د.ايمان مهران

أعمال تهتم بالإبداع والمبدع والتواصل الإنساني عن طريق الفن

تحذر د‏.‏ إيمان مهران خبير فنون التشكيل الشعبي‏,‏ من اندثار حرفة الكليم الأسيوطي ضمن مجموعة الحرف التقليدية التي دخلت بالفعل نفق الإهمال والنسيان والتجاهل‏,‏ برغم أهميته علي الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والحضاري‏,‏ قائلة‏:‏ يشكل الكليم الأسيوطي لغة اجتماعية واقتصادية وفنية يتحدثها البسطاء فقط‏,‏ من أبناء مصر المحروسة‏,‏ بينما يتجاهلها مع الأسف المسئولون‏,‏ ورجال الأعمال‏,‏ وأصحاب القرار‏,‏ برغم ما تشكله من أهمية كرمز لهوية الشعب المصري ومنتج شديد الدلالة علي تسامحه‏,‏ وتآلفه وتمسكه بشخصيته الفريدة والكليم الأسيوطي أو ما يطلق عليه اسم المفارش هو نسيج يدوي من الصوف الطبيعي يستخدم علي وجهيه كغطاء للآرائك‏,‏ والأرضيات‏,‏ ومختلف أنواع الأثاث‏,‏ وهو واحد من أهم الصناعات اليدوية التي تجعل اسم أسيوط يتردد في كثير من المحافل العالمية في هذا المجال‏,‏ وهذه الشهرة العالمية لو تم توظيفها‏,‏ لنقلت اقتصاد أسيوط والصعيد ومصر كلها نقلة هائلة‏,‏ لكن مع الأسف‏,‏ هذه الحرفة المهمة في طريقها إلي الاندثار‏,‏ في ظل ما تواجهه من إهمال‏,‏ ومنافسة غير عادلة من المنسوجات المستوردة‏,‏ خصوصا من الصين‏,‏ وغياب التوثيق العلمي والفني‏,‏ وهو ما حاولت القيام به من خلال أطروحتي للدكتوراه عن فن الكليم الأسيوطي‏,‏ وغياب منظومة للتسويق والترويج لهذا المنتج سواء في الداخل أم الخارج‏,‏ حيث يتعرض الحرفي للنهب من بعض رجال الأعمال الكبار الذين يأخذون منتجه بجنيهات قليلة‏,‏ ويبيعونها بآلاف الدولارات مما جعل إنتاج الكليم يمثل مشكلة لصاحب المهنة‏,‏ وعبئا ماديا‏,‏ خصوصا أن تخزين الكليم الصوف فترات طويلة دون استخدامه يعرضه ـ مثل كل المنتجات الصوفية ـ للعتة والتمزق‏.‏
ومن هنا ـ تواصل د‏.‏ إيمان مهران ـ توقف معظم أصحاب الأنوال الكبيرة عن تعليم أبنائهم المهنة غير المربحة‏,‏ بل فك معظمهم الأنوال اليدوية ليتخلصوا من عبء الخسائر وتكاليف العمالة‏,‏ والضرائب‏,‏ لتنتهي تدريجيا ـ أو تكاد ـ صناعة الكليم الأسيوطي الذي كان الحرفة الرئيسية في قري ومدن عديدة بأسيوط‏,‏ وكان مصدر الدخل الرئيسي لسكانها‏,‏ والسلعة الأولي في التجارة مع عدد من الدول العربية‏,‏ خصوصا السودان‏,‏ حيث تقع أسيوط علي رأس الطرق التجارية التي تربط وادي النيل بالواحات الخارجة ودارفور غرب السودان‏.‏
ولتخسر مصر رئة تنموية حضارية كانت متنفسا لآلاف الحرفيين في صعيد مصر‏,‏ الذين استبدلوها بمهن هامشية غير منتجة‏,‏ أو بالهجرة إلي العاصمة بحثا عن فرص أفضل للدخل‏,‏ بعد أن أصبحت أنوال الكليم الأسيوطي قليلة جدا‏,‏ ومعظمها لا ينتج بشكل منتظم‏.‏
