جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
في سنة 150 هـ وقيل انها نفس السنة التي توفي فيها الامام ابو حنيفة رحمه الله ولد محمد بن ادريس
كان أبوه فقيراً جداً فرحل طلباً للرزق لكنه توفي رحمه الله وهو شاب بينما محمد لايزال في المهد
أي انتقلت هذه الأم من زوجة فقير إلى عائل ليتيم لم يترك والده له شيئا
وانتقل محمد هذه الطفل الصغير من الفقر وحده إلى اليتم والفقر معا
لكن الله تعالى الذي أخذ بحكمته من هذا الطفل والده لابد أنه مدخرٌ له برحمته شيئا يحفظه به .
لقد ادخر له أما رزقها الله تديِّنا وفهما ووعيا وارادة.
لم تنكسر الأم ولم تكسر ابنها معها حزنا وعجزاً
وانما توجهت بوليدها الى الله واتجهت به الى الدين
انتقلت به الى اليمن حيث قبيلتها
حَّفظته القرآن فحفظه صغيراً
خافت أمه من ضياع نسبه فسافرت به الى مكة لتصله بأجداده وقبيلته ليحفظ نسبه فينشأ عزيزا منتميا الى أصوله الشريفة فقد كان نسبه يصل الى جد النبي صلى الله عليه وسلم "عبد مناف" لذلك كانوا يسمونه بالمُطَّلبيّ نسبة الى عبد المطلب بن هاشم
وكان هذا التصرف الحكيم من أمه رحمها الله دليلا على وعيها فنشأة الابن متصلا بنسبه تجعله منتميا معتزا بتاريخ نسبه فيحافظ على هذا التاريخ والمجد ولايلوثه بالانحراف
وليس كما نرى اليوم ما إن يتوفى الأب حتى تأخذ الأم أبناءها بعيدا عن أعمامهم لتصلهم بأخوالهم جاحدة صلة أبنائها بأعمامهم بل ربما تكرههم فيهم!
ونرى عجبا من الأمهات في ذلك بلا وعي ولابصيرة حتى بطبيعة الحياة التي لايستغني فيها الأبناء عن عمومتهم طوال الحياة .
وكانت العرب تحب أن تبدأ تربية أبنائهاالذكور بعيدا عن الترف وتهتم بالرجولة والشجاعة واللغة والشعر وهذه القيم والأخلاق التي تكون شخصيته القوية وليس كما نرى الآن من تربية الذكور كتربية الإناث سواء تخاف عليهم أمهاتهم فينشأون كالبنات.
لذلك تنقل محمد بين القبائل وخاصة هذيل المعروفة باللغة والشعر
كان محبا للعلم مقبلا عليه نابغا فيه فتلقى العلم من أكابر علماء مكة حتى صار أهلا للفتوى وهو لايزال في سن البلوغ
رحل إلى المدينة، وجلس للإمام مالك رحمه الله، وقرأ عليه كتابه الموطأ من حفظه، فانبهر الإمام مالك بقوة حفظه وفهمه،
لكن محمدا كان فقيرا جدا فلما ذهب لمجلس الامام مالك لم تكن معه ألواح يكتب عليها كبقية زملائه الطلبة
ولزم الشافعي الامام مالك ومجلسه الى أن توفي مالك رحمه الله
ولم يؤثر في طلبه رؤيته لأهل الجهل في النعيم بينما هو بعلمه فقير فقد كان بعلمه يرى أن هذا أمر طبيعي في هذه الحياة بل قال أبياته المشهورة:
تموت الأُسْد في الغابات جوعا ... ولحم الضأن يُرمى للكلابِ
وذو جهلٍ ينام على حريرٍ ... وذو علمٍ ينام على الترابِ
وكان يقسم ليله بين العبادة والعلم والنوم
وكان تقيا مشهورا بتلاوة القرآن
كان الشافعي شريف النفس كريمًا سخيًا، شديد البذل والعطاء على ضيق ذات يده، لا يرد سائلا قط، تاركًا للمراء والجدل، مخلصًا ناصحًا للأمة، ويود لكافه المسلمين الخير، وكان يقول عن نفسه: وددت أن الناس تعلموا هذا العلم - يعني كتبه - على أن لا ينسب إلى منه شيء
وبعد أن نهل الشافعي من العلم ونبغ فيه تولى العمل بالقضاء واشتهر بالعدل ثم تم توليه ولاية باليمن واشتهر باستقامته وعدله وتقواه لله. وبذلك يكون الشافعي قد جمع ولاية امور الدنيا مع إمامة الدين
وقد تعرض الشافعي لمشكلات وابتلاءات شديدة في حياته فقد كان مريضا مرضا شديدا لكن تربيته التي ربتها له أمه جعلته قويا بارادته وعزيمته كما أنه لم يسلم من حسد الحاسدين وحقدهم عليه فحرضوا عليه الحاكم لكنه لم يتزعزع لأنه لم يكن طالبا للدنيا ولم يضعف .
ثم رحل الى مصر فرحبوا به وعاش بينهم إماما مكرما عزيزا الى ان توفي ودفن بها رحمه الله وجزاه عن الاسلام والمسلمين خيرا
فالرسالة من حياة الشافعي الى كل أم فقدت زوجها وعائل أسرتها وعمود حياتها وعشها: لاتنكسري ولا تكسري أبناءك بالحزن والشعور باليتم والعجز.
فقدت زوجة زوجها فقيل لها: ماذا ستفعلين وقد رحل زوجك وعائل أبنائك؟
قالت: ماعرفت زوجي رزَّاقا انما عرفته أكَّالا والرزاق هو الله.
إن انتهاء أوضاع معينة موجودة ومستقرة كوجود الأب في الحياة لايعني انتهاء كل شيء بل ربما هذه بداية لأوضاع جديدة (ليقضي الله أمرا كان مفعولا)
لقد أخذت ام الشافعي بيد ابنها نحو هدف كان واضحا لها وله وهو أن تحفظه بحفظه للدين فحفظه لها الله ولم تتحطم بفقد زوجها.
كانت في بحر الحياة آمنة بزوجها شراع قاربهم وفجأة انكسر الشراع وتحطم جانب من القارب في بحر الحياة وأمواجها المتلاطمة فماكان منها الا أن توجهت بهم الى الله فهل يضيعها الرحمن الرحيم الذي لجأت اليه؟.
كلا فماكان الله ليضيعها وأبناءها .
( وما كانَ اللهُ ليُضيعَ إيمانَكمُ إنَّ اللهَ بالنَّاسِ لرؤفٌ رَحِيم )
ساحة النقاش