جماليات التصميم في ديكور العروض المسرحية العربية المعاصرة

عند افول القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين ، بدأت العملية الفنية المحاكاتية تستنفد طاقاتها وروادها ، وحتى بنسبة ما (متلقيها) ، بعد ان دخلت الكاميرا منافساً وعوضاً لا يتسنى لأي رسام ان يوازيها في الدقة والسرعة فضلاً عن ان الحياة البشرية وبدوافع التطور العلمي بدأت بالتغير والتحول السريع في جميع فروعها واختصاصاتها المتعددة ، يعاضدها في ذلك اكتساح الآلة والميكانيك للبيت والشارع وكل وجوه المدينة لتتحول الى مصنع آلي كبير ، يناط بكل من فيه دور لتدوم عجلته في دورانها الدؤوب الذي يستهلك الانسان في مقابل ان ينتج له ، ويخضعه لنظام ذي منفعة (وظيفة) لا يمكن ان تكون له قيمة بدونها ، فكل شيء صار يحسب ويقاس بمقدار ما له من فائدة ، لدرجة ان احدى اهم الفلسفات المعاصرة (*) حتمت على ان تكون الاخلاق والقيم ذات اهداف عملية ملموسة والا فهي محض وهم وباطل.

فكان تبعاً لذلك ان يعاد تصميم كل شيء بما يتوافق مع معطيات الحاضر الجديد (الذي فضلاً عن كونه متطور ومتغير في جوانب ، غدا متخلف ومنحل في جوانب اخرى) فأعاد المهندس والمعماري والصناعي والحرفي … الخ ، مجمل نتاجاتهم وفق رؤية جديدة (تصميم) فرضها الواقع الذي يعيشون ، إذ لابد لهذه النتاجات من ان تتوافق وتنصهر مع النظام العام والمبدأ الاساسي الذي ينتهجه في صياغاته الشكلية.

فلم يكن من الفنان المعاصر، إلا التعبير بصيغة جديدة تحمل سمات العصر نفسه المنحسر العاطفة والميكانيكي الروح ، والذي بدا فيه ما مصنوع اوسع في العين مما هو طبيعي خالص . حيث اصبح التصميم بكل فروعه ومجالاته المتعددة الوجه الحضاري لزمننا الذي نعيش ، ولم يقف عند حدود المنفعة او النظام الوظيفي الذي يدخل ضمنه بل امتد ليلج منطقة العمل الفني الصرف ويدمجها شكلياً ضمن منطقته الصلبة والعقلانية والوظيفية ،  كي يصبح اكثر توافق وتناغم مع البيئة والحياة الجديدتين .

وتعزز التصميم في فنون الحداثة لان الفنان صار اكثر جرأة في تفكيك وتحليل الواقع ومن ثم اعادة تركيبه في بنية جديدة تتجاوز المحاكاة والموضوعية لتكون صورة اشمل وابلغ واصدق لملامح الحاضر بسلبه وايجابه.

والفنان العربي المعاصر بوصفه حاملاً للإرث الحضاري الكبير لا تزال فنونه معيناً ثراً للقاصي والداني ، لم يجد بعد طول ابتعاد عن ركب الحضارة ، الا ان ينهض مسرعاً لبلوغ مطلعها الذي كان ميدانه الغرب ، فأخذ ينهل (حيناً) من معطيات الفنان الغربي وتجاربه الحداثوية التي تعبر عن فلسفة ورؤية بعيدة عنه ، ويؤسس عليها بوعي تجربته التي تنطلق من واقعه وموروثه في قالب معاصر (حيناً آخر).

وكان من اهم تلك التجارب التي استهوت الفنان المعاصر وطغت سطحه التصويري ، هي تلك التي تستلهم التصميم في البنية او الفكرة او التقنية او الجميع من خلال توظيف الشكل التصميمي في كل جمالي الغاية ، ليحقق من خلال هذه التجارب ظاهرة فنية واسعة لم يغب الا النزر اليسير عن رفدها في الفترة موضوع البحث.

وبقيت هذه الظاهرة على الرغم من سعة مساحتها وكثرة افرادها وغزارة انتاجهم تدرس من نوافذ اخرى لا تقترب الى اهمية مظهرها الشكلي والكيفية التي تكون بها ، وتوصف اصطلاحاً بأنها تصميمية بما تمتلكه من مزايا لم يتفق عليها بعد ، بمعنى ان هناك اتفاقاً على انها تصميمية دون تحديد لمفهوم التصميم في اللوحة الذي يحتاج الى بيان ومن ثم تتحدد تبعاً له السمات التصميمية التي تمثله.

 

<!--[if !supportFootnotes]-->

<!--[endif]-->

(*) الفلسفة البرجماتية (Pragmatism) نشأت في اميركا في مطلع القرن العشرين وساهم في ترويجها ثلاثة من اعلام المفكرين هم جارلز بيرس ووليم جيمس وجون ديوي.

المصدر: الدرايسة ، محمد عبد الله وعدلي حمد : مبادئ التصميم ،ط1مكتبة المجتمع العربي للنشر والتوزيع ، الاردن ، 2009.
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 294 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2015 بواسطة hadeelhadi77

عدد زيارات الموقع

2,163