علي الديناري

موقع دعوي يشمل نسمات من القرأن وشروح بعض الأحاديث ومدرسة الدعوةأسرة المسلمة والفكر والقضايا المعاصرة



الحمد لله رب العالمين
 .. الرحمنِ الرحيمِ .. مالكِ يومِ الدين
فاللهم ربنا لك الحمد لأنك أنت الله،
ولك الحمد لأنك أنت رب العالمين،
ولك الحمد لأنك الرحمن الرحيم،
ولك الحمد لأنك مالك يوم الدين،
كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قالَ: اللَّهُمَّ لكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ لكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ ومَن فِيهِنَّ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ والأرْضِ،
ولَكَ الحَمْدُ أنْتَ الحَقُّ ووَعْدُكَ الحَقُّ، ولِقَاؤُكَ حَقٌّ، وقَوْلُكَ حَقٌّ، والجَنَّةُ حَقٌّ، والنَّارُ حَقٌّ، والنَّبِيُّونَ حَقٌّ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَقٌّ، والسَّاعَةُ حَقٌّ،
اللَّهُمَّ لكَ أسْلَمْتُ، وبِكَ آمَنْتُ، وعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وإلَيْكَ أنَبْتُ، وبِكَ خَاصَمْتُ، وإلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لي ما قَدَّمْتُ وما أخَّرْتُ، وما أسْرَرْتُ وما أعْلَنْتُ، أنْتَ المُقَدِّمُ، وأَنْتَ المُؤَخِّرُ، لا إلَهَ إلَّا أنْتَ ) رواه البخاري
وأشهد أن لاإله الا الله وحده لاشريك له ولا نِدَّ له ولاولد له ولانظير له
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أعرَفُ الخلق بربه وأعبدهم له
فاللهم صل وسلم وبارك عليه
 
شرُفَ اللسانُ بذكرِ احمدَ سيدي ..فبذكره تُكفىَ القلوب وتهتدي  
والله أوصى فهيا رددوا ............يارب صل على النبي محمد
أما بعد
موعدُنا اليوم مع قوله تعالى (وَإِيَّاكَ نَستَعِيِن ) وهي الجملة الثانية من قوله (إِيَّاكَ نَعبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِيِنُ) وهي التي قال الله عنها في حديثه القدسي : (فإذا قال العبد إِيَّاكَ نَعبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِيِنُ )  قال الله: (هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل)
ـ (إِيَّاكَ نَعبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِيِنُ ) جُملتان تنبئان عن قصة طويلة أي نحن  ياربَنا نعاهدك بأن ننهض بواجب العبادة لك ، وأن نَتَّصف في كل وقت بواجب العبادة لك سلوكا وبِذُلِّ العبودية لك افتقاراً.
يُعلن عزمه أن يعبد الله بسلوكه أي يقوم بالعبادة كالصلاة والصيام هذا ظاهريا
أما العبودية بالقلب فهي حالٌ من الذل تَصبغ حال الانسان يشعر أنه لايملك شيئا ولاقوة ولاطاقة ولاحركة ولاسَكَنة الا بمعونةٍ من الله
  فلا العبادة وحدها تكفي دون الشعور بهذا الذل،
 ولا العبودية وحدها تكفي دون العبادة الظاهرة.
 
