عن الأشياء الجميلة أتحدث، عن المشاعر الدافئة أتحدث ، عن الاطمئنان ، الحب، الهدوء، السكينة.
عن الشعور بالسلام النفسي والتواصل مع الذات، عن الاندماج في الكون، عن الاتحاد مع الطبيعة الخلابة، عن الذوبان في أشعة الشمس الدافئة، عن الاستكانة لدغدغة النسمات الباردة المنعشة. عن الحب أتحدث.
عن ذلك الشعور بالرضا عن الحياة، عن النفس، عن الموجودات، عن القدر، عن تلمس جوانب الجمال في العالم المحيط، والاستمتاع بكل ما يجيط بنا، عن الموسيقى الهادئة التي تنساب حولنا طوال الوقت، إلا أننا لا نجد أبدا الفرصة، ولا نعطي أنفسنا القدرة على الاستماع لها والتمتع بها، عن السكون، أتحدث، السكون الرائع في هدأة الليل، عن إدراك الجوانب المشرقة في الحياة، عن إتاحة الفرصة للنفس لفهم الحياة دون تعصب أو تشنج أو توتر أو انفعال.
الحياة مليئة بالجمال الذي لا نشعر به لمجرد أننا لا نعطي أنفسنا الفرصة لتلمس مظاهره، وسط صخب الحياة وفوضى المخلوقات، لكنه هناك، ينتظر فقط أن نسمح لأنفسنا بعقد الهدنة مع أنفسنا، وأن نتوقف عن الهرولة وراء مقدرات الواقع، ومعطياته من أجل أن نرى وأن نسمع ما لا يمكننا أن نراه أو نسمعه في خضم هرولتنا الحثيثة الموتورة. إن داخل كل منا جنته الموعودة التي يحلم بها، ويسعى لتحقيقها، إلا أن تحقيقها على ذلك النحو يدفعنا دوما إلى خوض المعارك ، الوهمية منها و الحقيقية من أجل إنزالها على أرض الواقع، كل ذلك دون أن ندرك أننا يجب أن نسمو بين الوقت والآخر لتلك الجنة المحفورة في أعماقنا عن طريق التأمل والصفاء، نسموا إليها فنتسم بسماتها من نقاء وطمأنينة وسلام.
إنها استراحة محارب قضى العمر يحمل درعه، ويشهر سيفه في مواجهة الحياة حتى هده التعب والقنوط، فأدرك ربما متأخرا بعض الشيء أنه لابد له من التزود في تلك الرحلة الطويلة بشيء من الزاد الذي يعينه على استكمال الطريق، ومعاودة القتال.
استراحة أدرك فيها الكثير والكثير عما فاته في خضم هذه الحروب الشعواء، وهو الاستمتاع بجمال الكون من حوله، وما حباه به الإله وما أنعم عليه به من نعم قصر عنها إدراكه وعجزت عنها حواسه المادية المحاصرة بمتاعب الرحلة ومشاق الطريق.
آنذاك فقط، ترتسم الابتسامة على وجه المحارب، وقد أدرك أخيرا أن هناك في الحياة ما يستحق أن يترك سيفه، ولو قليلا، ليحظى ببعض من متعته، وأدرك أنه ربما قد أخطأ بانخراطه في المعركة حتى تعمقت الحرب في داخل نفسه، وأصبحت جزأ لا يتجزأ من إدراكه، وأصبح هو جزء منها، وأداة فيها، بالرغم من أن هذا لم يكن هدفه الأول، وإنما أخذته الحياة لطريق لم يكن هو هدفه ومبتغاه، ولربما تعلم المحارب في استراحته أن يكون جنديا محاربا في محراب الجمال، دون أن يفقد معنى الجمال في معركته الدائمة، أو جنديا مطيعا في ساحة الحب، دون أن يقضي حياته محاصرا داخل درعه الفولاذي معزولا عن مشاعر الحب، للحياة وللكون وما تلاهما من مشاعر للحب، تنفر من ضجيج المعركة وصوت الكراهية الضارب في أطنابها.
ربما ذات يوم، ينتصر في معركته، أو حتى ينهزم فيها، إنما في كلتا الحالتين، فهو لم يفقد حياته دون المعنى الذي حارب من أجله، بل إنه في استراحته وما تلاها من مسيرة، قد تعلم أن يرشف من معين الجمال والحب الذي طالما حارب من أجلهما
المصدر: عمــــــــــــــــرو فــــــــــــــــرج
نشرت فى 14 يوليو 2011
بواسطة january25shabab
ساحة النقاش