عندما هاجرنا من السويس الى الداخلة بالوادى الجديد كنت قد أنهيت السنة الأولى الابتدائية
كانت الحصيلة التى خرجت بها من هذه السنة هى صفر فى تعلم أى شىء فى مهارات القراءة والكتابة أما فى الوجدانيات فقد كانت النتيجة بالسالب أى بدلا من اكتساب حب التعلم وحب المدرسة والمعلم وزملاء الفصل كرهت ذلك كله للأسف الشديد ومازلت اذكر أول يوم ذهبت فيه الى المدرسة بعد الهجرة فقد أخذنا ناظر المدرسة الأستاذ زارع حسن رحمه الله وجزاه عنا خيرا الى معلمى السنة الثانية ليسلمنا لهم
ومازلت متأثرا الى الآن بأن الأستاذ على خالد الشامى اختارنى من بين زملائى رغم اننا لم تكن بيننا فروق فى الإجابة على اسئلته التى وجهها لنا قبل الاختيار
بعد أن دخلت الفصل حاول الأستاذ معى حتى أكتب حرفا أو أقرا حرفا لكنى لم أكن قد قرأت من قبل ولا كتبت ولانظرت فى كتاب ولا خرجت على سبورة بل كان إخراج التلميذ على السبورة بالنسبة لى أمرا غريبا لم أره ولا أعتبره إلا موقفا متعنتا محرجا من الأستاذ
إلى هذه الدرجة وبهذه الأمية تسلمنى الأستاذ على خالد طيب الله ثراه ولكن ماهى إلا أيام وبدأت أنطق ثم نقلنى من (التختة ) أو الدرج الأخير الى الدرج الثانى فى الفصل
لقد اهتم بى اهتماما خاصا وأخذ يخرجنى كل يوم ويملى علىّ لأكتب فافشل فلم أجد مفرا ولامخرجا من هذا الإحراج الشديد غير سماع توجيهات الأستاذ وعمل الواجب المدرسى الخاص بى كل يوم حتى اعتدت على قراءة درس الغد كل يوم وبالتالى أنطلق فى قراءته أمام الفصل فتنطلق الأكف بالتصفيق تلبية لأمر الأستاذ فتنطلق بلابل التشجيع وطلب المزيد من سرور الأستاذ بتقدمى وثنائه على
ولقد تعلمت من أستاذى هذا الكثير من مبادىء التدريس إحتفظت بها وطبقتها أثناء عملى فى التدريس
أهم هذه المبادىء هو الحب يسبق التعليم فقد وصلت إلى قلبى رسالة حب من قلبه عبر اهتمامه الخاص بى ورفقه بى فى تعليمى ومراعاته لظرفى الخاص فأحببته رحمه الله وهذا الحب هو الذى شجعنى ومهدنى لقبول تعليمه
وتعلمت منه الثواب والتشجيع وبث الثقة فى النفس كوسيلة عظيمة فى التعليم
كان الأستاذ يأمرنا أن نذهب إلى الكتاب لنحفظ القرآن كان الكتاب بجوار بيتهم وكان يصلى العصر فى المسجد ثم يسال علي من حضر منا وفى مرة حصر أسماءنا ثم جاء فى اليوم التالى فنادى أسماءنا فى الفصل فأخرجنا أمام زملائنا ثم أثنى علينا ثم سلمنا جائزة لكل منا جزءا من المصحف الكريم وسط تصفيق حار من زملائنا فى شبه احتفال تكريم اللهم كرمه بإكرامك فكان أول من حببنى فى القرآن اللهم حبب القرآن إلى كل ذريته
ومازلت أذكر أنه كان فى أول كل شهر ينادينى ثم يسلمنى لفافة هى مبلغ مالى يطلب منى توصيله الى والده فى محله القريب من المدرسة ثم يوصينى عدة وصايا فأنطلق مسرورا برفضه لإجابة طلب بعض زملائى أن يقوم هو بهذه المهمة قابضا على المبلغ فى يدى لا أخرجها وهى داخل جيبىى حتى أصل إلى المحل فأجد استقبالا بشوشا من الحاج خالد فأسلمه ثم أعود وقد أنجزت مهمة صعبة ليست هى توصيل المبلغ وإنما النجاح فى إتمام المهمة كما أرادها الأستاذ ثم العودة لكسب ثنائه وسروره وقد نجح هذا العمل البسيط فى تأكيد شعورى بحب أستاذى وبثقته الغالية