إنها الاستعانة بالله تعالى أي طلب الإعانة منه سبحانه لأن الألف والسين والتاء في اللغة للطلب،
 فإذا قيل :"استعان": فمعناه: طلب الإعانة،
 وإذا قيل: استغاث، أي: طلب الغوث والعون والمساعدة.
هذه الاستعانة عبادة في ذاتها لله تعالى ولذا فالعطف هنا على قوله (إياكَ نعبُد) من نوع عطف الخاص على العام   لمكانته وأهميته لأن الاستعانة جزء أو نوع من العبادة وكان يكفي أن يذكر العبادة وحدها وهي تشمل الاستعانة ولكن القرآن أراد أن يؤكد أهميتها فخصَّها بالذكر
ـ الاستعانة بالله عبادة لأن المستعين بالله مؤمن أولا بقدرة الله وعظمته وبرحمته به وتلبية طلبه وإلا ماكان قد توجه اليه وطلب الاعانة
ثم انه مؤمن ومقر بضعفه هو وفقره واحتياجه الى ربه وهذا الحال من أعظم أحوال العبد التي يتقدم بها وبتعامل بها مع ربه فيستحق الرحمة والعطف عليه
(إِيَّاكَ نَعبُدُ وإيَّاكَ نَستَعِيِنُ)
عندما أقرأها أتذكر
 ـ أولا ضعفي واحتياجي وفقري الى المُعيِن
وثانيا قدرة الله تعالى وقوته وعظمته
والمؤمنُ المستعينُ بالله تعالى واثقٌ من رحمة ربه به ولطفه وإجابة دعوته
فهذه أمور تظهر لنا عندما نقرأ  (وإيَّاكَ نَستَعِيِنُ) (حاجة العبد وضعفه وقدرة الله وغناه ورحمة الله ولطفه) وكل واحدة من هذه الثلاثة عندما نقف عندها يجد المؤمن نفسه يردد كثيرا ولايشبع من المعاني العظيمة التي يتغذى بها قلبه ويشفى
لذا فإن الاستعانةَ بالله شفاء
شفاءٌ من الضعف والانكسار والحزن والهم والانهزام النفسي والذل لغير الله
شفاء من الخوف من غير الله تعالى فالاستعانة بالله توحيد والتوحيد يلغي وينفي كلمة (أنا عبدُ المأمور) لا أنا عبد لله وحده ولاطاعة لمخلوق في معصية الخالق والتوحيد شفاء
 
