الفساد وأزمة الاخلاق بالمجتمع

الفساد وأزمة الاخلاق بالمجتمع

======

 لقد رتَّبَ الله عز وجل على الفسادِ عقوبةً عظيمة، قال تعالى:

{وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:204-206)

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء الدَّارِ} [الرعد:25]..

 


 

ما أحوجنا إلى أخلاق الإسلام وتوجيهاته؛ لتستقيم أمورنا وتصلح أحوالنا وتضبط تصرفاتنا ويحسن إسلامنا ويكتمل إيماننا فلا ينفع إيمان أو يقبلُ عمل أو ترفع عبادة بدون أخلاق تحكم السلوك وتوجه التصرفات، وقد مدح الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم الذي اختاره واصطفاه بقوله سبحانه :

{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} القلم:4)،

ولا يمدح الله نبيه صلى الله عليه وسلم بشيء إلا وله مكانة عظيمة عنده  تعالى و وصف الله عز وجل  عباده بقوله:

{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا . وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا . وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا . إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا . وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا . وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}

[الفرقان:63-68].

 ولما سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل إيماناً؟ قال صلى الله عليه وسلم: «أحسنهم أخلاقاً»

(الترمذي 1162، أبو داود 4682).

وقد سمى الله الإيمان براً، فقال تعالى:

{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177].


فسوء فساد القادة والمسئولين دون محاسبة وسرقة الاراضى وأموال الشعب وانتشار الفساد الادارى فى البلاد دون تدخل من الجهات المسئولة وأصبح القانون يطبق على الضعفاء فقط دون الاخرين بل اصبح القانون حماية لكل فاسد وسارق لمقدرات الوطن وأصبح الشعب محتلا بطبقات متعددة من الفساد والانهيار الاخلاقى.

بل اصبح عبيدا لطبقة الفساد بالمجتمع من مسئولين ورجال دين يتاجرون به وعلماء لا يراعون ضمائرهم وتعليم فاسد بلا قيم ولا اخلاق ولا تربية وتجار الجشع والرشوة وسرقة الموازين وحقوق العباد وارتفاع الاسعار دون داع وإعلام الدعارة ونشر الموبقات والأفلام المثيرة للجنس وانتشار تعاطى المخدرات بين الشباب وأعمال الشعوذة والسحر نتيجة لسوء التعليم وانتشار الخرافات بل انتشر الفساد بين الفقراء انفسهم فهم يسرقون بعضهم البعض ويغشون ويفعلون اى شئ من اجل البقاء——-

إن أزمتنا اليوم أزمة أخلاق، وممارستها على أرض الواقع وتعبد الله بها، فالكثير يصلون ويصومون ويقرؤون القرآن ويدّعون الإسلام ويملئون المساجد ثم يخرجون للتقاتل والتنازع والتحاسد فيما بينهم. يقوم الكثير بالشعائر دون خشوع وتدبر ودون استشعار لعظمة الله فتسوء أخلاقهم وسلوكياتهم في البيت والسوق وفي الوظيفة ومع الجيران، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:

 «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة» 

(الترمذي 2003).

وقد أخبرنا رسول صلى الله عليه وسلم: ” عن امرأة دخلت النار بسبب حبسها لهرة فماتت من الجوع”، كما يخبرنا في المقابل عن رجل غفر لله له ذنوبه بسبب سقيه لكلب اشتد عليه العطش، قال صلى الله عليه وسلم: 

«دخلت امرأةٌ النارَ في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض» 

(البخاري 3140، مسلم 2619).

