فرص العمل وطاقات التوحدي اليافع

"عندما دخلت المدرسة شغفت  بالحياة عشقا  "

التلميذ بنيامين العمر 7 سنوات

يتناسب عمل الناس غير المعوقين مع كفاءتهم وقدراتهم حين توفر فرص العمل لهم , وكثير ما يضطر هولاء إلى ممارسة عمل ما لا يتناسب مع كفاءتهم, من اجل لقمة العيش, رغم ذلك تبقى قدرة الحس الاجتماعي فاعلة في بناء وشائج و علاقات اجتماعية في مكان عملهم الجديد, يحظون فيه باعتراف المنظومة الاجتماعية بهم كإفراد, إضافة إلى حصولهم على أجور عمل .  أما ألتوحدي فقدراته لا تمكنه من تطوير كفاءته وبناء حياته على مثل هذه النسق ,فهو لا يدرك قيمة المال ولا يعرف علاقة التبادل ألبضائعي, كما انه لايستطيع الربط بين أجرته " النقد " , ودوره في سد احتياجاته و إشباع رغباته, فاضطراباته وسلوكه الغريب المتفرد, يوديان إلى شل قدرته على إقامة علاقات اجتماعية في مكان عمله, و إلى إخفاقه في تحقيق الاعتراف الاجتماعي الكافي في محيطه .    ( في مجال العمل والوظيفة للتوحديين , فلا تزال الفرص المتوفرة اقل من طاقات التوحدين,  ففرص العمل المتاحة حاليا محدودة , وتقتصر على بعض الأعمال ذات الطبيعة الآلية والمتكررة التي لا تتوائم مع قدرات  وطاقات ألتوحدي أو إنها تقتصر على فرص العمل التي تتوفر في السكن الجماعي الذي ذكرناه سابقا مثل أعمال تنسيق الحدائق والفلاحة وتشكيل الفخار وتجدر الإشارة الى إن بعض المراكز مثل مركز نيوهافن في الولايات المتحدة الأمريكية بدا بتبني فلسفة جديدة في مجال توظيف وتشغيل التوحديين مفادها أن المجالات المهنية والوظيفية التي يمكن للشخص ألتوحدي العمل فيها ليس لها حدود بل أنها شاملة وواسعة شريطة أن يتوفر لهم الدعم أو المساندة من قبل احد العاملين الأساسيين في المجالات المهنية المختلفة

حقائق عن التوحد تأليف د. سايمون كوهين د. باترك بولتون ترجمة د. عبدا لله إبراهيم الحمدان إصدار أكاديمية التربية الخاصة عام 2000   الرياض ).

بتدريب  50% إلى60% من التوحديين بعد إنهاء مدارس إعادة تأهيل المعوقين في مراكز التأهيل الحرفي للمعوقين, فالتأهيل المهني والحرفي يلعب الدور الأساسي في التغير التدريجي في حياته, الذي نتوخى الوصول إليه , و يساعده على صقل وتدريب طاقته وقدراته, ويمكنه من بناء شخصية فاعلة قادرة على الاشتراك في العملية الإنتاجية, والحصول على موقع عمل يمكنه من اختيار مسار حياته المستقلة الحرة الكريمة.

التدريب المهني والحرفي للتوحدي اليافع يؤهل ويطور إمكانياته في العديد من نواحي الحياة التطبيقية منها :-

أولا - اجتماعيا من خلال زجه في علاقات اجتماعية جديدة , يؤدي فيها دوره لخدمة الجماعة, ويتحمل فيه جزء من المسؤولية الجماعية, سواء في العمل أو السكن مثلا "في تهيئة مائدة الطعام أو نقل بعض أدوات العمل "  فهذه الإعمال البسيطة تحفزه إلى الانسياق في ألفة اجتماعية جديدة .