عندما كلف الله موسى عليه السلام بالرسالة قال هو وهارون (ربنا  إننا نخاف) قال الله تعالى (كَلَّا لاتَخَافَا إِنَنَّي مَعَكُمَا أَسمَعُ وأَرَىَ )
فالاستعانة بالله تزيد إيمان القلب بأن الله معه يسمع ويرى فيزول خوفه ويطمئن
وعندما قال الله لموسى عليه السلام (إِذهَبْ إِلَىَ فِرعَونَ إِنَّهُ طَغَىَ)
طلب موسى الإعانة من ربه (قَالَ رَبِّ اشرَحْ لِي صَدْرِي ) فانشراح الصدر يعين على القيام بالأعمال ( ويَسِرْ لِي أَمْرِي) فتيسير الله يعين على الإنجاز لذلك كان من دعا ءالنبي صلى الله عليه وسلم اذا استصعب أمراً (اللهمَّ لاسَهلَ إلا ماجَعلتَهُ سَهْلاً وأنتَ تَجعلُ الحَزَنَ إنْ شِئتَ سَهلا) ثم قال موسى عليه السلام (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِييَفْقَهُواْ قَوْلِيوَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِيهَارُونَ أَخِياشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* ...) والوزير هنا هو المعاون سُميَ وزيراً لأنه يحمل معه شيئا من الوِز وهو الشيء الثقيل فحتى استعانة موسى بأحد من البشر طلبها من الله أولا.
وكما أن (وَإِيَّاكَ نَستَعِيِنُ ) شفاء من الضعف والعجز والانكسار فهي أيضاً شفاء من الغرور وهذا من عجائب القرآن أن الآية الواحدة تشفي من المرض وضده لأن القرآن خطاب للناس جميعا خطاب للضعيف المستضعَف، وللظالم المستكبر في آن واحد،
 فهذه الآية يقرأها الضعيف العاجز فيشعر بالقوة
 ويقرأها المغرور  فيشعر بالضعف أمام القوي العزيز سبحانه وأنه محتاج اليه فلاحول للانسان حقيقة ولاقوة الا بالله تعالى .
قال ابن تيمية": إياك نعبد تدفع الرياء وإياك نستعين تدفع الكبرياء".
وبالتالي هي حماية من أسباب الفشل فكثير من الفشل يأتي بسبب الغرور والكبرياء.
إذا واجه الانسانُ أمراً اعتمد على ذكائه وقدراته ولم يًرجع الأمر إلى الله ولا يستعين بالله بل يردد: هذه لعبتي وخبرتي وأنا أنا وكما قال قارون(إِنَّمَا أُوُتِيِتُهُ عَلَىَ عِلْمٍ عِندِي)
أما المؤمنُ فهو يرجعُ الى اللهِ أولاً بالاستعانة بالله:
 ـ يصلي ركعتَي قضاءِ حاجة
ـ يصومُ كما قال اللهُ (اسْتَعِيِتُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَابِرِينَ)    
ـ يستخيرُ الله
 ـ يدعو اللهَ تعالى ويطلب الدعاء من والديه
ـ يتصدقُ
ـ يستغفرُ كثيرا
وهذه الاستعانةُ من أقوى أسبابِ التوفيق
لذلك فالاستعانة بالله تُحوِّلُ العبدَ الضعيفَ إلى قويٍ، والعاجزَ إلى قادرٍ، والفقيرَ إلى غنيٍ؛ ولكنْ غِنىً حقيقيٍ،  والمنهزمَ الى منتصر
 وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُك وَاسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلَا تَعْجِزْ"،
وكتب الحسنُ البَصري إلى عمرَ بنِ عبدِ العزيز "لا تَسْتعِنْ بغيرِ اللهِ؛ فيكِلَكَ اللهُ إليه" والمقصود هنا توجُه القلب واعتمادُه وليس الاستعانة الظاهرة بما يقدر عليه
ـ والاستعانة بالله تُحَوِّلُ الأمةَ الضعيفةَ إلى قوية، والمُنهزِمة إلى مُنتصرةٍ،  والمتخلفةَ الى مُتقدِّمة.
وأقربُ مِثالٍ عندما استعانت أمتُنا بالله تعالى فصححَت نفسَها وموقفَها من الدين وأهلِه، وتركت الشبابَ يتدين؛ أنعمَ اللهُ عليها بالانتصار في العاشرِ من رمضان 1393 السادسِ من اكتوبر 1973 بعد الهزيمة السوداء سنة 1967 التي قالوا إنها لم تكن هزيمةً للجيش وحدَه بل كانت هزيمةً للشيوعيةِ والاشتراكيةِ التي كانت سائدةً فلما أفاقَ الناسُ ورجعوا الى المساجدِ أرجعتهمُ الحربُ والتشردُ والدمارُ والذلُ والمهانةُ التي نتَجت عن احتلال سيناء كلِها.
 لما استعانوا باللهِ وبُنيتِ المساجدُ في وحداتِ الجيش، وانتشر علماءُ الأزهرِ على جبهاتِ القتال ِوتمت إعادةً الروحِ ورفعُ المعنويةِ للجنديِّ المصريِّ على أساسِ العقيدةِ نزلَ النصرُ لأن من استعان بالله أعانَه ومن استعانَ بغيرِه واعتمدَ عليه وكَلَه الى ما اعتمدَ عليه.
ـ الاستعانةُ باللهِ توحيدٌ لذلك قال الرسولُ صلى الله عليه وسلم لابنِ عباسٍ (إذَا استعنتَ فاستعِنْ باللهِ)، أي لاتَستعِن إلا بِالله
ـ فالاستعانةُ بغيرِ اللهِ لاتجوزُ في أي أمرٍ غيبيِّ لايقدرُ عليهِ إلا الله
أما الاستعانةُ بالانسانِ  في الأمورِ التي يقدرُ عليها الناسُ فطلبُ العونِ جائزٌ
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(واللهُّ في عَونِ  العبدِ ماكانَ العبدُ في عونِ أخيه)
وحكى القرآن عن ذي القرنين (قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْما) الكهف
لكن الكلامُ على حالِ القلبِ قبلَ الاستعانةِ بأحد من البشر هل هو معتمد على الله أولا والناس سبب يحركه الله ؟ أم هو معتمد بقلبه على الناس؟
فالقلوب بيد الله تعالى وبيده إعطافُها وتحبيبُها في العونِ واعانتُها على التعاون
إن اللهَ تعالى وحده هو القادرُ على الإعانة
 (وَإِيَّاكَّ نَسْتَعِينُ) تفرِّغُ القلبَ من أي شيءٍ يمكن أن يُستعانَ به غيرِ اللهِ فتتجرد الاستعانة بالله وحده، وتطردُ عن القلبِ آفةً كبيرةً وهي انقسامُ الاستعانةِ يعني الاستعانةَ باللهِ وبغيرهِ أيضاً وهذا يُضعفُ الاستعانةَ
 ولذلك لانقولُ توكلتُ على اللهِ وعليكَ، أنا معتمدٌ على اللهِ وعليكَ لأن في ذلك تسويةً بين المخلوقِ والخالقِ
لذلك قال الله تعالى (وَإذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ في البَحْرِ ضَّل مَنْ تَدْعُونَ إلَّا إِيَّاهُ)
ـ (وَإِيَّاكَّ نَسْتَعِينُ) تعلمنا أن أعظمَ مانتوسلُ بهِ الى اللهِ هو الإيمانُ بالله وتوحيدُه فكلُّ ماسبقَ من سورةِ الفاتحةِ هو الوسيلةُ التي نقدمُها قبل هذا الدعاء وهي إيمانُنا بأنه اللهُ الرحمنُ الرحيمُ المستحقُ للحمدِ وحدَه، وللحمدِ كلِّه،فهو ربُّ العالمينَ مالكُ يومِ الدينِ، وهو المستحقُ للعبادةِ وحده ..فكل ماسبقَ تحضيرٌ للقلبِ حتى يتوجَه بهذا الدعاء
ومادمتُ مؤمنا بصفاته فكيف لاأعتمدُ عليه وأستعينُ به؟
مايستعان بالله عليه
ـ وأعظمُ ما نستعينُ باللهِ عليهِ هو عبادتُه (أخذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بيدِ معاذٍ رضيَ اللهُ عنه ثم قال يامعاذُ.. إني أحبُّك .. لاتدَعْ أنْ تقولَ دُبُرَ كل ِصلاةٍ :اللهم أعنِّي على ذكرِكَ وشكرِك وحُسنِ عبادتِك)
ـ من الناسِ من لايستعينُ باللهِ أصلاً وهو معتمدٌ على ما في يديِه أو على ماحَولَه
ـ ومِن الناسِّ من يستعينُ بالله فعلاً وهو يرددُ ويؤمنُ بانه لاحولَ ولاقوةَ  إلا بالله،
ولكنه يصرفُ استعانتَه باللهِ على تحصيلِ أمورِ الدنيا فقط (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا في الدُنِيَا وَمَالضهُ في الآخِرَةِ مِنْ خَلَاَقٍ)
ـ ومِنَ الناسِ مَن يَستعينُ باللهِ في كلِّ أمورهِ الدنيويةِ والأخرويةِ كما قال الله (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة
 
