كلما قرأت أو سمعت في تاريخنا الإسلامي، كلما ازددت اعتزازا بالنفس، وانبهارا بهؤلاء العظماء الذين الذن يزخر بهم تاريخنا، وبالأسي علي ما وصل إليه حالنا، وفي نفس الوقت بالأمل أن تلد أمتنا في الحاضر والمستقبل مثل من ولدت في الماضي.

والآن أترككم مع شخصية أظنكم لم تقرأوا أو تسمعوا اسمها من قبل (كحالي قبل أن أستمع إلي بعض محاضرات "قصة الحروب الصليبية" للدكتور راغب السرجاني)، إلا أنها شخصية تستحق أن نعرفها. الشخصية هي "آق سنقر الحاجب". من هو؟ واصلوا القراءة لتعرفوا... وتنبهروا !

هو أبو عماد الدين زنكي، كان من القادة العظام والمقربين جدا لملك شاه (ملك عادل كان يحكم دولة من الصين إلي الشام) حتي أنه أطلق عليه لقب "قسيم الدولة"، أي يقاسمه إدارة وحكم الدولة.

في هذا العصر، حدثت قلاقل عظيمة في أرض الشام، فولّي ملك شاه حلب لآق سنقر الحاجب مفضلا إياه علي أخيه، وكانت حلب مضطربة ومتدهورة تجاريا وزراعيا وأمنيا.

واعتمد قسيم الدولة في إصلاح أحوال حلب علي مبدأي التدريج والشمول، أي عمل علي إصلاح المجالات الأمني، والاقتصادي، والاجتماعي والديني.

وأول ما بدأ به هو تطهير حلب من المجرمين، فأقام الحدود الشرعية في البلاد علي القتلة والسارقين. ولم يكن نتيجة ذلك مجتمع من مقطوعي اليد والمقتولين والمرجومين، فقد طبقت الحدود علي مجرم أو اثنين وارتدع الباقون. واستقرت الأمور إلي حد بعيد في حلب.

كما طبق مبدأ العاقِلة، وهو مبدأ فقهي يعني أن القرية أو المدينة أو القبيلة التي يمر فيها أحد المسلمين ويُسرَق فيها أو يُقتَل، تتكفل أو يتعاقل أهلها فيما بينهم (أي يتعاونون) علي القبض علي من ارتكب هذه الجريمة، وإلا يعوضون المجني عليه. وهذا حمَّل الجميع مسئولية حفظ الأمن ودلوا علي المجرمين.

وهذا الاستقرار الأمني جعل آق سنقر يتجرأ ويعلن قانونا غير مسبوق... وهو ألا يرفع مسلم متاعه أبدا من مكان إلي مكان آخر إذا أراد مغادرة هذا المكان، بمعني أنه يتركه في الشارع ويتكفل آق سنقر بحفظه له أو يعوضه عنه، وفعلا اطمأن الناس إلي ذلك ولم تسرق بضاعتهم أو تضيع.

وذات يوم، كان آق سنقر في إحدي القري فوجد أحد الفلاحين يرفع متاعه ليأخذها معه إلي البيت بعد أن انتهي من العمل في حقله، فقال له آق سنقر (وكان الفلاح لا يعرف شكل آق سنقر): ألم تعرف أن آق سنقر قد نادي في البلاد ألا ترفعوا متاعكم، اتركوه وهو يحميه لكم؟ فقال له الفلاح أن الناس يأمنون علي حياتهم في عهد آق سنقر ولكنه يخاف علي متاعه من ابن آوي (حيوان مثل الذئب، يأتي إلي هذه القرية ويأكل الجلد المغلف للآلة التي يحملها الرجل). فأمر آق سنقر الصيادين أن يصطادوا ابن آوي من إمارة حلب بكاملها، فأفنوها.

وصار الناس في ربوع الأمة الإسلامية يتحدثون عما عمَّ حلب من رخاء وأمن.

اهتم آق سنقر الحاجب كذلك بالعمران، حيث جدد منارة مسجد حلب الجامع، واسمه منقوش عليها إلي الآن.

توفي عام 484 هـ، تاركا لابنه تركة كبيرة... لم يترك له مالا كثيرا ولكنه ترك لابنه الكثير من الأخلاق الحميدة، والعطف علي الرعية واحترام شرع الله... ترك له حبا كبيرا للناس في قلوب أهل حلب، فتوارث أهل حلب الترحُّم عليه (علي آق سنقر) أبد الدهر، أي كان الأب عند وفاته يوصي أبناءه بالترحُّم علي آق سنقر. كما ترك له أصدقاء أوفياء تولوا رعايته، فانطبق عليه قوله تعالي: "وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا" (النساء 9)

رحم الله آق سنقر الحاجب وعوَّض علينا بأمثاله...

 

المصدر: المحاضرتان رقم 24 و25 من قصة الحروب الصليبية للدكتور راغب السرجاني : http://www.islamstory.com/%D8%B3%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D9%88%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A9
  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
45 تصويتات / 430 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

47,387