مقدمة...
أما بعد
يحبُ المسلمون في كلِ ربيعٍ الأولَ أن يتذكروا الحبيبَ وسيرَته
ويأتي هذا الشهرُ في عامِنا هذا مع دخولِ المدارس
لذا فهذه فرصةٌ نقفُ فيهاوقفاتٍ نتعلمُ مِن سيرتِه صلى الله عليه وسلم ونتلقى رسائل منها
ـ رسائلُ لكلِ معلمٍ ومُربٍ من الآباءِ والأمهاتِ ومُحفظي القرآن وغيرِهم ممن يؤدون رسالةَ التعليمِ والتربية.
ـ رسائلُ للمتعلمين.
ـ رسائلُ للمجتمع.
وبالتأكيد لن نسطيعَ أن نستوعبَ في الخطبةِ كلَّ مواقفِ الرسولِ وأقوالِه كمعلمٍ ومربٍ ونتعلمُ منها ولكننا سنقتصرُ على بعضِ مانحتاجُه هذه الأيام.
ـ أما أولُ هذه الرسائلِ فهي للمُعلمين والمربين..
وأُولى هذه الرسائلِ أننا نحتاجُ الى توفيقٍ من اللهِ تعالى في تربيتِنا وقد قال الله عز وجل لنبيِه الكريم (إِنَّكَ لاتَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْديِ مَن يَشَاءُ) أنزلَ عليه ذلك عندما أحَبَّ عليه الصلاةُ والسلام ُهدايةَ عمِّهِ أبي طالبٍ قبلَ موتِه وجلسَ عندَ رأسِه وهو يَحتضِر وأخذ يقول: ياعماه قُلْ كلمةً أشهدُ لك بها عند اللهِ ولكنَّه مات ولم يقُلْها .
وقد كان أبو طالبٍ حبيياً الى النبيِ مُناصِراً له ولكِنْ للهِ تعالى في هدايةِ خلقِه حِكَمٌ وأسرارٌ وأحكامٌ لايعلمُها إلا هو جَلَّ في عُلاهُ.
فإذا كان هذا مع النبيِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ فكيف بنا نحن ؟
لهذا لابد أن نتَّجِهَ الى اللهِ أولا
ونتضرعُ له ونبكي وننكسِر للهِ ليتفضلَّ علينا بهدايةِ من نُرَبيِهِم
ـ إن التربية أمرٌ شاقٌ عسيرٌ إلا على مَن يَسَّرَ اللهُ عليه لذا قالوا
نَقلُ الجبالِ الرواسي عن مَواضعِها أَخَفُّ مَن نَقلِ نفسٍ حِينَ تنصرِفُ
لذلك دعا ابراهيمُ عليه السلام ربه ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيِمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَتِي)
ومِن دعاءِ عبادِ الرحمنِ (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوِاجَنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِيِنَ اِمَامَاً) ونحن نقرأُ كثيراً (إِيِّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيِن)
ومِن أعظمِ مانستعينُ باللهِ عليهِ تربيةُ أبنائِنا
الرسالةً الثانيةً مِن سيرةِ نبيِّنا المعصومِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ للمعلمن هي تأثيرُ القدوة
لقد كانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ قدوةً ولذلكَ اقتدىَ بهِ أصحابُه
فأيسرُ طريقةٍ للتربيةِ هي القدوة
أيسرُ طريقةٍ لتربيةِ الابنِ على المواظبةِ على الصلاةِ هي مواظبةُ الأبِ على الصلاةِ.. سُئلتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها عنْ رسولِ اللهِ وما يكونُ في بيتِهِ فقالت: يكونُ في مِهنةِ أهلِهِ فإذا سَمِعَ النِداءَ للصلاةِ خرجَ.
أيسرُ طريقةٍ لتربيةِ أبنائِنا على الصدقِ هي أنْ نصدًقَ ولايُجَربَ الابنَ علينا كذِباً
الرسالةُ الثانيةُ هي الصبر
الصبرُ رُكنٌ أساسيٌ في التعليمِ والتربية
فالتربيةُ خصوصاً في هذا الزمانِ جهدٌ متواصِلٌ، ومثابَرةٌ وَتعقِيداتٌ مِن كلِ ناحِيةٍ وماتبنيِهِ الأسرةُ والمدرسةُ في سنةٍ يمكنُ أن يهدمَهُ طرفٌ آخرُ في لحظة!
