حوض النيل .. فرص وإشكاليات التعاون هو كتاب يتناول بالدراسة العلاقات الجغرافية والسياسية القائمة بين دول حوض النيل وما تم من تعاون واتفاقيات بين تلك الدول.


اكتسبت عملية إدارة الموارد الإستراتيجية الدولية، وفي مقدمتها الأنهار. أهمية متزايدة في العقد الأخير. ويرتبط هذا الاهتمام بتجاوز عملية إدارة الموارد المائية لجوانبها الاقتصادية إلى مناطق السيادة الوطنية للدول، ودخول المؤسسات الدولية كطرف في عملية رسم السياسات المائية المدعمة بالبرامج الفنية والاقتصادية. لذا تبدو حالة الاهتمام المتزايدة بالسياسات المائية، ومحاولة بلورة موقف تجاه قضايا المياه والتنمية في منطقة حوض نهر النيل، محل تساؤل رئيسيا حول إمكانية أن تشكل قضية المياه مدخلا لتجاوز الخلافات الثنائية من جانب، وإطارا لتدعيم سبل التعاون الجماعي، من جانب آخر.

فمع ما تمثل المياه من عامل ترجيح للعديد من المشروعات التنموية في دول الحوض، تبدو صورة التفاعلات في جوانبها السلبية أكثر بروزا ووضوحا من جملة التفاصيل التي تحمل بين جوانبها الكثير من التطورات والمستجدات الإيجابية.
فدول الحوض لا تزال عرضة لمخاطر الجفاف الدوري والفيضانات، وعرضة لتدهور مستوى المياه وسلامتها، كذلك لمخاطر الحروب الأهلية والمجاعات، بالإضافة لما تعكسه حقائق الزيادة السكانية وسوء استخدام المياه، والتغيرات المناخية. وبالتالي فإن احتمالات النزاع على المياه تبقى أمرا يصعب استبعاده، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار مجموعة الصعوبات والتعقيدات التي تحفل بها التفاعلات السياسية في منطقة الحوض، وعدم نجاح دول الحوض في إيجاد منظمة إقليمية فرعية.


وبعيداً عن الخوض في التحديات السابقة وتفاصيل التطورات الدولية التي انعكست بتأثيراتها على منطقة الحوض، ربما يكون من الضروري الإشارة إلى جملة من التطورات الرئيسية التي تتمثل في مجموعة المستجدات للكثير من التفاعلات الإقليمية التي تشهدها منطقة الحوض، لاسيما في بعدها المائي، والتي مكن رصد بعضها في التالي:


المستجد الأول: يتعلق بمحورية قضية المياه كمحور للتعاون الإقليمي وكمحدد لتشكيل التجمعات الاقتصادية الإقليمية. فقد شهد العقد الأخير تشكيل العديد من التجمعات الإقليمية التي استندت إلى نطاق جغرافي يكتسب تحديده من المسطح المائي مثل حال الآبك الذي يضم الدول المطلة على جانبي المحيط الهادي، وحالة مشروع المشاركة الأوروبية المتوسطية الذي يضم الدول المطلة على جانبي البحر المتوسط وحالة تجمع دول المحيط الهندي الذي يضم الدول المطلة على المحيط الهندي.
ورغم عدم تشابه حالة تجمع دول حوض نهر النيل مع الحالات السابقة في أبعاد كثيرة، إلا أن اتساع فكرة التعاون وتجاوز منطق النطاق الجغرافي التقليدي يعدان من أبرز التحولات التي يشهدها مجال العلاقات الدولية حاليا.


المستجد الثاني: يعلق بالاتفاقية الدولية الخاصة بقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية التي تم إقرارها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 مايو 1997. فقد هدفت الاتفاقية إلى وضع القواعد الأساسية التي يتم بمقتضاها تقاسم الموارد للأنهار بشكل عام. على أن يتم صياغة اتفاقية خاصة بكل نهر تنسق مع الاتفاقية العامة ومن أبرز ما تضمنته الاتفاقية ذلك النص على إلغاء الاتفاقيات القائمة، مع إعطاء الفرصة للدول الأطراف في اتفاقيات قائمة بالفعل (وهو ما أدى للتحفظ المصري) أن تنظر – إذا ما رغبت وعلى أساس اختياري بحت – في إمكانية تحقيق مواءمة بين هذه الاتفاقيات وتفضيلات مهمة لصالح دول المصب والمجرى الأوسط، في مواجهة دول المنابع لما وضعته من قواعد وأحكام خاصة بالأضرار الجسيمة وإعمال مبدأ التقاسم العادل أو المنصف، إلا أنها شهدت تحفظات من جانب بعض الدول، فجاءت نتيجة التصويت بأغلبية 104 واعتراض من ثلاث دول (الصين وتركيا وبوروندي) وامتناع 27 دولة عن التصويت (من بينها مصر وفرنسا وإثيوبيا). هذا التباين في المواقف والذي يعبر أيضا عن تباين في المصالح والرؤى امتد إلى مواقف دول حوض النيل بشأن الاتفاقية الجديدة، ففي حين وافقت السودان وكينيا، غابت كل من إريتريا وأوغندا والكونغو الديمقراطية عن التصويت، في الوقت الذي امتنعت فيه عن التصويت كل من رواندا وتنزانيا ومصر وإثيوبيا.
والحقيقة البارزة في هذا الإطار، أن الاتفاقية الجديدة بوصفها اتفاقية إطارية، قد لا يكون لها تطبيق مباشر على العلاقات بين دول الحوض، ولكنها تشكل نموذجا وقاعدة لما يجب أن تكون عليه هذه العلاقات.


