أحدث التطور التكنولوجي الذي شهده العالم، مع دخوله القرن الحادي والعشرين، ثورة معلوماتية، أطلق عليها الثورة الصناعية الثالثة أو الموجة البشرية الثالثة، بعد الموجة الزراعية والصناعية التي مرت بهما البشرية في تاريخها الطويل. ويتوقع أن تقود هذه الثورة المعلوماتية إلى قيام اقتصاد جديد يطلق عليه اقتصاد المعلومات

Information Economics

يختلف في نوعيته وبنيته وآلياته ونظرياته عن الاقتصاد التقليدي، مما يؤدي إلى إضافة قطاع اقتصادي جديد بجانب القطاعات الاقتصادية التقليدية: الزراعية والصناعية والخدمية. وتوقعت دراسات قامت بها منظمة التعاون الاقتصادي أن يهيمن هذا الاقتصاد الجديد (اقتصاد المعلومات) على نحو 80% من حجم النشاط الاقتصادي الإجمالي بحلول عام 2012م.

وفي ظل التوقعات المتفائلة لهذا التحول، من الاقتصاد التقليدي إلى اقتصاد جديد، فإن ثمة دلائل وإشارات تؤيد هذه التوقعات، يمكن بيانها من خلال استعراض بعض الآثار والفوائد لتطبيقات التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت والتي أضحت القوة الدافعة لاقتصاد المعلومات الجديد. وفي هذا القسم سوف نجمل هذه الآثار والفوائد المتحصلة من التجارة عبر شبكة الإنترنت على مستوى قطاعات الأعمال ومستوى الأفراد (المستهلكين) والمستوى القومي أو الكلي.

1. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى قطاع الأعمال.

تتلخص أبرز الفوائد الاقتصادية للتجارة الإلكترونية المتحصلة على مستوى المؤسسات والشركات التجارية في الآتي:

أ- توسيع نطاق السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على توسيع دائرة السوق المحلي وكذلك النفاذ إلى الأسواق العالمية وخلق أسواق جديدة كان من المتعذر إيجادها في ظل التجارة التقليدية، لأن ممارسة التجارة عبر شبكة الإنترنت تجعل المنتجات من السلع والخدمات متاحة لأكبر عدد ممكن من المستهلكين. وهذا يتيح حتى للمنشآت الصغيرة والمتوسطة الحضور في الأسواق المحلية والدولية الأمر الذي يمنح فرصة أكبر للمستهلك للاختيار من بين المنتجات المعروضة . ويعد الدخول اليسير والفعال إلى الأسواق المحلية والدولية لمؤسسات الأعمال أحد الفوائد المباشرة للتجارة الإلكترونية التي تعتمد على الإنترنت. ولذلك فإنه بإمكان أي فرد أن يصبح تاجرا على الإنترنت بتكاليف منخفضة جدا. وعلاوة على إمكان الوصول إلى الأسواق العالمية، فإن الشركات التي تبنت التجارة الإلكترونية تؤكد وجود فوائد ومنافع أخرى لهذه التجارة مثل تقليص أوقات أو فترات التوريد، واختصار أوقات دورات الإنتاج، وتبسيط عمليات وإجراءات الشراء، بالإضافة إلى إنقاص المخزون، لأن المنتجين والمستهلكين يصبحون قريبين جدا من بعضهم البعض من خلال الاتصال المباشر فيما بينهم، دون تدخل الوسطاء التقليديين مثل الموردين والمصدرين وتجار الجملة والتجزئة.

ب- تفعيل مفهوم المنافسة الكاملة في السوق: حيث تعمل التجارة الإلكترونية على تقليص المسافات بين المنتجين والمستهلكين مما يتيح التواجد الإلكتروني القريب بين البائع والمشتري الأمر الذي يؤدي إلى تحسين مستوى ونوعية المنتج عن طريق خدمات ما قبل وبعد البيع، وتوفر المعلومات عن طبيعة المنتجات وأسعارها ومنتجيها في الأسواق، وكذلك الاستجابة السريعة لطلبات السوق مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحسين درجة التنافسية في الأسواق الإلكترونية . كما أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية وانخفاض عوائق الدخول في الأسواق من شأنه تقليل بعض الاختلافات في الأسواق التجارية، وتحريك الأنشطة الاقتصادية والوصول بها إلى أن يكون اقتصادا يعتمد على المنافسة الكاملة.

