التزوير
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم:
إن الجريمة ظاهرة اجتماعية شغلت الفلاسفة وعلماء الاجتماع و النفس وفقهاء القانون الجنائي على حد السواء على مر العصور فأولو دراستها اهتماما متزايدا لاستخلاص القوانين و النظم التي تحقق العدالة وتنشر الأمن و الاطمئنان .
ولهذا تعتبر جريمة التزوير في المحررات من أهم الموضوعات في قانون العقوبات لأنها من أخطر الجرائم التي تخل بالثقة الواجب توافرها في هذه المحررات ومن ناحية أخرى فإن جريمة التزوير تعتبر من الجرائم الحديثة إذا ما قورنت مع جريمة السرقة و القتل لأنها نشأت وتطورت مع نشوء وتطور الكتابة ونظام التوثيق وبروز المحررات بنوعيها الرسمية و العرفية ، الأمر الذي استدعى وضع قواعد ونصوص قانونية رادعة من أجل حماية هذه الوثائق من العبث في مضمونها و المحافظة على مصداقيتها وسلامة تداولها وبعث الثقة في محتواها ومضمونها .
وما تجدر الإشارة إليه هو أن من أسباب انتشار هذه الجريمة هي الجهل بالقانون وتعمد الجناة التعدي على حقوق الأفراد و المجتمع ، فلم يعد كل الذين يرتكبون جرائم التزوير من الجناة المدركين بكون أفعالهم تمثل جرائم ، إضافة إلى التساهل في تحرير الأوراق و المستندات ثم الإهمال في مراعاة شروط تحرير المحررات بنوعيها العرفية و الرسمية سواء من جانب المجني عليهم أو من جانب الجناة .
التعريف بالتزوير :
أورد الفقهاء، عدة تعار يف حاولوا فيها تحديد معنى التزوير المعاقب عليه وبيان ماهيته وإحاطته بحدود تمنع دخول ما ليس منه أو خروج ما هو منه، وأشهر هذه التعاريف هو التعريف الذي وضعه الأستاذ: جارسون بقوله:" التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة في محرر بقصد الغش بإحدى الطرق التي عينها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا .
كما عرف التزوير أيضا أنه " محاولة لطمس الحقيقة أيا كانت وسيلته سوء بالقول أو بالكتابة بغية تغيير الحقيقة والغش في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها القانون والتي من شانها أن تسبب ضررا مقترنا بنية استعمال المحرر المزور فيما أعد له .
"التزوير هو تغيير الحقيقة في بيان جوهري في محرر بإحدى الطرق التي نص عليها النظام تغيراً من شأنه أن يحدث ضرراً بالغير مع نية استعمال المحرر فيما زور من أجله"
وعرفة القانون الفرنسي (441-1) يشكل تزويرا كل تغيير احتيالي للحقيقة من شأنه إحداث ضرر وينجز بأية وسيلة كانت ،وينصب على محرر آو على أية دعامة للتعبير عن الأفكار يكون موضوعها آو يكون من أثارها إقامة الدليل على حق آو على واقعة ذات نتائج قانونية.
والتزوير المادي هو يمثل كل تغيير للحقيقة في محرر، رسميا كان أم عرفياً، بطريقة مادية تترك أثراً يدركه الحس ويمكن مشاهدته بالعين المجردة للشخص العادي أو الفني المتخصص سواء كان ذلك التغيير بالزيادة أو بالحذف أو بالتعديل أو باصطناع محرر لا وجود له في الأصل والحقيقة
أما التزوير معنوي وفيه يقتصر تغيير الحقيقة في المحرر علي جعل واقعة مزورة في صورة واقعة حقيقية أي أن تغيير الحقيقة يقع في معني المحرر ومضمونه وظروفه، لا في مادته أو شكله، فلا يترك أثرا ماديا يدل عليه تدركه العين، وهو بذلك متعلق في معني المكتوب ولا علاقة له بالخط أو وضع أو أي من الأمور الخارجية التي تراها العين وتنكشف بها حقيقته.
وبالتالي هو يتضمن تشويه موضوع المستند وليس على تحريف الشكل أو الظاهر للمحرر.