ومِن أعظمِ ما يُستعَانُ باللهِ عليهِ هو مواجهةُ الباطلِ والظلمِ قال تعالى (وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ) فأعلن فرعون عن خطته (قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) هنا يسجلُ اللهُ لنا ماواجهَ به ِموسى عليه السلامُ هذا التهديدَ والوعيد َ(قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ )ليست لأحدٍ غيرِه (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)     
قال ابن عباسرضي الله عن( حَسْبُنّا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيِلُ) قالها إبراهيمُ حينَ ألفي في النارِ، وقالها أصحابُ محمدٍ حين قال لهم الناسُ إنَّ الناسَ قد جمَعوا لكُم فاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيِمَانَاً وَقَالُوُا حَسْبُنا اللهُ ونِعْمَ الوَكِيِلُ)
وأعظمُ مثالٍ على عظمةِ الاستعانةِ باللهِ هو رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ فقد بدأ الدعوةَ وَحيداً فقيرا لكنَّه استعان بربِه فأعانَه وأمَدَّه إلى أنْ توفيَ وقد انتشرتْ رسالتُه في ربوعِ الأرض
(إياك نعبد) تَبَرُّؤٌ مِن الشرك
(وإياك نستعين) تبرؤٌ مِن الحولِ والقوة.
ومِن أجملِ آثارِ الاستعانةِ باللهِ أنها تُعَمقُ عبوديةَ العبدِ لربِهِ فالعبد كلما مرَّ بأمرٍ صغيراً كان أو كبيراً رجع الى ربِه فاعتادَ على ذلك فأصبح عبدا أوابا كما قال الله عن بعضِ أنبيائِه (نِعْمَ العَبدُ إِنَّهُ أَوَّاب)
ولايستطيعُ أحدُ أن يصِفَ هذا الشعورَ والايمانَ الذي يجده المؤمنُ عندما يجدُ نفسَه في مواجهةِ أمرٍ يعجزُ عنه وكأنه الجبلُ على أكتافِه أو كأنَّه مَطالبٌ بأن يصعدَ جبلاً بينما هو مريضٌ غيرُ قادرٍ على الحركةِ فيلجأ الى مولاه ويستعينُه ويجأرُ إليه ثم يجيبُ الله دعوته ويعينُه الى أن ينجزَ هذا الأمر
فكثرةُ الاستعانةِ بالله تُقوي التوكلَ على الله
 والمتوكلُ على الله تحصل له طمأنينةُ القلبِ وراحةُ البالِ وانشراحُ الصدر
مُجيبَ السائلين حملتُ ذنبي
و سِرتُ على الطريقِ إلى حماك
و رُحتُ أدقُّ بابَك مُستجيراً
ومُعتذراً و منتظِراً رِضاكَ
دعَوتُك يا مفرجَ كلِّ كربٍ
و لستَ تردُّ مكروباً دعاك
كيف نحقق الاستعانة بالله
أما كيف نحققُ الاستعانةَ باللهِ فسورةُ الفاتحةِ تعلمنا أن نتوسلَ أولا بالعبادةِ فـ "إياك نعبد" سبقت "وإياك نستعين" لأن العبادةَ وسيلةٌ
 للاستعانة   
وثانيا الأعمالُ الصالحةُ التي نستعين بها سماها القرآن (استَعِيِنُوا بِالصَّبرِ والصَّلاةِ إنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِيِنَ) والمقصود بالصبر هنا الصوم
أما الدليلُ على أن الصبرَ مما يستعانُ به على عظائمِ الأمورِ (قالَ مُوُسَىَ لِقَومِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوُا)
  وثالثا من الأمورِ النافعةِ  في الاستعانةِ باللهِ على قضاءِ الديونِ تحقيقُ نيةِ السدادِ
 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَن أخَذَ أمْوالَ النَّاسِ يُرِيدُ أداءَها أدَّى اللَّهُ عنْه، ومَن أخَذَها يُرِيد إتْلافَها أتْلَفَهُ اللَّهُ)
ومن الأدعية النافعة أيضا دعاء قضاء الديون قبل النوم
ودعاء ذي النون عليه السلام فقد روى الامامُ أحمدُ والترمذيُ وغيرهُما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
(دعوةُ ذي النونِ إذْ دعا بها وهو في بطن الحوت: "لا إلهَ إلا أنت سبحانك إني كنتُ من الظالمين"، فإنه لا يدعو بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قط إلا استجاب له) 
رضي الله عنه قال:  وعن أنس بن مالك
 قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ رضي الله عنها: (ما يمنعكِ أن تسمعي ما أُوصِيِكِ به أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: "يا حيٌّ يا قيومٌّ برحمتِك أستغيثُ، أصلِحْ لي شأني كلَّه ولا تكِلني إلى نفسي طرفةَ عين") 
 