 وقال عليه الصلاة والسلام: «بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجراً؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر»

 (البخاري 5663، مسلم 2244)

 كل ذلك ليبين ما للأخلاق من أهمية في حياة المسلم وآخرته ومن مكانًة عاليًة، بلغت بصاحبها أن كان الأقربَ والأحبّ لصاحب الخلُق العظيم نبيّنا محمّد، يقول عليه الصلاة والسلام: 

«إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربِكم منِّي مجلِسًا يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقًا» 

(رواه البخاري)

وإن المؤمنين ليتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم فيه أحسنهم أخلاقًا جاء في الحديث 

«ألا أنبِّئُكم بخيارِكم ؟ أحاسِنُكم أخلاقًا»

(صححه الألباني في الصحيحة 876 -2/562)

فلا يغتر أحدنا بصلاته أو صيامه أو قراءته للقرآن أو حتى صدقته وحجه لبيت الله الحرام، وهو في الجانب الآخر سيء الخلق سيء الأقوال والأفعال بذيء اللسان خبيث النفس فلن تنفعه أعماله حتى يأخذ تعاليم الإسلام وتوجيهاته كاملة ويمارسها بصدق وإخلاص ليكتب له التوفيق والسداد والقبول عند الله.

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «دخلتُ الجنةَ، فسمعتُ فيها قراءةً، فقلتُ: مَن هذا؟ قالُوا: حارِثةُ بنُ النُّعمانِ، كَذَلِكُمُ البِرُّ، كَذَلِكُمُ البِرُّ!» ‌

(صحيح. صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني، 3371.)

 وكان حارثة بن النعمان من بني مالك بن النجار، وهو ممن شهدوا غزوة بدر، وكان أبرّ الناس بأمه، وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم  نبه أصحابه على سبب نيل تلك الدرجة بقوله: «كذلكم البر»، أي حارثة نال تلك الدرجة بسبب البر…

(فيض القدير بشرح الجامع الصغير: 3/637-638.).

لقد كانت الأخلاق في حياة المسلمين سبب رئيسي لعزتهم وقوتهم ومنعتهم وسعادتهم، فعاشوا فيما بينهم حياة يسودها الحب والتعاون والاحترام المتبادل فأسسوا حضارة بهرت العالم ذلك أن أي حضارة لا تقوم إلا على دعامتين:

 علمية وأخلاقية.

 علمية تنتج التطور والازدهار والرقي السياسي والاقتصادي والعلمي والاجتماعي.

وأخلاقية ينتج عنها الأمانة والإخلاص والإتقان والشعور بالمسئولية وتقديم النفع وحب الخير فإذا ما ذهبت هاتين الدعامتين أو أحدهما انهارت الحضارات وتفككت المجتمعات وحلّ البلاء بأهلها.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

 يقول ابن خلدون: “إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة حملهم على ارتكاب المذمومات وانتحال الرذائل وسلوك طريقها، وهذا ما حدث في الأندلس وأدى فيما أدى إلى ضياعه…”

 وأدرك هذه الحقيقة أيضًا أحد كتاب النصارى واسمه “كوندي” حيث قال: “العرب هووا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها، وأصبحوا على قلب متقلب يميل إلى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات

وصدق الله العظيم القائل:

{وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16].
فماذا نقول اليوم لمن ساءت أخلاقهم وفسدت أفعالهم يستحلون دماء المسلمين وأعراضهم.

 قتل وخطف وتعدٍ وظلم وتخويف وقطع طريق وتدمير منشأة ومصلحة عامة أين ستذهبون من أعمالكم عندما تقفون بين يدي الله ولا حجة لكم.

إن الفسادُ الأخلاقي في الأرض إجرام، نهى عنه ربُّنا -جل وعلا-، وتتابعت رسُلُ الله وأنبياؤه ينهَون عن الفساد في الأرض بكل صوره، قال نبيّ الله صالح عليه السلام لقومه:

{وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ ءالآء اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الأرْضِ مُفْسِدِينَ}

[الأعراف:74]،

 ونبيُّ الله شعيب عليه السلام يقول لقومه:

 {وَيا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ} [هود:85].

انها رسالة لمن يهمه الامر ولمن اراد الاصلاح ولكل مسئول عن جماعة او امة ونذكر الجميع ان امر الله ات لامحالة والله يمهل ولا يهمل .

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

حسن رزق

المصدر: basmetaml.com
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 332 مشاهدة

حسن عبدالمقصود على رزق

hassanrzkali
موقع بسمة امل موقع ثقافى اجتماعى عائلى لجميع افراد الاسرة العربية »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

70,983