شروط التزوير :
الشروط المفترضة في جريمة التزوير:
أ- أن يقع تغيير الحقيقة في محرر.
ب- أن يقع التغيير على بيان جوهري.
أولا: شرط المحرر:
يجب أن يقع التزوير في محرر،والمحرر لا يعدو أن يكون إلا "كل مسطور أو مكتوب يتضمن كلمات وأرقام نتقل به الفكر من شخص للأخر ويترتب عليها أثر قانوني".
فلا يصح أن يكون المحرر مكوناً من أرقام فقط، كما هو الحال بالنسبة لعدادات حساب الاستهلاك مثل عدادات الكهرباء أو المياه أو السيارات، وكذا أرقام شاسيهات السيارات.
ولا يعد من قبيل المحررات النقود أو الأختام أو العلامات التجارية أو الماركات أو شرائط الكاسيت أو شرائط الفيديو...، فهي ليست محررات ولا تسري عليها أحكام التزوير، ولكن تغيير الحقيقة فيما يكتب عليها من بيانات يمكن أن تسري عليها أحكام حق المؤلف. ولا تعتبر الكتب والمؤلفات محررات، وبالتالي فإن من يغير اسم صاحب المؤلف ويكتب اسمه مكانه لا يرتكب جريمة التزوير بل يخالف حق المؤلف الذي تعاقب عليه بعض الأنظمة.
وإذا وقع التزوير على محرر فلا يهم، بقاء المحرر موجوداً، أو لغته أو نوع الكتابة عليه، أو طبيعته، أو الدعامة التي تحمله.
وتجدر الإشارة أنه يعتبر المساس بالصور الشمسية على المحررات الرسمية وغير الرسمية بأي طريقة جريمة تزوير.
ثانيا: شرط البيان الجوهري
يجب أن يكون تغيير الحقيقة في المحرر قد وقع على بيان جوهري من بياناته، ويعتبر البيان جوهرياً في حالة توافر أي من المعايير الثلاثة التالية:
1- معيار الإثبات: إذا كان المحرر معداً لإثبات بيان معين، فإن هذا البيان يعتبر جوهريا؛ فجواز السفر معد لإثبات الاسم والجنسية والسن، وكذلك بطاقة الأحوال. وشهادة الميلاد معدة لإثبات واقعة الميلاد والتسمي باسم معين من أب وأم معينين في مكان معين وفي تاريخ معين. وشهادة الجنسية كذلك معدة لإثبات اسم معين له جنسية معينة. وشهادة الراتب معدة لإثبات أن شخصاً معينا يتقاضى راتباً معيناً من جهة معينة وليست معدة لإثبات الجنسية.
2- توليد عقيدة مخالفة: إذا كان البيان الوارد في المحرر من شأنه أن يولد عقيدة مخالفة للواقع عند من يطلع عليه، فإنه يعتبر جوهرياً. فمن يطلع على وثيقة زواج يتولد لديه اعتقاد أن اسم رجل معين متزوج من امرأة معينة في تاريخ معين، ويصدق أن المرِأة خالية من الموانع الشرعية. فإذا اتضح أن المرأة لا تزال في عصمة رجل آخر أو أنها كانت مطلقة في عدة زوجها ولم تنقض تلك العدة، فإن العقد يعتبر مزوراً. أما بيان أن الزوجة "بكر" فإن المطلع على عقد الزواج لا يصدق بالضرورة أنها بكر، لأن الشخص العادي لا يصدق بالضرورة مثل هذا البيان في العقد. لذلك فإن هذا البيان ثانوي. كذلك فإن البيان الخاص بمهنة الزوج والمدون في وثيقة الزواج ليس إلا بياناً ثانوياً لا يقع بالكذب فيه جريمة التزوير.
3- معيار الأثر القانوني: إذا كان النظام يرتب أثراً معيناً على بيان معين، فإن هذا البيان يعد جوهرياً. ففي وثيقة الزواج يعتبر البيان الخاص بمؤخر الصداق مولداً للأثر قانوني مؤداه التزام معين على الزوج، وحقوق معينة للزوجة، وبالتالي فهو بيان جوهري يقع بتغيير الحقيقة فيه جريمة التزوير، كما لو اتفق الزوج والولي على أن يكون مؤخر الصداق مبلغاً معيناً، غير أن الولي اتفق مع المأذون على كتابة مبلغ أكبر مما اتفق عليه.