ثانيا - معرفيا من خلال تعرفه على البيئة المحيطة به, وحثه على الاهتمام بحديقة السكن أو العمل, وتعرفه على حاجة النباتات والمزروعات من سقى وعناية بالتربة, يحفزه إلى القيام بمثل هذه النشطات في أوقات محددة, كما يتعلم أيضا قيمة العمل المنجز ومكافأته عليه" ليس قطعة شكولاته أو نزهة ", وإنما ثمرة عنايته ورعايته للحدائق أو الأشجار , يتعلم التلميذ التوحدي أن شجرة التفاح تقص أغصانها, وتسقى وتسمد في وقت معين من السنة, وعندما تصبح خضراء تتفتح وتنضج ثمرة التفاح , فيحين قطفها ومن ثم تأكل " أجرة العمل أكل التفاح".

ثالثا - حركيا من خلال تنشيط فعل اليدين في المسك والقبض والقطع, وحركة الجسم أثناء ممارسة أي فعل, يبعده تدريجيا عن أنماط السلوك التكراري " تعويض نمط السلوك التكراري بسلوك حركي أخر متغير ".

رابعا – شخصيا  تساعد عروض العمل الفردية المناسبة للاضطرابات التوحدية على تطوير شخصية ألتوحدي,  وتمنحه قدر من الاستقلالية في عملية الإنتاج, من خلال تقديم التحفيزات المساعدة في انجاز العمل, في خطوات صغيرة متتابعة ومنتظمة, تبعث على طمأنته واستقراره ,وتعزز ثقته بالتعامل اليومي مع مواد العمل والأدوات خلال المس المتكرر, كما إن تكرار مسيرة عمله اليومي يخفف من صدمة التغير المفاجأ في مألوفة اليومي .

خواص العمل مع ألتوحدي اليافع

تطور خطط  التأهيل المدرسي والعلاجي خلال السنوات السابقة,  أدى إلى تحسن مستويات التدريب والتأهيل المهني لتوحدي اليافع , حيث تشير النسب إلى إن" 65%من التوحديين حصلوا على أماكن تدريب وتأهيل في مراكز تأهيل المعوقين ونسبة 5% حصلوا على عمل في أسواق العمل الحر  , أما نسبة حصول ذوي الإعاقات المضاعفة على فرص عمل فهي ضئيلة جدا ".(  مجلة التوحد الصادرة في برلين في عددها المرقم  57  في حزيران2004   مقال الدكتور ماتياس دالفيرت) .

 تأهيل ألتوحدي اليافع مهنيا من أهم العوامل والأسس الضرورة لإعداده اجتماعيا وتأهيله, من خلال تغير سلوكه وتطوير قدرات ووعيه وإدراكه للعلاقات الاجتماعية السائدة , وتفاعله مع أساليب العيش المتاحة, فتوفير مساحة اختيار بين عدد من الحرف, تتيح الفرصة له في انتقاء الحرفة المناسبة لكفاءته وقدراته , و تتواءم مع ميله وولعه, ومواصفات اضطراباته التوحدية, مما يحفزه على تحسين أدائه الإنتاجي, وانجاز العمل أو الخدمة الموكلة إليه بشكل أفضل" يودي إلزام التوحدي اليافع بممارسة حرفة معينة على الضد من رغباته إلى عواقب وخيمة جدا . (مجلة التوحد نفس المصدراعلاه).  ان اشتراك التوحدي اليافع في العملية الإنتاجية في المجتمع, بتوفير مكان عمل له, يتلاءم مع اضطرابات التوحد وخاصة الحركية, يفجر قدرات الفعل الكامن في داخله, وتظهر قابليته وطاقاته الفردية, الذي يحقق له نوعا من الهدوء والسكينة, ويخفف من احتدام صراعاته الداخلية مع مظاهر العالم الخارجي .  ميزت الفقرة - 98- من الفصل الأول من قانون الرعاية الاجتماعية الالماني  بين الأداء العام والأداء الخاص للقدرة الإنتاجية, إثناء التأهيل المهني والحرفي.

