طريق المستقبل

المستقبل لا يبدأ من الغد و إنما يبدأ من اليوم

مقدمة

إن التفكير بمعناه المجرد هو إعمال العقل أو تشغيله في أمر ما وهو أهم ما يميز الجنس البشري فالعقل بإجماع الأديان هو مناط التكليف. كما إننا نجد أن هناك من ربط وجود الإنسان بقدرته علي التفكير مثل الفيلسوف الكبير ديكارت وأطروحته الشهيرة "آنا أفكر إذن أنا موجود" وهنا لم يقصد ديكارت الوجود المادي بل قصد الوجود الفعلي الفعّال.

ولكن هناك سؤال يطرحه هذا المقال هل للتفكير أنماط أو أنواع؟؟

  وإجابة هذا السؤال بنعم!!

فنحن في كثير من الأحيان حني في معاملتنا اليومية نقابل أشخاص ونتعامل معهم ومن خلال هذا التعامل يرسخ عندنا مفهوم عن طريقة تفكير هذا الشخص فنجد مثلاً من يفكر بطريقة موضوعية ومن يفكر بطريقة منطقية ومن و من يفكر بطريقة غير موضوعيه (يتحكم في تفكيره ميوله وعواطفه) ومن يفكر بطريقة منهجية ......إلخ

ونجد أن كل هذه الطرق والأنماط هناك سمات وخصائص تميزها ونحن هنا سوف نخص الكلام عن سمات التفكير العلمي محاولين ترسيخ هذا المفهوم لدي بحاثين اليوم الذين سيشكلون علماء المستقبل.

سمات التفكير العلمي :-

أولاً : التراكمية

وهو لفظ يعبر عن حقيقة تطور العلم

فالعلم في بناءة عبارة عن مبنى يتكون من عدة طوابق كلما تم بناء طابق أرتفع ليبنى الطابق الذي يعلوه مع ملاحظة أن العلم لا يسكن إلا في الطابق العلوي، ولا يمثل الطابق الأسفل بالنسبة له إلا الأساس الجيد الذي تم البناء عليه والذي لولاه ما كان علي إلي هذا الحد من العلو.

وهذا يوضحه معنى حقائق العلم فالحقائق العلمية ما هي إلا مفردات نسبية لا يمكن أطلاقها في كثير من الأحوال اللهم إلا الثوابت الطبيعية وهي حتي يمكن أن تتغير المفاهيم المتكونة عنها بإختلاف وتطور الأدوات التي تستخدم في دراستها . حيث أن أي نتيجة يصل إليها العالم فهي نتاج فكرة ومحصلة تجارب تمت في عصره وبإمكانيات عصره وبالتالي فإن التطور الذي يحدث كل يوم في الإمكانيات والوسائل المتقدمة المستحدثة كلها تلعب دوراً هاماً في كشف الكثير من الحقائق الجديدة وتدعيم أو تغيير الكثير من النتائج .

إذن العلم دائماً في تقدم رأسي وأفقي

رأسي لأنه دائماً هناك الجديد الغير معروف من قبل .أفقي لأنة دائماً ما يسعى إلى توسيع المفاهيم وإدراكها إدراكا شمولياً.  وأكبر الأمثلة على ذلك ما كان يظن من قبل أن فيزياء نيوتن لن يأتي بعدها أحد وإذا بأينشتين يظهر بالنسبية وحالياً بعد ظهور الفينتوثانية على يد العالم المصري الجليل زويل انفتحت الكثير من المجالات التي كانت موصدة الأبواب من قبل .

ثانياً : التنظيم

المقصود بالتنظيم هو العمل والتفكير بمنهجية منظمة والبعد عن طرق التفكير العشوائية العفوية الغير منظمه . حيث أن من أهم صفات التفكير العلمي أن يكون منظماً ومرتبطا ومبنى على تخطيط سليم للوصول إلى تقدم في مواجهة المشاهدات والمشاكل التي تواجه العالم في تحقيق أهدافه . و هذا لا يأتي محض مصادفة ولكن لابد من بذل الجهد لتحقيقه والتدرب علية والتخلص من كل عادات التفكير العفوي المشتت .

وكان دائماً النظام هي السمة العامة في أي تفكير فمثلاً التفكير الأسطوري كان ينظمه مجموعه من الخرافات الأسطورية عن وجود نظام متعدد الآلهة للكون كلاً مختص عن شيء بذاته. وكذلك حينما جاء التفكير الفلسفي حاول أن ينظم التفاعلات الطبيعية واللاهوتية والعقلية في نظام واحد أسماها بالكون وأضفى علية صفه لا يتم إلا بها وهى النظام . ثم جاءت الفلسفة الحديثة أكثر تطوراً معطية نظم وأساس للتفكير وهو ما قام به ديكارت في الخطوط الأربع في حل المشكلة .

ويختلف العالم في نظام تفكيره عن التفكير الفلسفي والأسطوري في أنة يرتكز على منهج ثابت له قواعده و خطته التي تؤدي في النهاية للوصول لغايته ولهذا المنهج صفات أهمها :-

1-  الملاحظة المنظمة للظاهرة المراد دراستها وبحثها مع التركيز على الجزيئية المرادة واستخلاصها من بين المعقدات المحيطة بها.

2-  لا تعتمد الملاحظة على الحواس الخاصة بالعالم فقط بل لابد أن تكون ملاحظه دقيقة باستخدام المفردات الحديثة من أجهزة وتقنيات .

3-  التجريب: حيث توضع الظواهر الملاحظة في ظروف يتم التحكم فيها مع تغيير الظروف وتنويعها بقدر الإمكان للحصول على قوانين جزيئية يتحصل عليها وهى تتسم بأنها غير مترابطة مع بعضها ومنفصلة .

