يتم اعتبار الصحافي الأميركي كين اوليتا من أوائل الذين أعطوا لمفهوم «طريق المعلومات السريع ؟ اوتوستراد المعلومات» بُعدا شعبيا. ذلك من خلال كتاباته الصحفية في «النيويوركر» واعتبارا من عام 1992 عن شخصيات وشركات طغت في فضاء عصر الإعلام والمعلوماتية من أمثال بيل غيتس وروبرت موردوخ. وبعد أن قدّم عدة كتب عن عالم الإعلام ووسائله توّجها مؤخرا بكتاب: «مع غوغل، نهاية العالم كما عرفناه».

ويذكّر المؤلف أن الشعار الذي رفعه مؤسسو «غوغل» منذ البداية هو أن «لا يسبب» محرّك بحثهم «أي أذى» لأحد وأن يكون هدفه هو تقديم أكبر كمّ ممكن من المعلومات. لكن ما حصل في الواقع هو أن «غوغل» أصبح بالنسبة لغالبية مستخدمي شبكات الانترنت وسيلة مثالية للدعاية وللقيام بجميع أشكال المبادلات.

ويجيب المؤلف أن مؤسسي غوغل «كانوا معادين جدا لتطوير الدعاية والإعلان على الشبكة التي أرادوا لها، أو «زعموا أنهم يريدون لها»، أن تبقى «مجالا للحريّة». لكن الواقع يدل أن محرّك بحث «غوغل» أصبح «أحد عمالقة القرن الحادي والعشرين بفضل الدعاية». لكن هذا الامتداد الكبير والتعاظم على صعيد القوّة «خلق عددا كبيرا من الأعداء».

ويحدد المؤلف في رأس قائمة الأعداء أرباب صناعة الكتاب الورقي الذين وجدوا في مشروع «غوغل» القيام بنقل ملايين الكتب الورقية إل كتب رقمية.

يكتب اوليتا: «إن غوغل عندما قرر نقل ملايين الكتب إلى لغة رقمية أثار غضب الكتّاب والناشرين الذين رأوا في هذا المشروع تهديدا مباشرا لحق الملكية الفكرية». كذلك يتم في نفس السياق طرح السؤال التالي: هل ينبغي أن تقوم شركة واحدة، أو مؤسسة واحدة، بتنفيذ مشروع جعل المعرفة بمتناول الجميع مباشرة ومجانا؟

وهناك محظور آخر يتم الحديث عنه في إطار نشاطات غوغل، ويخص عملية أرشفة المعطيات الشخصية الخاصة بمستخدمي الشبكة العنكبوتية، الأمر الذي أثار حفيظة كُثر ولاقى انتقادات لا تنتهي، لكن المؤلف يؤكد بهذا الصدد أن مسألة المعلومات الشخصية هذه لم يتعامل معها مسؤولو «غوغل» بخفّة، وينقل عن أحدهم أنه أسرّ له ما مفاده: «إن مسألة الحياة الشخصية الخاصة هي بمثابة قنبلة ذريّة، ونجاحنا يعتمد أصلا على الثقة».

ويرى المؤلف أن غياب هذه الثقة من قبل أغلبية مستخدمي شبكات الانترنت يعني بصورة آلية أن المخزون الإعلاني الهائل وما يدرّه من أقوال طائلة سوف يتبخّر. وتبخّره يعني بالتالي انهيار البناء كله. وبهذا المعنى أيضا يتم تشبيه غوغل أنه «عملاق أرجله من فخّار». بل وأن «أحد الأشياء النادرة التي لا يستطيع المرء أن يجدها في غوغل يتمثل في مستقبل غوغل نفسه».

ويحدد المؤلف القول أن هناك مؤسسات ومشاريع تصنع الأمواج وأخرى «تركب» على هذه الأمواج أو أن هذه تُغرقها. ويشير إلى أنه راقب عن قرب الكيفية التي «تتشكّل» فيها الأمواج ثم «تنكسر» في عالم وسائل الإعلام التقليدية من الصحف والمجلات إلى الكتب والتلفزيون والسينما، ووصولا إلى ميكروسوفت.

وهو يحاول في هذا الكتاب أن يشرح كيف أن مؤسسي «غوغل» والقائمون عليه بمختلف مستوياتهم يناضلون «من أجل أن تبقى رؤوسهم فوق الماء».

ذلك أن المؤلف يقدم بالوقت نفسه العديد من البراهين أن هذه «الصناعة» تمرّ بفترة من الاضطراب وإننا لسنا بعيدين عن «نهاية عالم غوغل كما عرفناه».

وبالوقت نفسه ينظر الكثير من القائمين على عالم الصحف والتلفزة والنشر وبقية وسائل الإعلام إلى غوغل كـ «خطر على حياتهم». هذا لا سيما وأن الهدف الواضح لغوغل ليس أقل من «غزو العالم».


ثم إن «غوغل» و«الموجة الرقمية» غيّرا أيضا من معالم العالم كما عرفناه، عالم وسائل الإعلام التقليدية، ولم تعد هناك حاجة في الإعلام الرقمي للمطابع العملاقة وما تجلبه من تلوث للبيئة وما تتطلبه من شاحنات كبيرة لتوزيع ما تنتجه.

ولم تعد عملية بيع المثلجات و«البوشار» في قاعات السينما تعوّض خسارة «تحميل الأفلام إلكترونيا». باختصار خلق «غوغل» بدائل كثيرة. لكن «غوغل» يقدم نفسه على أنه «شركة إعلامية».ويشير المؤلف بأشكال مختلفة إلى لقاءاته العديدة مع مؤسسي شركة «غوغل» ومسؤوليها.

ويقول إن «لاري بليج» أحد مؤسسيها و«اريك شميت» رئيسها أخبراه أنهما ناقشا مسألة شراء صحيفة «نيويورك تايمز»، وقررا في النهاية أنه إذا نجحا في ذلك سوف «ينسفان» هوية مؤسستهم كـ «محرّك للبحث»، ومن هذا الموقع تتعلق مصداقيته بتقديم المعلومات الصحيحة وليس التحليلات.

لكن هناك بعض المحاولات للاهتمام بـ «المضمون» وليس بالمعلومة فقط كما يبدو من خلال موقعي «يوتوب» و«كنول» و«ويكيبيديا». ويصل المؤلف إلى القول إن الاتجاه الغالب في غوغل هو الاحتفاظ بموقعها كـ «سويسرا المعلومات»، بمعنى البقاء «حيادية» دون التدخّل في مضمون المعلومات.

بكل الحالات ما يتم تأكيده هو أنه ليست هناك مؤسسة في التاريخ تطوّرت بسرعة «غوغل» وسرعة هائلة بجمع الأموال وسرعة هائلة في الانتشار إذ وصل مستخدمو شبكاتها إلى الملايين يوميا بعد فترة قليلة من قيامها عام 1998.

وكان لها تأثيرها الحاسم على عوالم الإعلان والتلفزيون والصحف والهاتف والنشر.

ومن وجهة نظر تكنولوجية واقتصادية، لا شك أن «محرك بحث غوغل» هو أحد «عجائب العالم» اليوم.


الكتاب: مع غوغل: نهاية العالم كما عرفناه

تأليف: كين اوليتا

الناشر: بنغوان برس لندن 2009

الصفحات: 400 صفحة

القطع : المتوسط

المصدر: جريدة البيان
  • Currently 169/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
56 تصويتات / 537 مشاهدة

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

68,840