-1 الأداء العام للقدرة الإنتاجية , يضمن التأهيل المهني والحرفي للناس الغير معوقين دون إجراءات استثنائية , عبر العمل على إعداد وتطوير قدراتهم وكفاءتهم العملية , وتوظيفها في الحصول على عمل يمكنهم من الاشتراك في العملية الإنتاجية.

-2 الأداء الخاص للقدرة الإنتاجية , يضمن التأهيل المهني والحرفي للمعوقين باتخاذ إجراءات استثنائية , تعتمدا نوع الإعاقة معيارا للعمل على إعداد وتطوير قدراتهم وكفاءتهم العملية في إحدى مؤسسات إعادة تأهيل المعوقين , ثم توظيفها في الحصول على عمل , يمكنهم من الاشتراك في العملية الإنتاجية .

كما نصت الفقرة – 13 –من النظام الداخلي لورشات عمل إعادة تأهيل المعوقين على " توقيع عقد تحريري بين المعوق ألتوحدي اليافع  وورشة العمل , الذي يحدد فترة ساعات العمل الأسبوعية  ب(34) ساعة يمكن تقليصها حينما تتطلب شروط الإعاقة ذلك.

نتيجة للاهتمام المتزايد بظاهرة اضطرابات التوحد من قبل المهتمين والمختصين, تعمقت البحوث والتجارب في هذا المجال, وبذل الجهد الكبير لانجاح عملية تأهيل التوحدي اليافع  من قبل مؤسسات المجتمع المدني, ورصدت لها المبالغ الطائلة من مؤسسات الدولة المختصة, إضافة إلى المؤسسات الإنتاجية للقطاع الخاص, وأسست فروع لتأهيل عملي متخصص في الاضطرابات التوحدية, في العديد من مراكز التأهيل المهني للمعوقين, وإقامة ورشات تأهيل وعمل, وسكن خاصة بالتوحديين اليافعين . عملت هذه المؤسسات أيضا على دعم وتطوير كفاءات كادرها التعليمي, بتكثيف الدورات التدريبية المختصة باضطرابات التوحد, والتدريب على طريقة (TEACCH)  المطبقة في اغلب مراكز التأهيل, وورش العمل, وركزت أيضا على تشديد الاهتمام لمعرفة واكتشاف احتياجات التوحدي المتفردة . (برنامج TEACCH     „Treatment and Education of Autistic and related Communication handicapped Children برنامج  لعلاج وتأهيل الأطفال التوحدين والأطفال المصابين بإعاقة التواصل, يستند اساسا على التوضيحات البصرية " فالتوحدي يستفيد من الإيضاحات والتوجيهات البصرية أكثر مما يستفيد من مثيلاتها السمعية , فهو قادر على تحويل الإيضاح والمعلومة والطلب البصري إلى فعل ونشاط يتم بسهولة تفتقد إليها البدائل السمعية ( انظر تفصيل البرنامج في الفصل الرابع صفحة 101 من كتابنا  التأهيل المدرسي للأطفال المعوقين الطفل التوحدي نموذجا الصادر في 2005 ).  تتفق اغلب  البحوث والتجارب في نظرتها للحياة العملية التطبيقية للتوحدي اليافع, على مبادئ عامة , يتطلب مراعاتها أثناء إعداد وتدريب التوحدي اليافع على حرفة أو مهنة منها :-

<!--التهيئة والإعداد المبكرين للتوحدي اليافع, لتكوين رؤية واضحة عن نوع الاضطراب التوحدي والتعرف على خواصه الشخصية, لتحديد عدد من الحرف, التي يمكن أن يزاولها مستقبلا. 

<!--قصر ودقة الأمر الصادرة للتوحدي اليافع, لتنفيذ عمل ما , وعدم تشعب المعلومات, أو إصدار عدة أوامر بوقت واحد  .

<!--توضيح واجبات التوحدي, وطرق تنفيذها بشكل مفصل دون لبس, مدعومة بالإيضاحات البصرية .

<!--تصحيح الأخطاء حال حدوثها .

<!-- الابتعاد عن العمل الجماعي المشترك الذي تتضافر فيه جهود مجموعة من الناس لانجازه .