4-  ثم يقوم العالم بضم الاستنتاجات والقوانين الجزيئية المتحصل عليها وربطها معاً للوصول إلى نظرية ثابتة مثلما حدث لنيوتن في قانون الجاذبية.

5-  عملية الاستنباط العقلي من النظرية للحصول على نتائج فرعية يمكننا من تعميق النظرية والاستفادة منها إلى أقصى مدى وهذا يتطلب القيام بالعديد من التجارب مرة آخري ، مثلما قام أينشتين باستنباط النسبية من القوانين والنظريات الجزيئية .

6-    لابد أن يتسم المنهج بالترابط والتسلسل المنطقي .

ثالثاً : البحث عن أسباب :-

إذ ليس المراد بالعلم هو الوصول إلى نتيجة فقط ، ولكن المراد هو معرفه السبب وراء هذه النتيجة فلا تكون الظاهرة مفهومة فهماً صحيح وبالمعنى العلمي إلا بمعرفه أسبابها ولهذا هدفين.

الهدف الأول: هو أرضاء نزعه المعرفة وحب الاستطلاع لدى الإنسان إذ لوحظ أن في بعض الحضارات كان الاهتمام فقط بالنتيجة دون معرفة الأساس النظري والعلمي المبنى عليها .

الهدف الثاني: أن معرفه سبب النتيجة يمكننا من التحكم فيها واستخلاص أساس عام يمكننا من الوصول إلى مزيد من النتائج التي تفيد في ظواهر آخري .

وقد فطن الفلاسفة القدماء إلى أهمية السبب ولخص ذلك أرسطو في النظرية السببية وأرجع أنواع السبب إلى :-

سبب مادي, سبب صوري, سبب فاعل, سبب نمائي (الغاية)

و إذا طبقنا هذا علي صناعة السرير مثلاً فإننا نجد أن أسبابه الأربعة:

1-    سبب مادي : الخشب و هو في صنع السرير

2-    سبب صوري : الشكل المصمم علية ودورة

3-    سبب فاعل : النجار ودورة في عملة .

4-    سبب نمائي : أسباب النوم التي أدت لعملة .

أي أن السرير له أربع أسباب مختلفة تجمعت مع بعضها للوصول إليه و إنتاجة .

وإن كان من أهمها هو الغاية من وجودة ، إذ أن الحاجة إلية كانت أهم الأسباب في وجودة في كثير من الأحيان. ولقد قام العلم الحديث بتوسيع فكرة السببية ، إذ كل ظاهرة لا تتوقف على سبب واحد بل مجموعه من الأسباب المعقدة التي تتداخل فيما بينها مؤدية للنتيجة .

رابعاً : الشمولية :-

إن من أهم ما يميز المعرفة العلمية أنها لابد أن تكون شاملة أي تسرى على جميع أمثلة الظاهرة فمثلاً : عند تفسير سقوط جسم ثقيل من أعلى إلى الأرض كان في البداية ظاهرة سقوط تفاحه من أعلى شجرة ولكن العالم نظر إلى الموضوع بشمولية أي ليس خاصة بالسقوط الجسم المعنى هنا ولكن خاص بسقوط وزن وكتله بسرعة معينة في زمن معين فكانت نظرية الجاذبية التي تسرى على جميع الأجسام الساقطة أياً كان نوعها ، والمعنى الآخر للشمولية هو عدم رؤية الموضوع من منظور واحد بل النظر إلى الظاهرة نظرة شمولية فلم ينظر إلى تفاحه على هيئتها فحسب بل نظرإليها كوزن وكتله ....إلخ .

خامساً : الدقة والتجريد :-

والمقصود بالدقة هو تحديد الشيء مراد دراسته والتعبير عن الظاهرة المدروسة بدقه دون السقوط في ألفاظ تحمل أكثر من معنى وأكثر من تفسير ( إشكالية ديكارت في اللغة من أكبر الأمثلة علي ذلك) أي أنه لابد من تحديد الاصطلاحات واللغة المعبرة تعبيراً علمياً دقيقاً . وهذا أسقط الكثير من العلماء والاستنتاجات في هوة كبيرة من الاحتمالات والأخطاء إلى أن تم استخدام التعبيرات الرياضية التي تحدد الظاهرة تحديداً علمياً ولقد أصبح هذا التعبير الرياضي بالأهمية بما كان الذي جعل كثيراً يقسمون المراحل العلمية إلى مرحلتين فالمرحلة الأولى ما قبل العلم هي مرحلة التقول بألفاظ لغوية عقيمة غير محددة مثل علم الطبيعة في بدايته في العصور الفلسفية الأولى واستخدام ألفاظ معينة للتعبير عن الظواهر الطبيعية كبارد وحار وثقيل وخفيف.... ألخ.  إلى أن جاء جاليليو ودخل بنا مرحلة جديدة " علم الفيزياء "حيث طبق لغة الكم الرياضية للتعبير عن الظواهر الطبيعية.

ولما كانت الرياضة والأرقام الرياضية تتصف بالتجريد فمثلاً 2+2=4 لا تعنى شيئاً بذاته ولكنها تعنى فقط الإضافة . كان أتصاف العلم بالتجريد وقد أفاد العلم جداً عملية تجريده وتحويله إلى أرقام ولغة رقمية فمثلاً هناك فرق لو قلنا أن الحديد ساخن وأنه درجة حرارته 35 5 م فساخن تشمل كثيراً من الاحتمالات أما 35 5م فهي محددة.

المصدر: د. عماد الدين يوسف محمود
  • Currently 247/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
72 تصويتات / 14037 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

62,158