ـ لقد قالَ اللهُ تعالىَ لنبيهِ الكريمِ (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِيِنَ يَدْعُوُنَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُوُنَ وَجْهَهُ وَلاتَعْدُ عَيِنَاكَ عَنْهُم تَرْيِدُ زِيِنَةَ الْحَيَاة َالدُّنِيَا)
هذا للمصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام وهو من صبر على تربية أصحابه
جاء أعرابيٌ فتبولَ في المسجدِ ورسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم جالسٌ مع أصحابِهِ فقعَلَ الصحابةُ مايمكنُ أن نفعلَه نحن جميعاً.. صاحُوا بالرجلِ وزَجَروه . يبولُ هكذا في بيتِ الله؟
فماذا فعل الرسولُ الحكيمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ؟
قالَ الذي أُوتيَ الصبرَ والحلمَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ذَرُوه ولاتَزْرِمُوا عليهِ بَولتَه وصُبوا على بولِه سَجْلاً مِن ماء .أي دلواً
ولاشيءَ يُمكنُ أن يمنحَنا الصبرَ إلا شيئان: احتسابُ الجَزاءِ عندَ اللهِ قبلَ كلِّ شيءٍ فَالعَنَاءُ الذي يَعيشُه المُربي لايمكنُ لأحدٍ أن يُقدَّرَه ويكافئَ عليه حقَّ التقديرُ ولاالمكافأةُ إلا الكريمِ سبحانه اللهُ تعالى
نسألُ اللهَ أن يجزي كل معلمٍ ومُرَبٍ خيراً وأن يباركَ في تربيتِه
حقيقةً الواحدُ كثيراً ما يرى أبناءَ تشرحُ الصدرَ وتُفرِحُ القلبَ وفيدركُ أن البيتَ تعبَ في التربيةِ فيدعو لِمَنْ تعبَ وربَّى فالابنُ عنوانُ الأسرة
والثاني أن الأبَ يربي في الحقيقةِ ولداً صالحاً يدعو له وهو في قبرِه وكذلك المعلمُ الأمينُ ينفع انساناً أعظمَ نفعٍ في حياتِه فيدعو له طوال حياتِه
الرسالةً الثالثةً الرفق في التعليم
كان غلامٌ صغير يأكل مع سيد الدنيا صلى الله عليه وسلم وبعض اهله في بيته فأخذَتْ يدُه تطيش في الصَحْفة يعني الولدُ لم يتعلمْ آدابَ الأكل ويدُه طايشة هنا وهناك فماذا فعلَ معه المُربي العظيم؟
وقبل أن نذكرَ مافعله النبيُ فلنتذكرْ ماذا يفعلُ كلٌّ مِنا في مثلِ هذه الحالةِ وهو يجد لنفسه عذرا عندما يغضبُ ويزجرُ هذا الولدَ وينهرُه؟
النبيُ بكلِ رفقٍ علَّمه آدابَ الأكلِ فقال: ياغلامُ سَمِّ اللهَ وكُلْ بيمينِك وكُلْ مما يليك.
لأنه طفلٌ لم يتعلمْ شيئاً ثم خالفَه فهو يتصرفُ على قدرِ ما تعلمَ فحقُه أن نعلمَه بغيرِ تعنيفٍ
قال صلى الله عليه وسلم (إنما بُعِثْتُ معلما ولم أُبْعَثْ مُعَنِّفَا)
والرفقُ والصبرُ لايعني أننا لن نحسمَ مع المُترَبي ولن نكونَ معه جادِّين .
لا .. بل يُمكِنُنا أن حتى نعاقبَ إذا لزِمَ الأمرُ لكِن نعاقبُ بوعيٍ
وفهمٍ
وتحديدٍ مُسبَقٍ لهذه العقوبةِ
وكيف،
ومتى،
وأين،
وكم هي؟
لانعاقب لمجرد تفريغ الغيظ .
لانوجد عقوبة لمجرد الغضب.
العقوبة حِكمَتُها إصلاح الابن وتربيته لاشفاء غليل المربي
ولذلك وضعوا للعقوبةِ ضوابطَ ...
عشرةُ ضوابطَ للعقوبةِ.. ضوابطُ قبلَ، وأثناءَ، وبعدَ العقوبة
أما الرسالةُ التي يتعلمُها من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم كلُ المتعلمين فهي احترامُ المعلمِ وتقديرُه
فالمعلمُ يؤدي رسالةً من رسالاتِ ووظائفِ الأنبياءِ وعلى رأسهِم رسولُنا صلى الله عليه وسلم
وبغيرِ احترامِ المعلمِ لايتلقىَ المتعلمُ تعليماً
وعلى الأسرةِ أن تشجعَ أبناءَها وتربيهم على احترامِ المعلمِ
لكن توجدُ هنا مشكلةٌ في الواقعِ وهي المعلمُ الذي لايحترمُ رسالتَه ولايستحقُ أن يكونَ في هذه المَكانة.
