كثيرا مايقف كل منا موقف المشير الذي يقدم المساعدة بالرأي لأولاده أوتلاميذه أو مدعويه أو غيرهم
كما يلجأ الناس الى من يثقون فيهم لاستشارتهم خصوصا كبار السن الذين يملكون خبرات في الحياة يمكن الاستفادة منها لذا من الضروري أن ينتبه كل منا الى عوامل نجاح مشورته وعوامل فشلها وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم مواقف يستفيد منها كل مشير أو مستنصَح
عوامل نجاح المشورة الفردية
ـ الاخلاص في النصيحة والتجرد لله فيها واليقين في أن الله تعالى مطلع على قلبك وأن هذه أمانة في عنقك وهي علامة على تدينك لله (الدين النصيحة قلنا لمن يارسول الله؟ قال لله ولكتابه .. ....)الحديث وهي حق لأخيك عليك (حق المسلم على المسلم خمس ..)الحديث
ـ صدق النصيحة بحيث تنبع من قلب يحب الخير لأخيه كما يحب لنفسه ولايرضى له مالايرضاه لنفسه
والصدق يترجم بالعمل فبذل الجهد والتعب من أجل الوصول الى الرأي السليم هو ثمرة الصدق والعكس صحيح.. إذا تهاونت في الوصول للرأي أو بخلت به فقد غششت أخاك وخنت أمانتك
ـ ومن الصدق في النصيحة ان يقول فيما لايعلم لاأعلم
ـ ومن الصدق أن تعينه بكل ماتستطيع محتسبا الأجر عند الله( والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه)
ومن الصدق أن يدعو لأخيه بظهر الغيب وأن يحزن لحزنه ويضع نفسه مكانه ليشعر بما يشعر به ويتألم لألمه أو يفرح لفرحه
ـ ومن الصدق أن يتابع الأمر حتى بعد مفارقته له ليطمئن عليه
ومن صدق النصيحة أن لاتجامله وانما تصدقه (اتبع من يبكيك،ولا تتبع من يرضيك ) فلئن يأخذ بيده الى الصواب وان كان يبكيه خير من أن يجامله فيرضيه ثم مايلبت ان تنهال عليه المضار
ـ الإصغاء للمستشير والاستماع له باهتمام حتى يفرغ من حديثه
ـ التفهم التام للمشكلة بحيث لايشعر المستشير برفض الفكرة ولاقبولها وانما فهمها لحين الدخول في مرحلة المساعدة
ـ التقبل الإيجابي لشخصه رغم أخطائه وعدم إهانته او احتقاره وهذا يساعد على الثقة والكلام وقبول التغيير المطلوب الذي سينتج عن جلسة المشورة كما يساعد على تخفيف حدة التوتر
ـ تكوين علاقة ألفة بين المشير والمستشيرلتساعده على الاطمئنان والثقة وبالتالي الكلام وتقبل الدور المطلوب منه لحل المشكلة
ـ الاحترام للمستشير كانسان وارد منه الخطأ ككل انسان مهما كان عظم ماارتكبه
ـ معرفة وتحديد نوع المساعدة والمشير لاينوب عن المستشير في الحل ولايقدم له الحل جاهزا وانما يساعده على التفكير السليم في الحل وعلى اكتشاف نقاط القوة التي لم يكتشفها في نفسه الى أن يصل الى الحل بنفسه بعد مساعدته بالأفكار والمعلومات
ـ زيادة فرصة النمو والتقدم في الشخصية فالمشورة قد تكون فرصة تربوية يتطور بها المستشير بما تلقاه من مساعدة بالرأي
ـ فهم المشاعر والاستجابة لها سواء المشاعر الظاهرة أوغير الظاهرة للمستشير فكبت المشاعر يمثل عائقا أمام رؤية الانسان للصواب ومايريد فغالبا مايكون صاحب المشكلة غاضبا أو حزينا أو قلقا متوترا أو كارها لأحد وهكذا فهذه مشاعر من الطبيعي أن تنتابه في مثل هذه المشكلة والمقصود بالاستجابة لها أن يشعر المستشير أن المشير انتبه لمشاعره واستطاع ترجمتها وعبر له عن ذلك ولو بكلمات مثل الله يعينك ... طبعا وده ضايقك كده ... زعلتني ..ده انت استحملت كتير ...