ومازلت اذكر مشهد أستاذى الأنيق جدا وهو يخلع حذاءه وبعض ملابسه ليتوضأ أمامنا معلما لنا ثم يقف بجوارنا حتى يتقدم كل منا ليتوضا وهو يصحح له حتى توضأنا جميعًا . نعم أ ذكر هذا المشهد فى كل مناسبة يستجاب فيها الدعاء فأدعو لمن رفع الحواجز بيننا وبين الوضوء والصلاة اللهم لاتجعل بينه هوبين الجنة حاجزا وقد حببنا فى العبادة اللهم ارزق ذريته حبها وقد بدانا فعليا فى المواظبة على صلاة الظهر فى المسجد حيث كان ناظر المدرسة يهتم بهذا الأمر ويأتى ليؤمنا فى الصلاة أو يرسل معلما يؤمنا بعد أن نؤذن نحن التلاميذ للصلاة
وفى يوم قال لى أخى الأكبر تعال أكتب لك هذا الموضوع من كتاب التربية الدينية لتقرأه فى الإذاعة المدرسية فكتبه لى ثم جربت أمامه قراءته كأننى أمام التلاميذ فى طابور الصباح فلما ذهبت به إلى أستاذى إذا به يفرح بذلك جدا ثم أخذ المقال وقام بتشكيله ثم أمرنى أن أقرأه أمام الفصل أولا لأتدرب على الإلقاء وهو يصحح لى وكان الموضوع بعنوان : " كلنا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلما قرأته بطلاقة نتيجة كثرة التدريب رأيت ناظر المدرسة يصفق بنفسه بحرارة شديدة ثم توجه لى وشكرنى على اختيار الموضوع وكان هذا اليوم مشهوداٍ بالنسبى لى فى هذا السن وبعدها أصبحت ضيفا دائما على الإذاعة المدرسية ومن ثم أمكن أن أتعلم الخطابة بسهولة وأنا فى الجامعة فأدعو الله تعالى أن يجعل كل خطبة لى فى ميزان حسنات كل الذين علمونى وأولهم أخى وأستاذى
وقد كان لأستاذى فضل كبير فى حب اللغة العربية فهو الذى أقام لساننا ـ أنا وزملائى ـ فى نطق اللغة فقد كان حريصا على أن نقرأ نحن جميعا بالدور فى حصة القراءة وهو يصحح لنا جزاه الله خيرا وهذه القراءة وتصحيح النطق والتشكيل هو الذى ربى حس الأذن ففيما بعد كنت إذا أردت إعراب كلمة قرأتها فيقرأها لسانى بتشكيلها ثم أبحث فى سبب الحركة التى نطقتها بها وغالبا ما أصل إلى إعرابها لأن لسانى قد تعود على التشكيل قبل الإعراب بل قبل دراسة النحو وكان لهذه الحصة ـ حصة القراءة ـ فضل التحبيب فى اللغة العربية وتربية التذوق الجميل للغة الأمر الذى مهد لدراسة اللغة وحبها
وكما مهدنا رحمه الله لدراسة اللغة مهدنا لدراسة الرياضة فقد حفّظنا جدول الضرب بإتقان وكيف لانحفظ ونحن نُسمّع جدول الضرب يوميا وعلينا أن نكون مستعدين دائما لأى أسئلة عشوائية فى جدول الضرب فى أى وقت ؟
وقد صنع الأستاذ على خالد بيننا وبين التدخين حاجزا فكثيرا ما حذرنا من التدخين ونبهنا الى مخاطره
رحم الله أستاذى فقد نقلنى من الجهل الى التعلم والأعظم من ذلك نقلنى من كراهية التعلم والمدرسة والمعلم إلى حب ذلك كله
ساحة النقاش