عرضت عليّ إحدي صديقاتي التي تعمل مدرسة هذه الاستشارة: "سألتني بنت أنها بدأت تشعر بالغرور أو بالثقة الزائدة بالنفس حيث أنها كانت الأولي على المدرسة في النصف الأول من العام الدراسي وتكسب جوائز في جميع الأنشطة التي تشارك بها, ولا تعلم ماذا تفعل وهل إحساسها خطأ ؟"

وكان ردي عليها كالتالي:

جميل أن تعرف قدراتها، وطبيعي أن تشعر بالسعادة لأنها حققت المركز الأول علي المدرسة، وهذا شيء جميل لأن الإسلام يحتاج أناسا متفوقين ومتميزين في مختلف المجالات، أي أن الإسلام يحتاج منا أن يكون كل منا متميزا في مجال أو بعض المجالات، بحيث يكون المسلمون في جملتهم متفوقين في كل المجالات.

ولكن... عليها أن تفهم أن التفوق الدراسي ليس هو كل شيء، بمعني أن الشخص غير المتفوق دراسيا ليس غبيا، فهو ذكي ولكن بشكل آخر. وهذه في رأيي هي الشعرة التي تفرق الثقة بالنفس عن الكبر. فالثقة بالنفس هي أن أعرف قدر نفسي دون أن أقلل من قدر غيري. أما الكبر، كما عرفه النبي (صلي الله عليه وسلم)، فهو "... بطر الحق وغمط الناس." (رواه مسلم)

إذن، كيف تعرف أنها متكبرة؟

هل تشعر في داخلها أنها أفضل من الآخرين؟ هل تحتقر الآخرين؟ هل دائما تقارن بينها وبين الآخرين باحثة عن نقاط القوة فيها وعن نقاط الضعف في الآخرين؟

هل تتقبل النصيحة؟ أم تشعر بالضيق عندما يوجهها أحد؟ هل تجادل وتدافع عن نفسها حتي ولو كان الناصح مصيبا في نصيحته؟

هل تعتذر إذا أخطأت؟ أم أنها لا تفعل ذلك؟ أم أنها تفعله ولكن بصعوبة؟ فالأمور درجات، وليس الناس إما متكبرا أو غير متكبر، ولكن قد يكون في مساحة ما بين النقيضين.

إذا كان الأمر كذلك، أي إذا كانت فعلا متكبرة، فلتفهم أن كلا منا متميز في شيء، والنبي (صلي الله عليه وسلم) كان يعلم ذلك، ويمكنك أن تذكري لها حديثه (صلي الله عليه وسلم) الذي قال فيه: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح." ) قال الألباني في السلسلة الصحيحة إنه صحيح.)

يمكنك أن تشرحي لها باختصار أيضا أن هناك نظرية اسمها "الذكاءات المتعددة". هذه النظرية تقول أن كل الناس أذكياء، ولكن في مجالات مختلفة وبأشكال مختلفة. فمنهم صاحب الذكاء الذاتي القادر علي تحديد الأهداف، والتخطيط، وفهم نقاط قوته وضعفه، ومشاعره. ومنهم صاحب الذكاء الاجتماعي القادر علي التعامل مع مختلف أنواع الناس، وعلي كسب حبهم وثقتهم. ومنهم صاحب الذكاء الموسيقي القادر علي التلحين مثلا، ومنهم صاحب الذكاء البصري المتفوق في الفنون والأعمال اليدوية، ومنهم صاحب الذكاء الحركي المتفوق في الرياضة والقادر علي بذل مجهمود بدني أكبر من غيره، وهكذا.

انصحيها، بأن تفعل عكس ما تأمرها به نفسها بدافع من الكبر. فمثلا، إذا وجدت أنها ستمتنع عن مساعدة أحد أو القيام لكبير، أو... الخ. فلتفعل عكس ذلك، فلتساعد، فلتقوم لتجلس الكبير، وهكذا.

وأخيرا، ادفعيها إلي الله الذي يحبنا، وأكدي لها أن محاولتها أن تتغلب علي الكبر هو جهاد للنفس الذي قال عنه النبي (صلي الله عليه وسلم) أنه الجهاد الأكبر، وأن الله يقول "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا" (سورة العنكبوت 69). فجهادها للكبر سيقربها إلي الله الذي يحبها ويساعدها، فعليها ألا تشعر بالخوف (الدائم) بل بالحب والتأييد من الله وأن تلجأ إليه بالدعاء. وذكريها بالحديث القدسي الذي يخبرنا الله فيه أن من تقرب إليه شبرا تقرب الله إليه ذراعا إلي آخر الحديث. وهذه نقطة مهمة جدا: أن تعرف أن الكبر أمر خطير، ولكنها مشاعر طبيعية تنتاب الكثير من البشر.. إلا أن هذا لا يعني التهاون، فأنا أعرف أنه أمر خطير، ولكنه شعور طبيعي لدي الكثيرين وسأحاول مجاهدته موقنة أن الله سيعينني.

وسيكون جميلا ومفيدا جدا أن تساعديها علي التفكير والتوصل إلي كل ما سبق من خلال الأسئلة والحوار. مثلا، ابدأي بسؤالها:

ما معني الثقة بالنفس؟

هل شعورك بالسعادة لتحقيق المركز الأول يجعلك تشعرين بالذنب؟

ما معني الكبر؟

ما رأيك في باقي الناس الذين لم يحققوا هذا المركز؟ هل ذلك لأنهم أقل ذكاء منك؟ هل لديهم أي نقاط قوة؟ اذكري لي أمثلة علي ذلك

ما الذي يجعلك تقولين أنك متكبرة؟

في رأيك ما الأشياء التي إذا قمت بها ستشعرين أنك متواضعة؟

والله ولي التوفيق.

المصدر: كتاب "تنمية الذكاء عند الأطفال"، الأستاذة/ نيفين عبد الله، نهضة مصر - خبراتي الشخصية إعداد/هدي الرافعي
  • Currently 134/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
43 تصويتات / 937 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

50,749