هذا السماح للتعبير عن المشاعر ثم تفهمها ثم الاستجابة لها قد يكتفي به المستشير ولايطلب مساعدة أكثر من ذلك وقد يقول : أنا كده خلاص استريحت
العلاقة المجدية للمشورة تنشأ في اللحظة التي يتم فيها الاتصال بين المشير والمستشير نتيجة تفاعل أفكار ومشاعركل منهما
ـ تفهم السلوك المصاحب للمشكلة فقد يكون المستشير هائجا أو رافضا وجود غيره في المقابلة مثلا أو متضجرا فيجب تفهم أن هذه أمور طبيعية وإذا أراد المشير الحد منها فليكن بالأسلوب الذي لايقطع الاتصال بالمستشير ويوقف المشورة (دعوه فان لصاحب الحق مقالا)
اخلاقيات وقيم المشورة
ـ أخلاق التعامل مع الأسرار(حفظ السر وحرمة إفشائه ـ عدم رؤية النفس ـ عدم احتقار الآخرين بانكشافهم ـ التقوى والورع في عدم استغلال المستشير وابتزازه بأي نوع من الابتزاز او الاستغلال
أخطاء قد يقع فيها المشير
عدم الإصغاء ـ التجهم والعبوس ـ الكلمات الجارحة والانتقاد ـ التهديد ـ عدم فهم الاتصال غير اللفظي
أمثلة من مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم
1ـ عن أنس أن رجلا من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله ،
فقال : " أما في بيتك شيء ؟ " ،
فقال : بلى حلس نلبس بعضه ، ونبسط بعضه وقعب نشرب فيه من الماء ،
قال : " ائتني بهما " فأتاه بهما ، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده ، وقال : " من يشتري هذين ؟ " .
قال رجل : أنا آخذهما بدرهم ،
قال : " من يزيد على درهم ؟ " مرتين أو ثلاثا ،
قال رجل : أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه ، فأخذ الدرهمين ، فأعطاهما الأنصاري ، وقال : " اشتر بأحدهما طعاما ، فانبذه إلى أهلك ، واشتر بالآخر قدوما ، فائتني به ، فأتاه به ، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عودا بيده ، ثم قال : " اذهب ، فاحتطب ، وبع ، ولا أرينك خمسة عشر يوما " فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاءه ، وقد أصاب عشرة دراهم ، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة ، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة : لذي فقر مدقع ، أو لذي غرم مفظع ، أو لذي دم موجع " . رواه أبو داود ، وروى ابن ماجه إلى قوله : " يوم القيامة " .
2ـ عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن فتى شابًّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا! فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: ((ادنه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبه لأمك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم))، قال: ((أفتحبه لأختك))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبه لعمتك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم))، قال: ((أفتحبه لخالتك))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصِّن فَرْجَه))، فلم يكن بعد - ذلك الفتى - يلتفت إلى شيء؛ رواه أحمد بإسناد صحيح[1].
3ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له، فهَمَّ به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لصاحب الحق مقالاً، فقال لهم: اشتروا له سِنَّاً (جملاً) فأعطوه إياه، فقالوا: إنا لا نجد إلا سِنّاً هو خير من سِنِّه، قال: فاشتروه فأعطوه إياه فإن من خيركم ـ أو خيركم ـ أحسنكم قضاء) رواه مسلم. ولفظ البخاري: (دعوه، فإن لصاحب الحقِّ مقالًا) وقال المناوي: "(إن لصاحب الحق) أي الدَيْن (مقالا) أي صولة الطلب وقوة الحجة".
وقال النووي: "(إن لصاحب الحق مقالا) فيه: أنه يُحْتمَل من صاحب الدَيْن الكلام المعتاد في المطالبة، وهذا الإغلاظ المذكور محمول على تشدد في المطالبة ونحو ذلك من غير كلام فيه قدح أو غيره مما يقتضي الكفر، ويُحْتمَل أن القائل الذي له الدين كان كافراً من اليهود أو غيرهم، والله أعلم".
ساحة النقاش