مشكلات تربوية وحلول إسلامية
من الطبيعي أن نجد الأطفال موفوري النشاط، دائبي الحركة، كثيري الأسئلة، يحبون اللعب، ويتفاعلون مع الأطفال الآخرين المقاربين لهم في العمر، وقد يضيق بعض الناس بهذه الحركة، وبهذا النشاط، ويحلمون بأطفال ساكنين هادئين، لا يصدر منهم صوت، ولا ينتج عن لعبهم خسائر، لكن الحقيقة أنهم بذلك إنما يحلمون بأطفال لديهم مشكلات نفسية، لأن لكل مرحلة من النمو حاجاتها ونشاطها، فإذا كان هناك خلل في هذا النشاط، فلابد من التوقف الفوري، لبحث الدوافع وراء هذا السلوك غير الطبيعي.
*الطفل الانطوائي:
هو ذلك الطفل الذي لا يحب اللعب مع جماعة الأقران، وغالبا ما يعاني هذا الطفل من توترات داخلية. فالتعامل بحدة وعنف وانفعال زائد مع الطفل، وبخاصة هؤلاء الأطفال ذوي النفسية الحساسة، قد يكون السبب في هذا التوتر الذي يعتري نفسية الطفل. ومن صور التعامل الحاد مع الطفل: تعريضه للعقوبة القاسية، كالضرب، أو التحقير. فيسلك الطفل سلوكا عدوانيا عنيفا نحو الآخرين، إذا تم التعامل معه بهذه الطريقة الحادة. أو ينكفئ على نفسه، وينطوي عليها، فتهتز ثقته بنفسه، وتظهر عليه أعراض الخجل المرضي. كما إن مشاعر الغيرة التي قد تعتري الطفل، ولا يحسن الوالدان التعامل معها، قد تكون أيضا سببا قويا لهذا الانطواء. وكذلك كثرة الأوامر والنواهي للطفل الصغير، خاصة تلك التي تتسم بالتعنت، قد تكون سببا أساسيا في هذا التوتر الذي يصيب الطفل.
أما الإشارات الخطرة التي تجعلنا ننتبه إلى أن الطفل يعاني من مشكلة الانطواء فكثيرة. نذكر منها:
ـ التأتأة والتلعثم.
ـ قضم الأظافر، والحركات المتعمدة، كرمش العين، وفرك اليدين، وهز الساقين.
ـ عدم الرغبة في مشاركة الأطفال الآخرين اللعب، وربما الخوف من الاقتراب منهم.
ـ الخجل الشديد عند حضوره مواقف اجتماعية، خاصة الجديدة منها.
*نماذج من الواقع:
طفلة حساسة، لم تبلغ السادسة، كان أبوها يتشاجر كثيرا مع أمها، أمام ناظريها. وعندما تبكي الطفلة يصرخ في وجهها طالبا أن تسكت، ولا يسمع لها صوتا. أصيبت هذه الطفلة بمرض الانطوائية. وأصبح دخولها في مجتمع المدرسة أمرا في غاية الصعوبة. فقد وجدت صعوبة كبيرة في التأقلم مع الأطفال، ومع المعلمة كذلك. حتى أنها كانت تتبول وهي جالسة؛ لأنها تخجل أن تتحدث إلى المعلمة، وتخاف أن يرفض طلبها، أو أن تنهرها المعلمة. ولولا أن المعلمة تنبهت لما تعانيه الطفلة لكانت حلقة جديدة في العنف الموجه ضدها، الذي كاد أن يحطم نفسيتها البريئة.
وعن مشاعر الأطفال الانطوائيين، وأحاسيسهم الداخلية، يحكي أستاذ جامعي متخصص في علم النفس عن طفولته فيقول: إنه كان طفلا هادئا وحساسا. وكان عندما يرى والديه ينتهران أحد إخوته ينكمش هو في نفسه، ويجلس ساكنا، فكان هذا السلوك موضع مدح لوالديه، وفخرهم لهما. فكانا يقولان: "ليس لدينا إلا ولدنا فلان. كل الأطفال يلعبون ويصيحون وهو يجلس هادئا بجوارنا". فكان مدحهما له بذلك يدفعه لمزيد من هذا السلوك الانطوائي، ولكنه في قرارة نفسه يحسد الأطفال الأخرين على لعبهم وشجاعتهم. وأحيانا تستغرقه الخيالات فيتصور نفسه جريئا منطلقا مثلهم.
فالحقيقة أن الوالدين لا يدركان فداحة الضرر النفسي الذي يلحق بالطفل المنطوي. ذلك الضرر الذي يترك علاماته الواضحة على الشخصية في المراحل اللاحقة. ولو نظرنا للتربية الإسلامية، نجد أنها تشبع الحاجات الطبيعية للطفل. ولنتأمل هذا الحديث العظيم: عن عبد الله بن شداد، عن أبيه، قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في إحدى صلاتي العشاء، وهو حامل "حسنا" أو "حسينا"، فتقدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فوضعه، ثمّ كبّر للصلاة، فصلّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها. قال أبى: فرفعت رأسي، وإذا الصبي على ظهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ساجد. فرجعت إلى سجودي، فلما قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الصلاة، قال الناس: يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو إنه يوحى إليك، قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضى حاجته" (رواه النسائي).
فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يسمي لعب الطفل حاجة، أي ضرورة ذات أهمية قصوى، لابد من منحها الوقت المناسب، بل وجعلها على رأس سلم الأولويات. فالنبي يُعلِّم الأمة كيف تنتج ابناء أصحاء نفسيا. أما أبناء القمع والقهر والاستهزاء والرفض فلن يبنوا مجدا، ولن يشيدوا حضارة.
*الأطفال والكذب:
الكذب هو شر الآفات التي تصيب الإنسان. فعن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنه قال: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق، حتى يُكتب عند الله صديقا. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب، حتى يكتب عند الله كذابا" ( متفق عليه). فلا ينبغي أبدا التساهل مع الكذب مهما بدا بسيطا.
ولابد من فهم أسباب الكذب ودوافعه عند الطفل، حتى يمكن علاجها. فكثير من الأطفال يكذبون لأنهم يفتقدون الحنان والاهتمام، ويرغبون في جذب الانتباه إليهم. فلو تنبه المربي لهذا الدافع، وأسبغ مزيدا من الانتباه للطفل، فلن يكون بحاجة إلى الكذب. وغالبا ما يكذب الطفل لأنه لو قال الصدق فسوف يتعرض لعقوبة قاسية؛ فيكذب هربا من العقاب. وهنا لابد من مراجعة فلسفة العقاب. فالعقاب ليس هدفا ولا انتقاما. فلو أدى لمزيد من الانتكاس فلابد من إعادة تقييمه.
وقد يكذب الطفل لأن والديه لا ينتبهان لما يصدر منه من أكاذيب بسيطة، يعتقدون أن الطفل لن يعيرها بالا، كإنكار الوالد وجوده لمن جاء يسأل عنه، فيقول للطفل: قل له "والدي بالخارج"! ونحو ذلك من الأكاذيب الشائعة. فلابد أن يكون المربي نموذجا حيا لما يدعو إليه.
*الأطفال والسرقة:
كم تبدو هذه المشكلة فاجعة تصيب الوالدين، عندما يكتشفان أن طفلهما العزيز يسرق. والحقيقة أن أحدا لن يتصور الشعور المر، والإحساس القوي بالذل وخيبة الأمل، إلا من يعيش أجواء هذه المشكلة.
وهنا ينبغي الاهتمام بالمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل. فالطفل قبل سن الثالثة لا يدرك معنى السرقة، فهو يأخذ الشيء الذي يعجبه، ولا يجهد نفسه في إخفائه أو إنكاره. وبالتالي لا ينبغي أن يأخذنا الهلع عندما نجد أن طفلنا في هذه السن الصغيرة جدا، يأخذ الأشياء التي لا تخصه. علينا أن نُفهم الطفل بطريقة بسيطة "أن هذا الشيء لا يخصه"، وأنه كما لا يحب أن يأخذ أحد أشياءه؛ فعليه ألا يأخذ أشياء الآخرين.
أما الطفل بعد الخامسة يكون قد وصل لمرحلة سنية يستطيع معها فهم وتمييز ما يقوم به من عمل. ولابد من وضع مشكلته في حجمها الصحيح. فلابد أن يفهم الطفل أنَّ هذا العمل غير مسموح به. ولابد من إعادة الشيء، والاعتذار. يتم هذا بحزم، ودون امتهان للطفل.
وينبغي أن نراجع سياستنا التربوية. فإذا كنا نبخل على الطفل، ونشعره بالحرمان، ونعاقبه دائما بإلغاء المصروف، ونحو ذلك، فلابد من التوسعة عليه بعض الشيء. والحقيقة أن غالبية الأولاد الذين يعانون من هذه المشكلة لا يبخل عليهم الوالدان بالأموال، ولكنهم يعانون علاقات جافة مع الوالدين، وعقوبات قاسية، وحياة فقيرة من الناحية العاطفية، وهي ذات الأسباب التي أدت لهذه الثمار المرة من المشكلات التربوية كلها.
ولو أن الوالدين اتبعا منهج التربية الإسلامية, المتجسدة على أرض الواقع في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي كان رحمة للعالمين، ما ظهرت في أفقهم هذه المشكلات.
ولو أن كل وَالدَينِ وقعا في أية مشكلة تربوية، قررا التوقف، والبدء من جديد على هدي منهج الإسلام التربوي، لصلح الحال، وسارت السفينة، حتى ترسو على شاطيء النجاح والفلاح.