<!--هيكلة مكان وزمان العمل بمساعدة الطرق البصرية والخطية وفقا لاحتياجات التوحدي, وتحسين شروط العمل في القاعات والغرف.

<!--تنويع خطط وطرق التأهيل المهني والحرفي التطبيقي للتوحيدي, لتعدد مظاهر الاختلاف في خواصه الشخصية.

<!-- التعاون والتشاور المستمر بين أولياء أمور المتدرب والكادر التعليمي والعلاجي, وزيادة عدد الكادر في خدمات المرافقة.

مستويات تأهيل التوحدي اليافع

1 – التأهيل الحرفي في مختلف فروع الإنتاج

يشمل انجاز خطط تاهلية حرفية وتربوية تناسب وتلائم اضطرابات التوحدي اليافع, و تتضمن إرشادات وطرق تعليمية لمجموعة من الحرف, وتعالج أزمات التوحدي وإشكاليات التواصل اللغوي والاجتماعي, كما تسعى لطرح الحلول بقدر الممكن مستعينة بعدد من الاختصاصيين .  تعتمد الخطط على الميزات الفردية وخصوصية كل توحدي, فتجتزئ خطط فردية من الخطة العامة تتلائم مع مواصفات ونوع اضطرابات التوحدي, تنظم الخطة أيضا أوقات العلاج الطبيعي .

يجري التأهيل الحرفي للتوحدي اليافع كما يلي :-

<!-- مجموعة التأهيل الابتدائية الأولية

يتدرب التوحدي اليافع غالبا في مجموعات التأهيل الابتدائية الأولية, لغرض التعرف عليه, واستبيان مهارته وهواياته ورغباته, وإتاحة الفرصة له لمعرفة أساليب وطرق العمل والتماس مع المدربين والعاملين معه, وترك القرار لرغبته أخيرا في البقاء مركز التدريب والعمل, وتشمل هذه المجموعات كل توحدي يافع, لم يتمكن من التأهيل والتدريب الحرفي المباشر. 

<!--مجموعة التأهيل التحضيرية

يتم في هذه المجموعة اتخاذ إجراءات مكثفة لتهيئة وتحضير التوحدي اليافع, للدخول في فروع التدريب المهني, تشمل الإجراءات الطبية والتربوية والنفسية والعلاجية, وتستمر لفترة طويلة, تعتمد على تطور وارتقاء كفاءة وقدرة التوحدي اليافع, ومدى استعداده لاختيار حرفة معينة .

<!--مجموعة التدريب على الإعمال الحرفية

يتدرب التوحدي اليافع على إعمال حرفية, ضمن مجموعات صغيرة, و تحت إشراف كادر متخصص بهذه الحرف, من أهم مجالات التدريب على الإعمال المهنية والحرفية ما يلي :-

<!--توفير الخدمات العامة والمواد الغذائية .

<!--مجالات التجارة والإدارة .

<!--العمل في النسيج والأقمشة .

<!--العمل في الحدادة والمعادن .

<!--العمل في التاسيسات الكهربائية .

<!--العمل في النجارة والخشب .

<!--العمل في إدارة الحدائق والعناية بها " البستنة ".

يعتمد انجاز فترة التدريب في فروع العمل أعلاه على كفاءة وقدرة التوحدي, وبعدها تحدد فترة اختبار إتقان الحرفة وقدرته على ممارستها, ومن ثم يسلم شهادة عمل معترف بها من الدولة, تمنحه الحق في العمل الرسمي في الشركات والمعامل التي تخضع لقوانين العمل والرعاية الاجتماعية  .

