فلسطيني من هذا الزمان
زمجر الرعد في ليلة خريفية قاسية-على غير ميعاد-ودكت الرياح العاتية نوافذ غرفته الغير مقفلة جيدا،فأفاق طفل من هذا الزمان،فلسطيني الدم والعنفوان،شرف بضع ماء من الابريق الليلكي الذي تضعه والدته بجانبه كل ليلة،وغادر النوم مقلتيه دون استئذان-على غير عادة،أو كما يبدو انها العادة الجديدة التي أحضرها له اكتوبر بجعبته.
الساعة تشير الى الواحدة و النصف بعد منتصف الليل بتوقيت القدس المحتلة،فقرر تصفح الفيسبوك حتى يعود النعاس في ضيافته، واذ به يفاجئ بخبر شهيد طفل والمعلومات الأولية تشيرالى أنه تلحمي المنشأ يافاوي الأصل ولكن لم يعلن عن اسمه بعد.
تنهد الصبي وسرح قليلا بظروف الشهيد وأهله ورفاقه وما سيحصل بجثمان الشهيد المحتجز كما توضح الاخبار،ليعود بعد دقائق باحثا عن المستجدات وبيانات الشهيد،فيصدم بمنشور من احد اصدقائه يترحم فيه على شهيد ما،ينزل بالسهم على شاشة الحاسوب المحمول،ليجد صورة أحد أصدقائه و تعلوها كلمة،لم يقدر على قرائتها اولم يفهمها أو لربما نسي القراءة ومن الممكن أنه لم يتعلم الابجدية بعد...ما هذه الكلمة؟
ا س ت ش ه ا د
حدق بالصورة مرة اخرى،انه هو،نعم هو،،صديق طفولتي التي تشارف على الانتهاء بعد العام ونصف العام ،ماذا حدث له يا سادة؟شهيد؟!!!
كمجنون بعثر كل سريره بحثا عن الهاتف النقال،مهلا انه بجانب الابريق الليلكي ولكنه لم ينتبه لوجوده...
لا بد وأن رقمه في المكالمات التي لم يرد عليها لانشغاله بالدراسة،انه ورد العمري،طلب رقم صديقه ورد
رنة...دقة...رنة...تنهيدة...رنة... وشخص ما يرد
_عمو أين صديقي ورد؟
فيرد الصوت الذي لم يفارق عقل الطفل طيلة الأيام التالية ليقول:
_لقد استشهد يا بني
اذن هذه هي الحقيقة،أطلق الطفل اه بملأ الكون،هزت عروش حكام العالم ولم تهتز قلوبهم،اه بغصة عجوز مفارق بلا خليل يؤنسه و ابنائه لا يبعدون عن حجرته سوى امتار،اه بوجع قلب ام حزين على فراق وحيدها بعد عشرة سنوات من معاناة عدم الانجاب،بألم أب يحبس دمعه ليخفي اثار نكبته لأن في عقيدة رجولته البكاء حرام،بحجم شوق ونقمة وغضب و ندم الطفل الان لأنه لم يرد على مكالمة صديقه .
بقي على حاله لأسبوع بأكلمه،تارة يراجع المحادثات المشتركة على هاتفه ،وتارة يتصفح صفحة صديقه على الفيسبوك غير مصدقا فراقه،ومنشورات المباركين بالشهادة تعج صفحته.
لوهلة عقله الباطني رفض التصديق ففتح على المحادثة بينه و بين صديقه الشهيد الذي سأله قبل ساعتين،أين انت يا صديقي"اشتقتلك يا زلما تعال عندي"ليرد عليه باكيا:"انا كمان اشتقتلك يا صاحبي,الله يرحمك يا غالي و يرحم ايامنا الحلوة،أنا جاي لعندك كمان ساعة!"
غادر البيت جارا جسده الحزين مودعا امه التي قبلته على غير عادتها،وطلبت منه عدم التأخر عن البيت لأن الجو خطر ليلا"اليهود مش مصليين على النبي يما"وهو لم يرد -على غير عادته- ولكنه ابتسم بسمة وحيدة ونظر نظرة بقيت في عقل والدته لايام طويلة فيما بعد،و رحل...