الاقتصاد الوطني، كما أنه يساعد على إيجاد فرص العمل للمواطنين.
لقد سجل الاستثمار العقاري وثبات عالية في السنوات القليلة الماضية وتطورا ملحوظا لوسائل التطوير والتسويق. وهناك نوعان أو طريقان للاستثمار وهما الاستثمار المباشر وهو في بناء وبيع وتأجير العقارات. والآخر وهو غير مباشر ويتم عن طريق صناديق الاستثمارREIT. ولا سيما بعد صدور تنظيمات المساهمات العقارية ضمن نظام صناديق الاستثمار العقاري. والتي أصبحت موضوع الساعة ومحل صراع بين العقارين التقليدين وهيئة رأس المال. وهذا الصراع ليس بجديد على العالم. فقد حدث نفس الصراع في أمريكا عندما اعترض كثير من العقاريين على ذلك النظام خوفا من سحب السجادة من تحتهم. لذلك فإن ما نظمته هيئة رأس المال ليس اختراع منها وإنما هو إعادة تصنيع العجلة. فصناديق الاستثمار العقاري هي ظاهرة معروفة دوليا منذ 1880م وانتشرت منذ 1985م وزادت شعبيتها في التسعينيات. وتسمى ريتس Real Estate Investment Trust-REITs وكانت أمريكا هي السابقة ثم هولندا وألمانيا ثم فرنسا.
وقامت تلك الدول بتنظيمها لحماية الاقتصاد الوطني من تشويهه أو فقدان الثقة به وحماية حقوق المواطنين سواء المستثمر أو المطور أو المساهم.
وآخر موضات الاستثمار حاليا هي ضمانات بحماية قروض عقارية Mortgage Backed Securities MBS و Exchanged Traded Funds ETF.
وصناديق الاستثمار العقاري هي صناديق تستثمر في أسهم عقارية وتبيع تلك الأسهم للأفراد مثله في ذلك مثل الاستثمار في أسهم الشركات ومحافظ الاستثمار في الأسهم. وعالميا يشترط على الصندوق سرعة توزيع جزء كبير من الأرباح على المساهمين. ولكنه يتميز عن سوق الأسهم أو المساهمات التقليدية في أنه أكثر مرونه ووضوحا. وفوائده كبيرة أهمها عالميا مربوط بفوائد الدولة والمواطن من الضرائب ولكن ما يناسبنا من فوائد هو:
1- يمكن لصغار المستثمرين وبرأس مال صغير أن يدخل في الصندوق ويبيع ويشتري.
2- يقوم على إدارته مهنيون عالي التأهيل ومضمونون.
3- سهولة وسرعة الحصول على السيولة.
4- قدرة الصندوق على الدخول في مشاريع استثمارية وتنموية كبيرة للاقتصاد الوطني.
5- عادة تكون أرباحه عالية ولا تتأثر كثيرا بالتضخم والكساد.
6- تنوع المشاريع التي يدخل فيها الصندوق وبذلك تقل نسبة المخاطرة.
هذا الطرح الموجز قد لا يفي الموضوع حقه ولكن الدرس الذي نستفيده هو أننا يحب أن نتعلم ممن سبقونا وأخذ آخر ما وصلوا إليه وتسخيره ليناسب ظروفنا و"حنا غير" وإتاحة الشفافية وخلق بيئة قانونية وتقنية مبنية على الثروة الحقيقية وهي ثروة قاعدة المعلومات. وأهمية الشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ورأب الصدع بينهما احتراما للمصلحة العامة. وإلى محاولة تنظيم وتنزيه صورة هذا القطاع الاقتصادي المهم وأن نستمر في تطوير هذه المهنة وابتكار طرق أحدث للاستثمار العقاري وتسويقه مع تسخير جزء من جهودنا للبحث والتطوير العلمي. وإلى أننا لا بد من تنظيم هذه المهنة من خلال هيئة أو وكالة لشؤون العقار.
ساحة النقاش