2 – التأهيل الاجتماعي للتوحدي اليافع

تشمل الخطط دورات للتأهيل الاجتماعي , وتقويم سلوك التوحدي اليافع من خلال الفعاليات والنشاطات الاجتماعية كالسفرات والألعاب, ضمن مجموعات صغيرة, تتوافق قدراتهم اللغوية والحركية إلى حد ما, لتطوير الفعل الاجتماعي وتوجيهه أثناء فترة التدريب, وتمكينهم مستقبلا من إقامة علاقات اجتماعية سوية ضمن حدود العلاقات الاجتماعية المألوفة والسائدة بين أقرانهم من اليافعين, حين توفر فرص العمل . ينجز هذه المهمة كادر المرافقة ومجموعة من المتطوعين الشباب, وخاصة طلاب أقسام التربية الخاصة من الجامعات, الذين لم ينهوا دراستهم بعد بمبلغ زهيدة جدا.   (   تقيم مؤسسة المساعدة على الحياة  سنويا العديد من السفرات للمعوقين بمختلف الأعمار , داخل وخارج ألمانيا بمرافقة طلاب الجامعات , يرأسهم تربوي محترف ومختص لمدة أسبوعين , للتخفيف عن عوائل المعوقين , إضافة إلى هدفها الأساسي ,  تعريف المعوق على بيئات ولغات وتجمعات بشرية مختلفة,  تختلف عاداتها وتقاليدها , عما اعتاد عليه المعوق ,  وتقوم هذه المؤسسة أيضا , بتوفير المتطوعين للمرافقة أثناء سباقات المهرجان الرياضي للمعوقين , الذي يقام سنويا في برلين وتشترك فيه اغلب مدارس ومراكز المعوقين).

 

صعوبات التوحدي اليافع أثناء عملية التأهيل المهني

 1 – صعوبات التوحدي الحركية

السلوك التكراري شكل من أشكال النشاط التعويضي للتوحدي, لما ينتابه من اضطرابات لا يستطيع التعبير عنها, وهو منفذ للتخفيف من آثار التعب والجهد النفسي, الذي يبذله أثناء التركيز والانشداد في عملية التدريب المهني, فليس غريبا أن يتحرك التوحدي أثناء العمل بعدة اتجاهات, فالحركة الدائمة والسلوك التكراري جزء من تكوينات إعاقته التوحدية, وعامل مهم في الموازنة بين الجهد المبذول من قبله, والعودة إلى الاستكانة والهدوء الداخلي, فعلى المدرب الاحتكام إلى الهدوء, وأللوذ بالصمت والمكوث في المكان, إذا طرأت مثل هذه المشاكل.

 2 –  صعوبات التوحدي الاجتماعية 

يدفع عدم معرفة سلوك وتصرفات التوحدي اليافع الاجتماعية في مكان العمل الكثير من زملائه إلى الإحراج والتبرم, فتحيته لزملائه بمس شعر رأسهم, أو عدم تحيتهم ووداعهم, يثير لديهم ردود فعل سلبية, مردها إلى عدم معرفته باصول اللياقة الاجتماعية, إضافة إلى إحساسه بالضيق والاضطراب, حين تجمع وتجمهر الزملاء في المطعم, مما يثير ضحك وسخرية زملائه من تصرفاته وطقوسه وتكرارية أفعاله وأقواله .

3 - صعوبات التوحدي اللغوية

يصعب على التوحدي فهم التوجيهات وإرشادات العمل الايعازات والأوامر اللفظية, وعدم قدرته على فهم التعابير المجازية, يودي إلى تردد في انجاز واجبات العمل, وغالبا ما يعجز عن طلب المساعدة من الآخرين , لضعف قدرة التعبير اللغوي, فيلجا إلى القياد إلى المكان أوالحاجة التي يرغب القيام بها, وفي بعض الأحيان يعوض كلام الصدى والتكرار اللغوي عن وظائف التواصل اللغوي عند التوحدي.

 4- صعوبات التوحدي في إدراك وفهم العمل

يعجز التوحدي اليافع عن المبادرة الذاتية لبدء وإنهاء العمل المكلف به, وضعف في متابعة خطوات تسلسل انجاز العمل, بسبب هبوط في ترابط تركيزه, وعدم فهم التعاقب الزمني, إضافة إلى عدم قدرته على تقدير الأولويات في العمل وتحقيق ما مدرج في خطة العمل .