 
وفي سنن أبي داود عن عوف بن مالك
أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قضىَ بين رجلين، فقال المقضيُ عليه لما أدبر: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن اللهَ تعالى يلوم على العَجزِ ولكن عليك بالكَيْسِ، فإذا غلبك أمرٌ فقل: حسبي الله  ونعم الوكيل
  وعن أم سلمة قالت :ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي.
  وكان النبي صلى الله عليه وسلم اذا استصعب أمرا قال: اللهمَ لا سهلَ إلا ما جعلتَه سهلاً، وأنتَ تجعلُ الحَزَن إذا شئتَ سَهْلاً
الخطبة الثانية
إن أعظمَ ثمرةٍ للاستعانة ِباللهِ هي أن ينطلقَ المسلمُ في أداءِ رسالتِه وأمانتِه التي كلفه اللهُ بها بل وخلقه من أجلها مستعينا بالله على هذا الحِمل الثقيل
وهذا ما يجعل المسلمَ دائما عزيزا قوياً لأن كل أمورِ دنياه هو مستعينٌ عليها بالله ثم إن هذه الدنيا ليست أكبرُ همِه ولامبلغُ علمِه وإنما له رسالةٌ هي عنوانُ حياته وهي عملُه وأملُه ومن أجلها يصوغ حياته وهي أن يقيمَ الدينَ في حياته والحياةِ كلِها

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1487 مشاهدة

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

346,896