انا لله وانا اليه راجعون الفاتحة علي ارواح شهداء الاسكندرية وشهداء
( الثورة )
شهداء 25 يناير فى الإسكندرية.. صابر ترك زوجه حاملاً وطفلتين.. وأحمد طالب بكلية الحقوق ذهب لإسعاف المصابين فلم يعد.. وأم تتخذ من قبر ابنها بيتاً
وائل يا كومى صبرك صبرك أبو سليمان بتحفر قبرك" هذا هو الهتاف الذى علت به أصوات قاطنى دائرة الرمل بالإسكندرية أثناء تشييعهم لجنازة أكثر من 21 شخصاً قُتلوا على يد رئيس مباحث قسم الرمل ثان وائل الكومى، حيث تمثل كل جرمهم فى التظاهر أمام القسم تعبيراً عن الظلم الذى أوقعه عليهم طوال سنوات تواجده فى موقعه.
كانت مشاهد الانتهاكات العديدة التى قام الكومى بارتكابها ضد سكان الرمل قد تتابعت أمام أعين عدد كبير من المواطنين، وهو ما دفعهم إلى الاستجابة للدعوة للتظاهر يوم 25 يناير، حيث تجمعوا بصورة سلمية أمام القسم للتعبير عن رأيهم، وعندما فاجأتهم قوات الأمن المركزى بإلقاء القنابل المسيلة للدموع عليهم والرصاص المطاطى، أدركوا أنهم فى حرب، وليس أمامهم سوى الدفاع عن النفس، فقاموا برشقها بالحجارة.
وبعد انسحاب قوات الأمن المركزى فجأة، وقف الكومى طبقا لما يؤكده المواطنون مع عدد من رجاله، وقاموا بإطلاق الرصاص الحى بشكل عشوائى على المتظاهرين، ولم يترك طفلا صغيراً ولا فتاة، بل طلب من أحد رجاله إطلاق النيران فرفض، فأرداه قتيلاً على الفور برصاص مسدسه الذى أفرغ خزينته مرات ومرات، كما يقول شهود العيان.
التقينا بعض أهالى شهداء 25 يناير بالإسكندرية، والذين لم يكونوا من شباب الفيس بوك، ولم يعدوا العدة من قبل للاستشهاد فى سبيل الوطن، كل ما هنالك كانت مجرد أحلام تراودهم للإصلاح والتغيير والارتفاع بحياتهم، فمعظمهم يسكن فى بدروم عقار ينضح بالرطوبة ورائحة الموت، وآخر فى غرفة فوق السطح، وها هو صابر فهمى صاحب الـ42 سنة كان يعمل حلاقا قبل أن يستشهد ويترك خلفه بنتين وزوجة حاملاً ليس لهم أى مصدر رزق ثابت، وتعيش الزوجة الآن على فتات أهل الخير والجيران.
ولم تستطع زوجته الحديث عنه، كل ما تذكرته هو حنيته وطيبته عليها وعلى بناتها، حتى أنه قبل أن يخرج طلب منها أن تلزم المنزل وتأخذ بالها من بناتها ثم عاد إليها وهو جثة هامدة، بعد أن أصابه عياران ناريان فى ظهره وذراعه.
ويضيف شقيقه ممدوح أن صابر نزل من المنزل ليحضر نجل شقيقه من أمام القسم خوفاً عليه من بطش الكومى، ولكنه عاد جثة هامدة، مشيراً إلى أن المظاهرة كانت سلمية جداً، والمساجد هتفت بذلك، إلا أن الكومى أرادها دموية، وطالب الجميع بإهدار دم رئيس المباحث فى محاكمة علنية.
وقال: لن نترك دم صابر يذهب هدراً.. وعلى بعد خطوات قليلة كان منزل الضحية الثانية وهو أحمد إبراهيم محمد (19 سنة)، والذى كان يعمل ميكانيكياً مع شقيقه الأكبر، حيث بدأ شقيقه يحكى تفاصيل فاجعته قائلا: ذهبنا لمشاهدة ما يجرى عند القسم، حيث فوجئنا بضرب النار فى جميع الاتجاهات، وأصابت رصاصة أخى، حيث دخلت من جانب رأسه لتخرج من الجانب الآخر، وعن والدة إبراهيم فقد اتخذت من قبر نجلها منزلاً لها لا تقوم من أمامه.
ويأتى الدور على الضحية الثالثة، وهو محمود رمضان (23 سنة) الذى توفى، وقد ترك خلفه أسرة مكونة من 9 أفراد ووالده عاجز أجبره مرضه على التقدم بإجازة ليعول أسرته، ويعمل ليلاً ونهاراً باليومية لكى يجد لقمة العيش لأخواته، كما قالت والدته، وهى تمسح دموعها، وقبل وفاته بدقائق كان محمود نائماً حتى سمع أصوات طلقات نيران والقنابل، فبحث عن أخوته واطمأن عليهم، وقال لوالدته "يا رب القيامة تقوم عشان نروح لربنا الرحيم علينا من أى حد وذهب ليطمئن على خالته الموجودة بجوار القسم لتصيبه إحدى رصاصات رئيس المباحث فيسقط جثة هامدة".
أما والدة أحمد عامر (20 سنة) فلم تستطع التقاط أنفاسها المتقطعة من البكاء، وهى تروى كيف لقى فلذة كبدها حتفه عندما ذهب لنجدة وإسعاف المصابين أمام قسم الرمل ليلاقى مصيره المحتوم برصاص ضباط وعساكر الشرطة، وتتوقف لحظة فى ذهول مؤكدة أن ابنها لم يكن يشارك فى المظاهرات أو الوقفات الاحتجاجية، حيث كان منكباً على دراسته لأنه الابن الوحيد لأسرة فقدت عائلها ولا تملك أبناء غيره.
وتتذكر الأم فقيدها عامر الطالب فى الفرقة الثانية بكلية الحقوق، وكيف كان حريصا على مستقبله من أجل تحقيق حلم الأسرة فيه، وتعاود الأم النظر إلى صورة ابنها التى انتزعها منها الرصاص الطائش، وتعيد التفكير فى الذكريات الأليمة، حيث إنها لم تستطع أن تودعه الوداع الأخير بعد أن تم نقله إلى العناية المركزة بأحد المستشفيات ليلقى حتفه به.