أركان التزوير:
أولا.. الركن المادي في جريمة التزوير
يتكون الركن المادي لجريمة التزوير من نشاط إجرامي، مؤداه تغيير الحقيقة، على أن يقع هذا النشاط بطرق معينه، مرتباً لنتيجة معينه هي احتمالية الإضرار بالغير.
(1) : تغيير الحقيقة:
لما كان جوهر التزوير هو الكذب، فإنه لا يتصور وقوع جريمة التزوير بدون تغيير الحقيقة. فإذا لم يقع تغيير في الحقيقة فلا تزوير ولو كان الفاعل يظن أن ما أثبته مغاير للحقيقة. كمن يصحح اسم ورد خطأً في المحرر، أو يساعد مريضاً على إمضاء وصيته ممسكاً بيده. والراجح أنه لا تزوير إذا حصل تغيير الحقيقة من صاحب الحق في التغيير. كالمدين الذي يغير في محتوى سند الدين قبل تسليمه للدائن. وهنا يثور التساؤل عن حكم الصورية في العقود وتغيير الحقيقة في الإقرارات الفردية.
(أ)- حكم الصورية في العقود:
يقصد بالصورية تغيير الحقيقة في محرر باتفاق أطرافه. والأصل أن الصورية لا تعتبر تزويراً سواء كانت صورية مطلقة أو نسبية. ما لم يترتب على تلك الصورية مساس بحق مقرر للغير. من ذلك أن يكتب أب لابنته عقداً ببيع أملاك له مع أنها لم تدفع الثمن، وهو بذلك يقصد حرمان أخيه من الميراث لأنه لم ينجب ابناً. ومن ذلك أيضا أن يكتب الطرفان في عقد بيع ثمن للعقار يزيد عن ثمنه الحقيقي حتى يمنعا الجار من المطالبة بالشفعة. أو أن الطرفان الثمن في العقد بغية التهرب من الرسوم المستحقة للدولة عند توثيق العقد.
(ب)- حكم الكذب في الإقرارات الفردية:
يقصد بالإقرارات الفردية كل ما يصدر عن الشخص من جانب واحد فيما يتعلق بمركزه الشخصي (مهنته – حالته العائلية – مكاسبه المادية...الخ). كمن يتقدم بطلب إلى الجامعة يثبت فيه - على غير الحقيقة - أن ظروفه المادية صعبة بغية الحصول على معونة. أو التاجر الذي يقدم إقراراً ضريبياً يثبت فيه مبلغاً يقل عما حققه من أرباح، أو من يتقدم ببيان إلى الجمارك ذاكراً فيه قيمة أقل لبضائعه المستوردة.
والأصل أن الكذب في الإقرارات الفردية لا يعتبر تزويراً لأن الإقرار الفردي مازال خاضعاً للتدقيق والفحص والمراجعة.
غير أن الكذب في الإقرارات الفردية يسري عليه وصف التزوير في الحالات التالية:
أ- إذا كان مركز المقرر أقرب لمركز الشاهد (كالإقرار في وثائق الزواج والطلاق ودفاتر المواليد والوفيات).
ب- انتحال شخصية الغير في الإقرار الفردي.
(2) : طرق التزوير
يجب أن يتم التزوير بإحدى الطرق التي نص عليها النظام؛ وهذه الطرق إما أن تكون مادية وإما أن تكون معنوية. وهكذا يمكن التحدث عن التزوير المادي والتزوير المعنوي.
التزوير المادي:
يقصد بالتزوير المادي ذلك التزوير الذي يقع بوسيلة مادية ويترك أثراً ملموساً على المحرر. وقد يرد عن إنشاء المحرر أو بعد إنشائه. ونصت على طرق التزوير المادي المادة216 عقوبات من نظام مكافحة التزوير.
أما طرق التزوير المادي فهي:
أ- وضع إمضاءات أو أختام أو بصمات مزورة او بصمة صحيحة.
