أحداث مجلس الوزراء الجمعة 16 ديسمبر 2011 ليست خطأ سياسيا من المجلس العسكري الحاكم في مصر، فهو نفس السيناريو الذي بدأ في ماسبيرو 9 أكتوبر مرورا بميدان التحرير وشارع محمد محمود 19 نوفمبر واخيرا مجلس الوزراء. فقد صدرت الأوامر العسكرية العليا بفض الاعتصام بالقوة وشتي أشكال العنف وأساليب البطش، ليرتفع عدد الإصابات إلي أكثر من 700 1وعدد الشهداء إلي 420، وتم إلقاء القبض علي العشرات من المعتصمين بشارع القصر العيني، ووجهت لهم النيابة تهما بالتجمهر وإثارة الشغب والفوضي لإحداث عمليات إرهابية
لكن ما دلالة هذه الأحداث وما يمكن أن تسفر عنه من نتائج؟ أولا: إن الممارسات القمعية المتتالية للمجلس العسكري الحاكم قد " محت " رصيده تماما من نفوس الغالبية العظمي من الشعب المصري، وبالتالي فهي تدفع المصريين دفعا إلي ثورة جديدة في 25 يناير 2012، وإلي رفع نفس الشعارات والمطالب التي أندلعت ثورة 25 يناير 2011 من أجلها، بل إن الممارسات القمعية من الشرطة العسكرية والأمن المركزي – وأعوانهم الذين يتخفون في ملابس مدنية مع كل كارثة – تؤكد للقاصي والداني أن نظام (مبارك – العادلي) هو نفسه الذي ينتقم من الثورة والثوار. ثانيا: ان إضرام الحرائق فى مؤسسات الدولة وإلصاق التهمة بالثوار تمهيداً للإطاحة بالحريات التى تزعج العسكر كما تزعج بطانتهم من النظام الفاسد الذي لم ينته بعد... هو حيلة قديمة – جديدة يلجأ إليها الطغاة والمستبدين، وهو نفس المخطط الذى لجأ إليه النازى " هتلر " حين احترق البرلمان وكان هذا تمهيداً للإطاحة بالنظام البرلمانى فى ألمانيا. لقد ثبت أن المجلس الاستشاري – الذي ولد لقيطا - مجرد مناورة جديدة لتمديد حكم العسكر واستمراره، وما الإفراط في العنف المتواصل إلا رسالة تحذير من المجلس العسكري، تؤكد علي أنه: لن يسمح لأية " ثورة " كانت أن تغطي علي 23 يوليو 1952، وهو ما يفسر محاصرة ثورة 25 يناير 2011 واعتبارها مجرد " حركة إصلاحية محدودة "
ثالثا: أن كل هذا العنف الممارس من المجلس العسكري ووزارة الداخلية ضد الثوار والمعتصمين والمتظاهرين، لا يثير فقط علامات الاستفهام في هذا التوقيت حول إمكانية " نقل السلطة " إلي (حكومة مدنية منتخبة)، وإنما يشير أيضا إلي أنه ينبغي أن ننظر إلي هذا " العنف " بإعتباره التجلي الأكثر بروزا للسلطة، أو قل إن " عنف العسكر " هو أقصي درجات السلطة، إن مماهاة السلطة السياسية مع العنف أمر لا يكون له معني، إلا إذا اعتبرنا مع " ماركس " أن الدولة تشكل أداة قمع تمتلكها الطبقة الحاكمة المسيطرة، وبغض النظر فإن العنف بوصفه التجلي الأكثر بروزا للسلطة هو جوهر التصور التقليدي للسلطة المطلقة. رابعا: فات علي جهابزة المجلس العسكري الحاكم ومختلف أقنعته " المدنية " من " مجلس استشاري " إلي " مجلس وزراء " وخلافه، أن السلطة لا تحتاج إلي تبرير في ممارسة العنف، وإنما تحتاج إلي المشروعية التي يفتقدها العسكر اليوم. السلطة تنبثق في كل مكان يجتمع فيه الناس، ويتصرفون بالاتفاق أوالتوافق فيما بينهم، وهي تستنبط مشروعيتها من هؤلاء الناس أكثر مما تستنبطها من أي شئ آخر، وهو ما يعني أن العنف الذي يمارسه العسكر ضد المصريين لن يحوز أبدا علي مشروعية. " خامسا: إن المحاولات المستمرة من المجلس العسكري للتهرب من مسئوليته المباشرة عن كل الجرائم التي يرتكبها ضد المصريين، يإلقاء التهم جزافا علي المتظاهرين والثوار أنفسهم، أو استخدام مصطلحات مطاطة مثل " القلة المندسة " و" مدنيون مجهولون " و" البلطجية " و" الفلول " وغيرها، هو تكريس لمفهوم " عنف لا أحد " في المجتمع، أو العنف مجهول الهوية والعنوان والمسئولية، حيث لا يوجد فرد أو مجموعة من الأفراد تعتبر مسئولة بشكل مباشر عما يحدث وبالتالي ليس ثمة شخص محدد يمكن أن يحاسب، وهذا الوضع الذي يجعل من المستحيل تحديد المسئولية، هو من أقوي الأسباب لإندلاع ثورة 25 يناير 2012
ساحة النقاش