نشأة الحركة التعاونية فى العالم ومصر والدول العربية

إعداد

المستشار الدكتور / محمد احمد عبد الظاهر

تقديم

التعاون ظاهرة اقتصادية اجتماعية ، أفرزها السلوك البشرى، نتيجة للتطورات التى مرت بها المجتمعات الإنسانية عبر مراحلها المختلفة، حتى أضحى نظاماً اقتصادياً، اجتماعياً، ثقافياً، وضع لبنته الأولى المفكرون الأوائل، وعني به المشرع فى أغلب دول العالم، حتى بات التشريع التعاوني جزءاً من منظومة القوانين فى أغلب الدول فى الوقت الراهن، بل وصل الأمر إلى حد وضع نصوص دستورية ترعى القطاع التعاونى وتدعمه وتؤيده.

ويكاد يجمع علماء التعاون فى العالم على أن قيام القطاع التعاوني ضرورى فى كل نظام سياسى واقتصادى، لأن مختلف الأنظمة السياسية والاقتصادية تستعين بالتعاون بدرجات متفاوتة، إذ أن التعاون لا يستهدف فقط تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية لمجموع أعضائه، بل يستهدف أيضا خلق المواطن الصالح، الذى يستشعر أهميته، وقدرته على الإسهام فى بناء المجتمع، ذلك أن التعاون قطاع وتنظيم اقتصادى اجتماعى، ذا بعد إنسانى، أفرزته الحاجة البشرية للأفراد لمعالجة ما يعانون من ضعف اقتصادى واجتماعى، بهدف إشباع حاجاتهم المتماثلة، لحمايتهم والنهوض بمستواهم المادى والاجتماعى، ذلك أن التعاون منهج حياة، ورسالة مضمونها أن الفرد الذى كرمه الله تعالى يستحق التكريم فى الدنيا، وحفظ كرامته، ومنحه الحاجات الضرورية، حتى لا يقع فريسة لمن يسعون للربح، والربح فقط، دون الالتفات للاعتبارات الإنسانية، لذا فالتعاونيات – وبحق– تأتى من روح الأديان السماوية، وتستمد إلهامها من الحق سبحانه وتعالى، وما غرسه فى الأفراد من روح المحبة والإيثار، وتكريم الإنسان لأخيه الإنسان ورعايته. فالإنسان تعلم منذ أن خلق فى هذه الحياة أن التعاون أمر لا بد منه، لكى تستقيم حياته وتستمر. فالتعاون فطرة أودعها الله سبحانه وتعالى فى الإنسان، وهو مظهر من مظاهر هذا الكون الذى نعيش فيه، بل إن الإنسان فى ذاته. لولا تعاون جميع أعضائه مع بعضها البعض، لما استطاع النمو والحركة، وهذا من حكمة الله تعالى فى خلقه، فلقد خلقهم سبحانه فى منظومة متكاملة يحتاج بعضهم بعضا، ويساد بعضهم بعضا.

والتعاون ليس هدفاً في حد ذاته، ولكنه أسلوب عمل وأسلوب حياة، يلجأ إليه الأفراد، في سبيل تحقيق الأهداف والغايات الاقتصادية والاجتماعية المرجوة، وإذا كان التعاون قد أخذ صورته الأولى فى أوربا، إلا أنه انتشر فى سانر أرجاء المعمورة، بحيث نجد الجمعيات التعاونية على اختلاف أنواعها فى مختلف دول العالم، بغض النظر عن النظام الاقتصادى والسياسى الساند بالمجتمع، وقد عرفت الأمم المتحدة- فى مؤتمرها الاقتصادى عام ١٩٥٥. التنمية المحلية بأنها " العملية المصممة لخلق التقدم الاقتصادى والاجتماعي للمجتمع عن طريق المشاركة الإيجابية من الأفراد، ولا يكون ذلك إلا من خلال المنظمات الأهلية غير الحكوميه، وعلى رأسها التعاونيات"، وقد وجد التعاون منذ القدم بين أفراد المجتمعات البدائية، وكان ذلك، فى ظل الاقتصاد القبلي أو العائلي الذى كان يتعاون فيه أفراد القييلة أو العائلة، لحمايه مصالحهم المشتركة، وإنتاج احتياجاتهم اليومية، ظل التعاون قائماً بين أفراد المجتمع فى المجتمعات الحديثة، كسلوك فطرى وغريزى حضارى، إلى أن تم تنظيمه بقواعد قانونية، رسخت مبادئه بصوره واقعية فعلية.

ومن جماع ما تقدم نلحظ الاهتمام العالمى من العديد من المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية، فى دعم وتنمية الحركة التعاونية، لأن القطاع التعاوني، بصفته منظمات شعبية غير حكومية، وبما يحققه من تنمية اقتصادية، اجتماعية وثقافية، لأعضائه وللمجتمع بصفة عامة، مهيأ أكثر من غيره، لتحقيق وتفعيل البعد الاجتماعى لعمليات التحول وسياسات الإصلاح، والتوجه إلى تطبيق مفاهيم وأساليب اقتصاد السوق .