ب- تغيير أو تحريف المحررات أو الإمضاءات أو الأختام.
ت- وضع أسماء غير صحيحة أو غير حقيقية.
ث- الاصطناع.
ج- التقليد.
ح- إتلاف المحرر.
خ- الحصول بالمباغت هاو الغش على إمضاء آو ختم آو بصمة لشخص دون أن يعلم بمحتوى المحرر آو دون رضاء
د- انتحال الشخصية آو استبدالها في محرر اعد لاثباتة
ه- تحريف الحقيقة في محرر حال تحريره فيما اعد لأثباته
- التزوير المعنوي:
التزوير المعنوي هو تغيير المحرر بطريقة لا تترك أثراً ملموساً على المحرر، ولا يتم إلا عند إنشاء المحرر.
وطرق التزوير المعنوي هي:
أ- تغيير إقرارات أولى الشأن.
ب- إثبات أمور كاذبة على أنها صحيحة أو معترف بها.
ت- إساءة التوقيع على بياض.
(3) : أن يكون من شأن تغيير الحقيقة الإضرار بالغير:
الضرر هو كل مساس بحق أو مصلحة يحميها القانون. ويترتب على انتفاء الضرر من تغيير الحقيقة الذي وقع في المحرر عدم وقوع جريمة التزوير. ولا يشترط أن يقع ضرر فعلي بل يكفي مجرد احتمالية وقوع الضرر. فمن قدم شيك مزور للمحكمة وكشف الخبير أنه مزور ورفضت الدعوى، يرتكب جريمة تزوير لأنه كان من المحتمل أن تقبل المحكمة الشيك وتحكم به على المدعى عليه.
وبالتالي إذا لم يكن الضرر محتملاً فإنه لا تقع جريمة التزوير، ويترتب على أنه:
- لا تزوير إذا كان الكذب في المحرر مفضوحاً لا ينخدع به أحد.
- لا تزوير في حالة إذا لم يكن لدى الجاني نية استعمال المحرر المزور.
- لا تزوير إذا كان الحق الذي اصطنع المحرر لإثباته ثابتاً قطعاً.
- لا تزوير إذا نسب سند الدين لشخص وهمي لا وجود له.
ويستوي أن يكون الضرر مادياً أو أدبياً، أو أن يكون عاماً أو خاصاً، أو أن يكون حالاً أو محتملاً.
ثانيا : الركن المعنوي في جريمة التزوير
جريمة التزوير جريمة عمدية يتكون الركن المعنوي فيها من القصد الجنائي. وبالتالي لا يعرف النظام جريمة تزوير غير عمدية تقع بإهمال أو تقصير. وهذا القصد مزدوج في تلك الجريمة، فيلزم توافر القصد العام، إلى جانب توافر القصد الخاص.
ويتشكل القصد الجنائي العام من العلم والإرادة. فيلزم أن يعلم الجاني أنه يقوم بتغيير الحقيقة. وعلى المحكمة أن تتثبت من العلم اليقيني لدى الجاني بذلك. كما يجب أن يعلم الجاني أن من شأن هذا التغيير أن يرتب ضرراً للغير، ولا يشترط هنا العلم اليقيني، بل يكفي أن يكون في وسع الجاني أن يعلم ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن العلم بأن التغيير في الحقيقة قد وقع في محرر، وأن التغيير قد وقع بإحدى الطرق المنصوص عليها نظاماً ليس إلا علم مفترض، لأنه علم بالقانون، الذي لا يقبل إثبات العكس.
وبالإضافة إلى القصد الجنائي العام يلزم توافر قصد جنائي خاص وهو نية الجاني في استعمال المحرر المزور فيما زور من أجله. فإذا كانت نية الفاعل من تزوير المحرر هي استعراض مهارته في التزوير فإن جريمة التزوير لا تتوافر . وليس من عناصر القصد الجنائي الخاص أن يتوافر لدى الجاني نية الإضرار بالغير. وإذا تحقق القصد الجنائي بعنصرية السابقين فلا عبرة بالبواعث على التزوير.
ساحة النقاش