متابعة م:شريف سليمان
قال الدكتور عباس شومان الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: "لقد علم الله أزلا أن ما يقال في شأن المواريث الآن سيقال فجاءت الآيات الكريمة محكمة لم تترك مجالا لهذا العبث الذي يطلق عليه البعض تطورا فقهيا ، ولنأخذ منها آية واحدة هي محل هذا اللغط الدائر حول مساواة المرأة بالرجل في الميراث حيث بين رب العالمين ذلك قال -جل شأنه - (يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ۚ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا).
وتابع على صفحته بموقع التواصل فيس بوك:" يلاحظ أن الآية الكريمة لم تكتف بلفظ الوصية التي صدرت بها الآية حيث إنه من السهل القول بأن الوصية ليست ملزمة فتصدرت لام الملكية والاختصاص ذكر الأنصبة(فلهن - فلها - فلأمه) ومما لا يخفى على طالب علم أن ملك الإنسان لا ينازعه فيه أحد ولايحل لغيره إلا بطيب نفس منه لقوله- تعالى - ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) وقوله - صلى الله عليه وسلم : "لا يحل مال امرىء مسلم إلا بطيب نفس منه" ولم تكتف الآية بذلك بل ختمت ذلك كله ببيان نوع الحكم صراحة فهو :(فريضة من الله) ولست أدري بعد النص الصريح على أن تقسيم الأنصبة المذكورة فريضة من الله من أين أتى أستاذ الفقه المقارن سعد الدين الهلالي بأن الميراث من الحقوق وليس من الفرائض؟!.
وقال إن طلاب العلم يعرفون أن من أسماء علم الميراث : علم الفرائض حيث إن أكثر الورثة يرثون بالفرض المقدر أي النصيب من الثلثين أو الثلث أو السدس أو النصف أو الربع أو السدس ، فثبوت النصيب( الفرض) الذي هو المقدار هو من حيث الحكم التكليفي فرض كأركان الإسلام بنص الآية ، وهو حق للوارث ولا تعارض ، وعلى الحالين لايجوز لغير الوارث التدخل بتغيير النصيب المفروض ولا منع المستحق من أخذ حقه ،فبموت المورث يستحق الوارث نصيبه ويدخل في ملكيته على الفور ولايتوقف حتى على القسمة إلا أنه يستقر بالقسمة وتسلمه ، وهنا يحق للوارث أن يتنازل عنه اختيارا لبعض الورثة أو لجميعهم ، ولكن القول بأن حق الوارث في الميراث يمكن للغير أن يتدخل فيه فيسوى بين المرأة والرجل أو يجري تعديلا على فرض مذكور ويجعله قاعدة من دون الرجوع إلى الوارث كلام باطل لا يلتفت إليه ولا تنتجه قواعد الاجتهاد ، ولم يقل به فقيه ولامتفقه في أي عصر من العصور.
وتابع :"لم نسمع لا في المواريث ولا في غيرها أن حقوق الناس يجوز لغيرهم من حكومات أو علماء أن يتدخلوا فيها نيابة عنهم ، ومما يعلمه طلاب العلم أن التوبة تصح في حقوق الله دون حقوق العباد فلاتسقط إلا بإسقاط أصحاب الحقوق لها، فإن كان رب العزة لايسقط حقوق العباد إلا بقبولهم إسقاطها فكيف يكون للبشر التدخل في حقوق البشر التي بينها رب العزة بآيات محكمات؟! وإذا تأملت آيات المواريث الباقية في سورة النساء وجدت التأكيد بمثل ماورد في هذه الآية بعد كل نصيب مفروض حتى لايفكر أحد مجرد تفكير التدخل في قسمة الله -عز وجل - يقول الإمام ابن كثير مفسرا قوله -تعالى- ( فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما):[وقوله: { فريضة من اللّه} أي هذا الذي ذكرناه من تفصيل الميراث وإعطاء بعض الورثة أكثر من بعض هو فرض من اللّه حكم به وقضاه، واللّه عليم حكيم، والحكيم: الذي يضع الأشياء في محلها ويعطي كلاً ما يستحقه بحسبه، ولهذا قال: { إن اللّه كان عليماً حكيماً}] وهذا الذي ذكره الإمام ابن كثير بأن قسمة المواريث فرائض من الله لم يخالفه فيه أحد من المفسرين أو الفقهاء".