ج- انخفاض تكاليف العمليات التجارية: تمثل تكاليف الصفقات التجارية المتمثلة في جمع المعلومات والتفاوض وأتعاب السمسرة وعمولات المبيعات والإجراءات الإدارية وغيرها جزء مهما في سعر المنتج. وتلعب التجارة الإلكترونية دورا بارزا في تخفيض هذه التكاليف من خلال تحسين وتدفق المعلومات وزيادة تنسيق الأعمال، وكذلك انخفاض تكاليف البحث عن المعلومات المتعلقة بالمشترين المحتملين والبائعين في السوق . كما تمكن التجارة الإلكترونية مؤسسات الأعمال من تنسيق استراتيجياتها ومواردها ومهاراتها بتكوين علاقات طويلة المدى، لا سيما تلك المؤسسات أو الشركات التكنولوجية كثيفة المعلومات، وذلك من خلال الشبكات الإلكترونية التي تتيح تقاسم المعلومات. ويعتقد بعض الباحثين أن صور هذه الشبكات التي تنظم التجارة الإلكترونية سوف تسود في المستقبل القريب وتصبح هي الهيكل التنظيمي لكل التعاملات الاجتماعية بين الناس . ومن ناحية أخرى تسهم التجارة الإلكترونية في خفض التكاليف الإدارية لدى مؤسسات الأعمال في توزيع وحفظ واسترجاع المعلومات الورقية، وقد يصل خفض التكاليف الإدارية لعمليات الشراء إلى 85%  ، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض أسعار المنتجات.

د- تحكم أفضل في إدارة المخزون: تسهم التجارة الإلكترونية في خفض المخزون عن طريق استعمال عملية السحب في نظام إدارة سلسلة التوريد، حيث تبدأ العملية بالحصول على الطلب التجاري من المشتري وتزويده بطلبه من خلال التصنيع الوقتي المناسب()، وهذا من شأنه العمل على تقليص الدورة التجارية بدرجة كبيرة حيث يتم شحن المنتج مباشرة من المصنع إلى المشتري النهائي. ويظهر ذلك بشكل كبير في المنتجات الرقمية، أي السلع والخدمات التي يتم تسليمها إلكترونيا . وبذلك تصبح التجارة الإلكترونية أداة مهمة في إدارة المخزون وانخفاض تكاليف التخزين، وهذا له آثار اقتصادية على المستوى الكلي إذا علمنا أن 10% من التقلب ربع السنوي في معدلات نمو الإنتاج تعود نتيجة للتقلب في الاستثمار في المخزون. فإذا كانت التجارة الإلكترونية تعمل على تخفيض المخزون إلى حده الأدنى، فإنه من المتوقع أن يكون أحد آثار التجارة الإلكترونية هو تخفيف آثار الدورة التجارية الناجمة عن التغير في المخزون. ومع تطور تقنية المعلومات والاتصالات وتدفق المعلومات بشكل أفضل فإنه من المتوقع أن ينخفض أثر المخزون على الدورة التجارية إلى حده الأدنى بل ربما ينعدم.

2. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على مستوى المستهلكين.

بجانب الفوائد والمزايا المتحصلة لقطاع الأعمال من استخدام التجارة الإلكترونية، فإن المستهلك له أيضا نصيب من التجارة الإلكترونية إذا كان مستهلكا إلكترونيا عبر شبكة الإنترنت. وتتمثل أبرز هذه الفوائد في الآتي:

أ- سرعة وسهولة التسوق: حيث يكون لدى المستهلك نطاقا أوسع للتسوق عبر شبكة الإنترنت، وعلى مدار الساعة، وفي أي يوم يريد، وأي مكان على سطح الأرض. فأي شخص لديه حاسب آلي ومتصل بالإنترنت فإن بإمكانه أن يصبح مستهلكا عالميا، وهو في منزله، وما عليه إلا أن يتعامل مع أزرار الحاسب الآلي، وتصفح المواقع التجارية الإلكترونية المفتوحة عبر الإنترنت.

