وردت خطبة الوداع بأكثر من رواية
رواية الإمام مسلم في صحيحه
« أيها الناس
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث كان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟» قالوا: "نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت"، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: «اللهم أشهد، اللهم أشهد» ثلاث مرات (رواه مسلم [1218] وأبو داود [1905] وابن ماجه [3074] والدارمي 1850
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رواية ابن اسحاق في كتاب سيرة ابن هشام
قال ابن هشام: قال ابن إسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجه ، فأرى الناس مناسكهم ، وأعلمهم سنن حجهم ، وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا ؛ أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رءوس أموالكم ، لا تظلمون ولا تظلمون . قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله ، وأن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ، وكان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية .
أما بعد أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضي به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم ،
أيها الناس : إن النسيء زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا ، يحلونه عاما ويحرمونه عاما ، ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما أحل الله ،
وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متوالية ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان .
أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقا ، ولهن عليكم حقا ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف
واستوصوا بالنساء خيرا ،
فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ،
واستحللتم فروجهن بكلمات الله ،
فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ،
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا ، أمرا بينا ، كتاب الله وسنة نبيه .
أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه ،
تعلمُنَّ أن كل مسلم أخ للمسلم ،
وأن المسلمين إخوة ،
فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ؛
اللهم هل بلغت ؟
فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد
شرح المعاني
قوله صلى الله عليه وسلم : "كل أمر من أمور الجاهلية موضوع" : كلّ ما أحدثه أهل الجاهلية قبل الإسلام من شرائعٍ، وعباداتٍ، باطلةٌ مردودةٌ، ولا يُعمل بها، حتى مسائل الدماء، والقتل التي حدثت في الجاهليه متروكةٌ لا قصاص فيها، ولا ديةُ، ولا كفارةُ
« قال ابن عثيمين وقوله (ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع يعني موضوع تحت القدم وهذا كناية عن إبطاله وإهانته لأن الناس جرت العادة أن الشيء المكرم يقال على الرأس والمهان يقال تحت القدم.
والمعنى أنها باطلة مهينة لا عبرة بها. وهذا عام في جميع أمور الجاهلية كلطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية وغير ذلك. وعلى هذا فيكون كل أمور الجاهلية قد محيت بهذا الحديث ولا اعتماد عليها ولا رجوع إليها.
»
وقوله :"وربا الجاهلية موضوع، وإن أول ربا أضع ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله"
كل ربا الجاهلية موضوع أبطله النبي صلى الله عليه وسلم وأول ما أبطل من الربا ربا أقاربه ربا عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه وكان غنياً يرابي فوضع النبي صلى الله عليه وسلم
رباه كله،
وهذا تحقيق لقوله تعالى)
وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ))
قوله صلى الله عليه وسلم : "وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ـ وكان مسترضعا في بني ليث ـ فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية" أي أنّ أول دمٍ تركه من دماء أقربائه، دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، الذي كان قُتل في سن الطفولة، حيث كانت مرضعته من بني سعد، وقد حصلت حرب بين بني سعد، وقبيلة هذيل في ذلك الوقت، فأُصيب بحجرٍ من حجارة هذيل فقتل،
قد بدأ بمن هم من أقربائه؛ حيث وضع دم ابن ربيعة؛ أي ترك القصاص لما كان من قتلٍ في الجاهلية
«فاتقوا الله في النساء» وقوله
أي لا تظلموهن ولا تقصروا في حقوقهن ولا تعتدوا عليهن
: «فإنكم أخذتموهن بأمان الله» وقوله
الخيانة أي أمانة عندكم لا يجوز الغدر فيها ولا
«واستحللتم فروجهن بكلمة الله» وقوله
كقوله تعالى( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْمَامَلَكَت أَيمَانُهُم)
فهذه من كلمات الله التي استحل بها الرجلُ فرجَ امرأته
وقوله "وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض" قال ابن باز : المعنى: إلغاء ما أحدثته الجاهلية في تغيير الشهور.
<!--
<!--
ساحة النقاش