فارق كبير بين الشاب العامل والشاب الخامل، وفارق كبير بين الشاب الذي له هدف وبين ذلك الذي يعيش بلا هدف، كما أنه فارق كبير جدا بين من يطلب معالي الأمور ومن لا يرى إلا سفاسفها

وقصص النجاح للشباب الذي ينفع نفسه ودينه، أو وطنه ومجتمعه كثيرة.. كما أن قصص الفشل ربما كانت أكبر وأكثر والفارق في رأيي هو الهمة وتحديد الهدف وبذل الجهد لتحقيقه.
من قصص النجاح التي خلدها التاريخ قصة هيوستن المحامي الأمريكي الذي استطاع بمفرده أن يجعل ولاية تكساس ولاية أمريكية بعد أن كانت تابعة للمكسيك.

ومنها أيضا قصة الشاب الياباني "أوساهيرا" الذي نقل تكنولوجيا محركات الغرب إلى اليابان فاستطاعت بعد أن تنافس الغرب وتغزوه بصناعاتها.. وهي قصة تستحق القراءة لما فيها من عبر واجتهاد وتعب وكد تلاه نجاح فائق غيّر كثيرا من واقع اليابان والعالم.

وقصة أوساهير ذكرها الشيخ محمد إسماعيل المقدم في كتابه علو الهمة نقلا عن مجلة المجتمع عدد 998، وقد ذكرت أيضا في كتاب" الهمة طريق إلى القمة"

يقول أوساهير الذي بعثته حكومته للدراسة في المانيا" :لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الألماني الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت إلى شي، كانت حكومتي أرسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية، وكنت أحلم بأن أتعلم كيف أصنع محركا صغيرا.


كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية، أو مايسمى موديل هو أساس الصناعة كلها، فإذا عرفت كيف تصنعه وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها، وبدلاً من أن يأخذني الأساتذة إلى معمل أو مركز تدريب عملي أخذوا يعطونني كتبا لأقرأها.. وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها ولكنني ظللت أمام المحرك - أيا كانت قوته- وكأنني أقف أمام لغز لا يحل.

وفي ذات يوم، قرأت عن معرض محركات ايطالية الصنع، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين، ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جداً، وذهبت إلى حجرتي، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر إليه، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر ـ وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة أوربا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان!!

وطاف بذهني خاطر يقول: إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى، مغناطيس كحدوة الحصان، وأسلاك، واذرع دافعه وعجلات، وتروس وما إلى ذلك لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها، ثم شغلته فاشتغل، أكون قد خطوة خطوة نحو سر “موديل” الصناعة الأوربية.

وبحثت في رفوف الكتب التي عندي، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات وأخذت ورقاً كثيراً، واتيت بصندوق أدوات العمل، ومضيت أعمل، رسمت المحرك، بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة، رسمتها على الورقة بغاية الدقة وأعطيتها رقما.. وشيئا فشيئاً فككته كله ثم أعدت تركيبه، وشغلته فاشتغل.. كاد قلبي يقف من الفرح، استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبه واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل.

وحملت النبا إلى رئيس بعثتنا، فقال : حسناً ما فعلت، الآن لا بد أن اختبرك، سآتيك بمحرك متعطل، وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة أيام، عرفت أثناءها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة، صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد.!!

بعد ذلك قال رئيس البعثة، والذي كان يتولى قيادتي روحياً قال: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك، ثم تركبها محركاً.. ولكي أستطع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس والألومنيوم بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد مني أساتذتي الألمان، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر المعادن.. كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني من أسرة ساموراي ـ ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شيء.

قضيت في هذه الدراسات والتدريب ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم.. وبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .

وعلم الميكادو الحاكم الياباني بأمري، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت نقودي قد فرغت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته.. وعندما وصلت إلى ”نجازاكي" قيل: إن الميكادو يريد أن يراني!! قلت: لن استحق مقابلته إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً.

استغرق ذلك تسع سنوات.. وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات، ”صنع في اليابان” قطعة قطعة، حملناها إلى القصر ودخل ميكادو وانحنينا نحييه ،وابتسم، وقال: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة، هكذا ملكنا "الموديل" وهو سر قوة الغرب، نقلناها إلى اليابان، نقلنا قوة أوربا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب .

هذه كانت قصة نجاح دولة وليست قصة جهاد طالب أو دارس.. وكم من أبنائنا من يبتعثون إلى نفس تلك البلاد أو غيرها ليتعلموا فيها فلا يكون هم أحدهم ولا همته إلا تحصيل الشهادة ليرجع صاحب لقب دون تأثير حقيقي في حياة أمته.. وفي اعتقادي أن السبب الرئيس هو الهمة والمقصد والنية والجهد.

المصدر: خالد
  • Currently 135/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
43 تصويتات / 286 مشاهدة
نشرت فى 6 يونيو 2010 بواسطة doma10001000

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

1,692