ب- تعدد الخيارات: توفر التجارة الإلكترونية العديد من الخيارات للمستهلك نتيجة لإمكان الوصول إلى منتجات ومراكز تسوق لم تكن متوفرة بالقرب من المستهلك. فمع دخول المستهلك إلى التجارة الإلكترونية فإن الفرصة متاحة له بأن يبحث عن سلعته المفضلة أو التي يبحث عنها عبر المواقع التجارية في الإنترنت. بينما في حالة التسوق التقليدي فإن المستهلك ليس أمامه إلا المنتجات المعروضة في الأسواق التقليدية، ويتعذر علية البحث في أسواق أخرى لعدم توفر المعلومات لديه عن الأسواق الأخرى وكذلك لارتفاع تكاليف البحث والحصول على المنتج.

ج- انخفاض الأسعار وسرعة الحصول على المنتج: في ظل تعدد وتنوع المنتجات في المواقع التجارية الإلكترونية فإن المستهلك سوف يبحث عن المنتج الأقل سعرا والأفضل جودة، وذلك من خلال مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات بسهولة وسرعة فائقة مما يمكن المستهلك في نهاية الأمر اختيار أفضل العروض. في حين أن الأمر أصعب في حالة التجارة التقليدية لأنه يتطلب زيارة كل موقع جغرافي من أجل مقارنة أسعار ونوعيات المنتجات إضافة إلى ذلك، فإن أسعار المنتجات في التجارة الإلكترونية تكون أقل عن مثيلاتها في التجارة التقليدية نتيجة لانخفاض التكاليف الإدارية التي يتحملها المنتجون، وهذا من شأنه خفض أسعار المنتجات المعروضة في المواقع التجارية في الإنترنت . ومن ناحية أخرى، يتميز المستهلك الإلكتروني عبر شبكة الإنترنت بسرعة حصوله على المنتج الذي قام بطلبه وشرائه إلكترونيا، لاسيما إذا كانت منتجات خدمية أو منتجات قابلة للتحويل إلى منتجات رقمية مثل الكتب والأبحاث والمجلات وبرامج الحاسب الآلي والمواد الصوتية والفوتوغرافية وغيرها، حيث يتم الحصول على هذه المنتجات خلال ثوان بعد إتمام عملية الشراء من الموقع. كذلك فإن الحصول على المنتجات غير الرقمية يتم بطريقة أسرع مما لو تم الطلب بالطرق التقليدية، لأن عملية الطلب والمدفوعات وكافة المعلومات المتعلقة بالطلب تتم بطريقة إلكترونية مما يمكن المنتج من إرسال الطلب بسرعة وسهولة إلى المشتري، بينما يستغرق الأمر أسابيع وربما أشهر إذا تم الطلب تقليديا.

د- سرعة وسهولة تبادل المعلومات بين المستهلكين: حيث توفر الإنترنت إمكانية تبادل المعلومات والآراء وتجارب المستهلكين المتعلقة بالمنتجات والخدمات عبر مجتمعات إلكترونية مثل المنتديات وغيرها، الأمر الذي يوفر البيانات والمعلومات لدى المجتمع عن المنتجات الاقتصادية، ويرفع مستوى الثقافة والوعي الاستهلاكي لدى جمهور المستهلكين، في حين أن هذا قد يكون متعذرا أو يتطلب وقتا وجهدا أطول في عالم التجارة التقليدي.

3. الآثار الاقتصادية للتجارة الإلكترونية على المستوى القومي.

يمكن إبراز الفوائد المتحصلة من التجارة الإلكترونية على المستوى القومي في الآتي:

أ- دعم التجارة الخارجية: توفر التجارة الإلكترونية فرص زيادة معدلات الصادرات، وذلك من خلال سهولة الوصول إلى مراكز الاستهلاك الرئيسة، وإمكانية التسوق للسلع والخدمات عالميا وبتكلفة محدودة، والقدرة على سرعة عقد وإنهاء الصفقات التجارية، وكذلك القدرة على تحليل الأسواق والاستجابة لتغير متطلبات المستهلكين . ويظهر أثر التجارة الإلكترونية أكثر وضوحا في تجارة الخدمات بين الدول مما يؤدي بدوره إلى رفع درجة الانفتاح الاقتصادي في هذا المجال، حيث يمثل قطاع الخدمات نسبة مهمة تقدر بنحو 60 % من إجمالي الإنتاج العالمي، وبالرغم من ذلك فإن حجمه لا يتجاوز 20% من التجارة الدولية، وربما يعود ذلك إلى أن أداء كثير من الخدمات يتطلب وسيلة اتصال وكذلك القرب الجغرافي بين المستهلكين والمنتجين. ولكن مع ظهور تقنية المعلومات الحديثة فقد هيأت التجارة الإلكترونية عبر شبكة الإنترنت وسيلة الاتصال المفقودة بين المستهلك والمنتج، وبذلك ساهمت في زوال العقبات الجغرافية لكثير من الخدمات. وقد أثبتت إحدى الدراسات القياسية أن الزيادة في استخدام الإنترنت بمقدار 10% في الدول الأجنبية يؤدي إلى نمو صادرات وواردات الولايات المتحدة الأمريكية بمقدار 1.7%  و 1.1% على التوالي.

ب- دعم التنمية الاقتصادية: تمثل المشروعات المتوسطة والصغيرة محورا أساسا في التنمية الاقتصادية، وتعاني هذه المشروعات من غياب الموارد الاقتصادية اللازمة للوصول إلى الأسواق العالمية. وتعد التجارة الإلكترونية واحدة من الأدوات التي تحقق للمشروعات الصغيرة ومتوسطة الحجم القدرة على المشاركة في حركة التجارة الدولية بفاعلية وكفاءة بما تقدمه من خفض تكاليف التسويق والدعاية والإعلان، وتوفير الوقت والمكان اللازمين لتحقيق المعاملات التجارية. وهذا ينعكس إيجابا على تفعيل نشاطات هذه المشروعات الأمر الذي يدفع عجلة التنمية الاقتصادية . كما يشير أحد الاقتصاديين إلى أن انخفاض تكاليف العمليات التجارية عبر التجارة الإلكترونية فيما بين قطاعات الأعمال يمكن أن يؤدي إلى زيادة دائمة في مستوى الناتج بمتوسط 5 % في اقتصاديات الدول المتقدمة على مدى السنوات العشر القادمة، مما يعني زيادة في نمو الناتج القومي الإجمالي بنسبة 0.25 % في السنة . وتذكر وزارة التجارة الأمريكية أن التجارة الإلكترونية وقطاع تقنية المعلومات كليهما قد أسهما بحوالي 30 % من نمو الناتج المحلى الإجمالي خلال الفترة 1995-1998م.

ج- دعم التوظيف: تقدم التجارة الإلكترونية فرصا جديدة للتوظيف، حيث تتيح إقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية، لا سيما تجارة الخدمات التي توفر فيها التجارة الإلكترونية آلية للأفراد المتخصصين لتقديم خدماتهم على المستوى الإقليمي والعالمي دون الحاجة للانتقال، مما يفتح المجال لهم للانطلاق في الأعمال الحرة . ومن ناحية أخرى، توفر التجارة الإلكترونية فرصا وظيفية في العديد من المجالات المختلفة ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية، مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، و العاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية. بالإضافة إلى توفير الفرص الوظيفية في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات، التي تعتمد عليها التجارة الإلكترونية، من مهندسي الشبكات والبرامج اللازمة لتطبيقات التجارة الإلكترونية وغيرها.

د- دعم القطاعات التكنولوجية: يتيح انتشار التجارة الإلكترونية على المستوى القومي خلق بيئة ومناخ ملائم لظهور قطاعات متخصصة في تقنية المعلومات والاتصالات، وذلك لدعم البنية التحتية الإلكترونية لتطبيقات التجارة عبر شبكة الإنترنت . ومع تطور ونمو التجارة الإلكترونية وانتشار استخدامها في التعاملات التجارية، يصبح هناك فرصا استثمارية لتوجيه رؤوس الأموال للاستثمار في تطوير وتحسين وتحديث البنى التحتية الإلكترونية، والاستثمار في الخدمات المصاحبة لقطاع تقنية المعلومات والاتصالات، الأمر الذي يؤدي إلى خلق أو توطين قطاعات تكنولوجية متقدمة تدعم الاقتصاد القومي.

المصدر: www.drabid.net
  • Currently 193/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
66 تصويتات / 6690 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

25,010