وللخروج من هذا الوضع المؤسف وإعادة الاعتبار للكليم الأسيوطي الذي دخل بالفعل نفق الإهمال والنسيان المظلم‏,‏ تطالب د‏.‏ إيمان مهران‏,‏ بتطوير الأنماط الوظيفية والجمالية للكليم الأسيوطي غبر الاهتمام بالتعليم الفني وتطوير مناهجه‏,‏ وخفض الضرائب علي الحرفة وكل أشكال الاستغلال الإداري للحرفيين‏,‏ من جانب المحليات والكهرباء حتي تعطي حرية العمل للحرفي‏,‏ والتوسع في إنتاجه وتسهيل الحصول علي الخامات في محاولة للتنافس مع البدائل في السوق المحلي والمعارض والأسواق الخارجية ودراسة السوق لتحديد القدرة الشرائية‏,‏ نوع المنتج ومواصفات المستوي التقني ووضعه وسط مثيله المعروض من خلال المميزات والعيوب والمكونات‏,‏ وخلق مجالات تسويقية أكثر اتساعا وتداولا للمنتجات اليدوية خصوصا الكليم الأسيوطي حتي تعزز فرص العمل اليدوي وتتسع الرقعة العاملة فيها ورفع كفاءة الحرفي‏,‏ والدفع بها إلي مثيله في بعض الدول الأكثر تقدما في تصنيع الكليم كتركيا‏,‏ إيران عن طريق برامج تأهيل للحرفي تعد من جانب خبراء في الصناعة والاجتماع والفن التشكيلي وتوثيق المنتجات النسجية بما فيها الكليم‏,‏ وإنشاء بنك معلومات للحرفة لتصبح مدخلا للتنمية والحفاظ علي الخبرة‏,‏ ونقلها من جيل لجيل مع العمل علي ربط الأصالة بالحداثة حتي لا يضيع عمق التراث في المنتج التكنولوجي‏,‏ ويكون هذا من خلال الدلالات الرمزية‏,‏ للعلامات والرموز التي يمكن استخدامها في تكوين فني مستحدث‏,‏ والترويج لمنتجات فن الكليم عبر معارض وبرامج تسويقية عادلة وتثقيف المجتمع وتوعيته بدور الحرف ضمن المنظومة المجتمعية وتوضيح المجهود الكبير الذي يقوم به الحرفي لإنجاز القطعة الفنية اليدوية وأهميتها بالنسبة لتاريخ المجتمعات‏,‏ بحيث تعود الحرف التقليدية لتدخل ضمن منظومة عاداتنا وتقاليدنا وملامح الشخصية القومية‏,‏ بالحفاظ علي وظيفة منتجاتها كأساس لاستمرارها‏,‏ والكليم ضمن ذلك يجب إعادة استخدامه بالتعاقد مع بعض الجهات الرسمية‏,‏ مثل الأوقاف أو غيرها لتوريد الكليم للزوايا الصغيرة بجوار الموكيت والسجاد الصناعي والذي تم الاعتماد عليه في الأونة الأخيرة‏,‏ وهو ما يسهم أيضا في تنشيط الإنتاج الذي سيوفر الآلاف من فرص العمل خصوصا في الصعيد‏,‏ من خلال إنتاج حقيقي وبتكلفة استثمارية رخيصة‏,‏ بحيث يصبح الكليم الأسيوطي ليس فقط لغة البسطاء وحدهم‏,‏ لكن لغة الوطن بأكمله‏.‏

المصدر: مجلة الأهرام العربي _ عدد رقم 681 _ جمهورية مصر العربية
  • Currently 70/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
22 تصويتات / 488 مشاهدة

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

60,284

د.إيمان مهران

imanmahran
فنانة تشكيلية وكاتبة »