المستجد الثالث: يتعلق بتجاوز نداءات البنك الدولي الخاصة بتسعير المياه خلال اجتماعات الهيئة الدولية للموارد المائية التي عقدت في لاهاي في مارس 2000، بعد إقرار الرؤية العالمية المستقبلية للمياه، والتي تقوم على مجموعة من الركائز الأساسية أبرزها، سياسة استعاضة التكاليف لمشروعات توفير المياه بدلا من بيعها، وإشراك القطاع الخاص بنظام الاستثمار العالمي المعروف باسم (B.O.T).


المستجد الرابع: يتعلق بوضعية مصر كدولة مصب وما يلوح في الأفق من إمكانية لاختلاق المعادلة الحاكمة لتدفق مياه النهر إليها. فمتطلبات التنمية في دول أعالي النهر ومحاولة هذه الدول لتغيير أسلوب الري بالاعتماد على الري الدائم وليس الأمطار في الزراعة، بالإضافة إلى مشروعات الطاقة الكهربائية، تعني أ، هناك تغييرا، إلى حد ما، يتعلق بالمقولات التقليدية حول عدم حاجة دول أعالي النهر إلى مياه النهر. هذه النتيجة التي ضمنت لمصر الاحتفاظ بوضع متميز ضمن لها تدفق مياه النهر منذ آلاف السنين وحتى الآن (سواء لانخفاض كثافة سكان هذه الدول، أو لتمتعها بموارد مائية أخرى، أو لتدهور أوضاعها الاقتصادية، أو لوجود اتفاقيات دولية)، تبدو محل مراجعة كبيرة من جانب تلك الدول وهو ما تظهره "مبادرة حوض النيل".


المستجد الخامس: يتعلق بمواقف ودور العديد من دول الحوض على المستوى الإقليمي ووقوع العديد من التطورات الإقليمية والدولية ذات المردود (السلبي والإيجابي) على نمط التفاعلات البيئية فيما بين تلك الدول. فمن الملاحظ أن هناك تغييرات في الأوزان النسبية لهذه الدول يتجاوز المعطيات الجغرافية والمواريث التاريخية، بشكل يتجاوز التناول التقليدي لقياس أدوار الدول وتأثيرها على النطاقين الإقليمي والدولي، إذ تبرز دول مثل كينيا وأوغندا وتنزانيا بأدوارها النشطة على المستوى الإقليمي بما يتجاوز قدراتها قياسا بدول إقليمية كبرى مثل مصر وإثيوبيا والسودان ، بشكل تبدو معه هذه الأدوار على حساب الدور التقليدي لهذه الدول تجاه العديد من الملفات والقضايا الساخنة.


المستجد السادس: يتعلق بموقع قضية المياه في العلاقات البينية لدول الحوض وخاصة تجاه مصر، حيث تثير التطورات الأخيرة إلى أنها لم تعد تمثل مرآة عاكسة لحدود التطور في العلاقة بين دوله، كما كان في الماضي عندما كانت تثار مسألة المياه والخلاف على الحصص في فترات التوتر من جانب السودان وإثيوبيا، الأمر الذي يطرح عمق هذا التغيير وأهمية التعامل معه من زاوية حدود القدرة على ربط دول الحوض ومجتمعاتها بأنساق من المصالح كسبيل لتقليص قدرة القيادة السياسية ورغباتها في هذه الدول في انتهاج سياسات متعارضة مع تلك المصالح.

المؤلف:أيمن السيد عبد الوهاب وآخرون

الناشر: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام

الإصدار: 2009
عدد الصفحات: 304

المصدر: موسوعة المعرفة
  • Currently 186/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
63 تصويتات / 979 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

66,125