ولهذا فإن التعاونيات، بما تمتلكه من قدرة، على تجميع إمكانيات أعضائها، وتوظيف تلك الإمكانيات، بأسلوب اقتصادي أرقى وأفضل، تصبح أحد الأشكال المهمه فى المجتمع، مما يتطلب من الحكومات، تقديم يد المساعدة لها لتحقيق أهدافها، والقيام بأداء رسالتها المهمة فى التنمية بأبعادها المختلفة .

ولا يفوتنا في هذا المجال، أن نشير إلى التطور التاريخي للعلاقة بين الأجهزة الحكومية والقطاع التعاوني، خاصة بالدول العربية. فلقد لجأ القطاع التعاوني للدولة من أجل الحصول علي معونات ومساعدات ، والأخيرة تعاملت مع التعاونيات في أغلب الأحيان من أجل الحصول على قنوات لتوزيع الدعم، مما أدى لتسلط الأجهزة الإدارية في الدولة، في أدق شنون القطاع التعاوني، من تخطيط، ومراقبه، إشراف، تمويل وخلافه. وهذا بالضرورة أفرز حركة تعاونية خاضعة لسيطرة الحكومة، وهو ما اتضح من تقرير المدير العام لمكتب العمل الدولي عام ١٩٨٣، من خطورة تدخل الدولة، وسيطرتها علي القطاع التعاوني، حيث إن خطر تدخل الحكومة، أو سيطرتها، يتمثل في أن التعاونيات قد لا تكون موجهة إلى حل مشاكل أعضائها، وإنما إلى تنفيذ السياسات الحكومية المقررة.

وليس أدل على تغلغل القطاع التعاونى فى شتى مناحى الحياة وفى مختلف الدول كذلك من وجود عدد ٢٢٢ ألف منظمة تعاونية فى ٩٠ دولة من دول العالم، يبلغ عدد أعضاؤها أكثر من ٨٠٠ مليون نسمة حول العالم: ففى الأرجنتين هناك أكثر من ١٨ ألف جمعية تعاونية يبلغ عدد أعضاؤها حوالى ٩ ملايين شخص، وفى كندا هناك فرد من بين ثلاثة أفراد فى المجتمع عضو بجمعية تعاونية، وتنتج الاتحادات التعاونية للسكر بكندا ٣٥%من إنتاج السكر الإجمالى ، وفى الهند يوجد أكثر من ٢٣٩ مليون نسمة أعضاء بالجمعيات والاتحادات التعاونية الهندية، وفى أورجواى تنتج التعاونيات٩٠%من الألبان بالبلاد وحوالى ٣٥%من إنتاج العسل.

ومن جماع ما تقدم نلحظ الدور المحورى للقطاع التعاوني في مختلف دول العالم، وما يستتبعه ذلك، من ضرورة دراسة التجارب التعاونية، والوصول لتنمية الحركة التعاونية لتحقيق التنمية الشاملة، وتحقيق صالح المجتمعات والأفراد علي حد سواء، ودراسه كيفية مواجهة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، والتعامل معها بما يمكن الحركة من أداء دورها المحورى الهام بالمجتمع.

وإبرازاً لدور التعاونيات وما يمكن أن تلعبه من دور مهم فى المرحلة المقبلة، فى ظل العولمة وما يشهده العالم من متغيرات اقتصادية واجتماعية، لها بكل تأكيد آثار كبيرة على مختلف السياسات والمجتمعات، فإننا سوف نتعرض فى هذه الدراسة للتعاونيات من أوجه عدة؛ فبداية نتعرض للتعريف بالتعاون، لغة وفقها وتشريعا ببعض الدول من خلال باب تمهيدى، ثم نتناول نشأة الحركة التعاونية وتطورها عالميا ومصريا وعربيا كى يتعرف المواطن العربى على تاريخ الحركة التعاونية ومدى ما وصلت إليه من تطور وازد هار كى تكون باكورة الاصدارات للمركز مع مواصلة المركز لإصدارته فى شأن المتغيرات العالمية المعاصرة والأزمة المالية وما يمكن للتعاونيات أن تقوم به لمواجهة التداعيات المشار اليها.

المحتويات

الباب الأول : تعريف الحركة التعاونية

الفصل الأول : التعريف اللغوى للتعاون

الفصل الثانى : التعريف الفقهى للتعاون

الفصل الثالث : التعريف التشريعى للتعاون

الباب الثانى : نشأة الحركة التعاونية فى العالم ومصر والدول العربية

الفصل الأول : نشأة الحركة التعاونية فى العالم

الفصل الثانى : نشأة الحركة التعاونية فى مصر

الفصل الثالث : نشأة الحركة التعاونية فى الدول العربية

*** للإطلاع يرجى زيارة مكتبة الهيئة ***

إعداد : أيمن عشرى

إشراف : منى محمود

المصدر: سلسلة إصدارات المركز العربى للتطوير الإدارى والتعاونى - مجلس الوحدة الإقتصادية العربية - الإتحاد التعاونى العربى

ساحة النقاش

مكتبة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية

gafrdlibrary
عنوان الهيئة: القطعة رقم (210) بالقطاع الثانى-حى مركز المدينة-التجمع الخامس-القاهرة الجديدة- Email: [email protected] »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

2,413,764

اخر إصدارات كتب المكتبة