يرجعُ الأبنُ أوالبنتُ فتقولُ إنَّ المعلمةَ فعلَتْ كذا وفعلتْ مما يغضبُ اللهَ ويخالف الأخلاقَ
وهنا نحن إنْ خَطَّأَّنا المعلمَ أهدرناه فلم يتعلمْ منه ابنُنا شيئاً
وإنْ خالفْنا الابنَ وصحَّحنا فعلَ المعلم َحفاظا على صورتِه أمامَ تلميذِه تعلمَ منه الخطأَ فماذا نفعلُ مع معلمٍ وضعَ نفسَه في موضعٍ غيرِ محترمٍ من تلاميذِه ووضَعَنا نحن كأسرةٍ في حرجٍ وحيرة؟!
هنا يجبُ أولاً أن نتبينَ من كلامِ الابنِ فليس كلُّ كلامٍ يدعيِه أبناؤنا صحيحاً حتى لانحكم قبل أن نتبين (فَتَبَيَنُوُا أَن تُصِيِبُوا قَوْمَاً بِجَهَالةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىَ مَافَعَلْتُمْ نَادِمِين )
فإذا تبيَّنا فنحن مُضطرون أن نحكمَ على الخطأِ أنهُ خطأٌ ولكنْ يمكنُنا أن نقولَ للابنِ لعلَّ له عذرا في ارتكابِ الخطأِ ونعّلمُ الابنَ أننا نقتدي مِن كلِ أحد الصوابَ وحدَه ولانقلدُ أحداً في الخطأِ
ـ بعضُ أولياءِ الأمورِ ما إنْ يسمعُ من الابنِ حتى يجري على قسمِ الشرطةِ ويحررُ محضرا
فإذا رأى التلاميذُ معلمَهم وهو تقيدُه الشرطة وتأخذُه يعني إذا أُهيِنَ المعلمُ فهل يمكنُ أن يتعلمَ منه التلميذ؟
وبعضُ الآباءِ يذهبُ غاضِباً ومهدداً للمعلمِ والمدرسة: إبني لايضربه أحد ولايُكلمُه أحد بدونِ ما يعرفُ ماذا حدثَ؟ وهل أخطأ الابنُ أم لا؟ وهل كان يستحقُ أم لا؟
كل ذلك يجعلُ الابنَّ ممنوعاً من الاستفادةِ من معلمِه
اللهم الا اذا كان المعلمُ لايصحُّ أن يكون في صفوفِ المعلمين مثلُ هذا الذي يمسكُ بيده رجلَ كرسي يضربُ بها
الرسالةُ الثانيةُ للمتعلمين هي الصبرُ على التعلمِ فلا تعلمَ بلا صبرٍ ومُصابرة قال الامام الشافعي رحمه الله
إصبِر عَلى مُرِّ الجَفَا مِن مُعَلِّمٍ
فَإِن رُسُوب العِلمِ في نَفَراتِهِ
ومن لم يذق مُر العَلُّمِ ساعةً
تجرع ذُل الجهلِ طُول حياتِهِ
ومن فاتهُ التعلِيمُ وقت شبابهِ
فكَبِّر عليه أربعاً لِوفاتِهِ
الخطبة الثانية
أما الرسالةُ الضروريةُ للمجتمعِ فهي احترامُ المعلمِ وتقديرُه ووضعُه في مكانتِه في المجتمع
عن النبيِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قال: «إن اللهَ وملائكتَه وأهلُ السمواتِ والأرضين، حتى النملةُ في جُحرِها، وحتى الحوتُ في البحرِ؛ ليُصلونَ على مُعلِمي الناسِ الخير». صححه الترمذي.
سُئلَ وزيرٌ يابانيٌ عن سرِّ تقدمِ اليابانِ فقال: أعْطينا المعلمَ راتبَ الوزيرِ وحصانةَ رجلِ البرلمان.
فتقديرُ المعلمِ من أهمِ أسبابِ التقدمِ.
وإهداركرامتِه هدفٌ من أهدافِ المتربِصين بالمجتمعاتِ وبالأخلاق والقيم
أيها الاخوة
هذه بعضُ الأمورِ التي اخترناها من سيرةِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم لأننا نحتاجُها في واقعِنا .
رسالةُ النبي للمعلمين والمربين: التوجُهُ الى اللهِ والاستعانةُ بِهِ على التربية ، القدوةُ، والصبرُ، والرفق
وللمتعلمين: الصبرُ، وتقديرُ المعلم
وللمجتمعِ كلِه وضعُ المعلمِ في مكانتِه وتقديرُه
دعاء
<!--
ساحة النقاش