من الصعوبات الأخرى التي تثير الجدل في مراكز إعادة تأهيل المعوقين, هي الشك بجدية التوحدي اليافع في العمل, يتمثل بعدم قدرة التوحدي على تحويل أو نقل كفاءته العملية من مكان إلى أخر, فمثلا توحدي يافع يتعلم مهنة البناء بإتقان, ويستطيع بناء جدار في مركز التأهيل المهني أو ورشة العمل, لكنه يتردد في بناء نفس الجدار في موقع عمل أخر, بسبب تعرضه لضغط الوقت وتحديد سقف زمني لانجاز الجدار من قبل صاحب العمل, كما إن طاقات التوحدي الإنتاجية تنطلق وتتطور, فقط بعد فترة من تألفه مع مكان عمله الجديد .

قدرات التوحدية العملية

لا يعدم التوحدي من مواهب وكفاءات واهتمامات خاصة, عززت من قدرته على إبراز مهارات تطبيقية حرفية, فقد كتب الكثير عن قابليات وقدرات فائقة عند التوحديين في العديد من المجالات, ومنها الموهبة الموسيقية وقدرتهم على حفظ الأنغام الموسيقية والمقطوعات, والاهتمام بالآلات الموسيقية ومعرفة طريقة استعمالها, ويتمتع التوحدي بقوة الذاكرة التقويمية, فالكثير من التوحديين يعرفون أيام الأسبوع والتواريخ ومعارف أخرى كخرائط طرق المواصلات, و الحروف الأبجدية, البعض من التوحديين لهم القدرة على كتابة اللغة اليابانية والانكليزية القديمة . ومن المواهب والكفاءات الأخرى نذكر :-

<!--قوة ملاحظة من خلال ذاكرته البصرية التصورية .

<!--انشداد واهتمام بالعمل الميكانيكي للأشياء .

<!--انشغال بالأصوات وخاصة المنغمة والموسيقى .

<!--التزام بالعمل وأنظمته, وقواعده بعد التعرف عليها.

تتأكد من خلال هذه الملاحظات - سلبا وإيجابا -  قدرة التوحدي اليافع في المساهمة في العملية الإنتاجية الاجتماعية خلال العمل وممارسة حرفة معينة, إذا توفرت له مقومات تأهيل وتدريب ناجحة من أهمها :-

1 - تغير شروط العمل

يحتاج التوحدي اليافع لتحقيق رغباته واحتياجاته الفردية الخاصة إلى إجراء تغيرات في شروط العمل تتناسب وتلك الاحتياجات في مكان عمله الخاص, على سبيل المثال لا الحصر :-

- حمايته من الضوضاء عبر توفير كمامات الأذن " ضد حساسية السمع المفرطة وتضخم الأصوات عنده " للتخفيف من حرف تركيزه عن العمل المكلف به.

- توفير نظارات لحماية بصره من قوة الإضاءة أو بريق اللحام وومض احتكاك المعادن, التي تؤدي إلى اضطرابه وإثارته .

- تحديد أماكن لاختلاء التوحدي اليافع بنفسه, وتحقيق انزوائه لبعض الوقت , لعدم قدرته على مواجهة طويلة الأمد لحشد من الزملاء في مكان العمل .

- منع او تقليل تغير مكان العمل أو إبداله بقدر الإمكان لصعوبة تألف التوحدي مع المتغيرات الجديدة .

 2– اختياره حرفة أو مهنة مناسبة

ترتبط حوافز التوحدي لاختياره حرفة أونشاط وعمل معين, بتفاعله وميله وولعه بحركة أو نشاط يوديه خلال ممارسته هذه الحرف, وما يضفيه من متعة وفرح لمسيرة يومه. فاستكشاف معارف واهتمامات التوحدي اليافع وهواياته, تمكننا من حصر الحرف والمهن التي تناسبه, فاهتماماته متنوعة تغطي مساحة مألوفة اليومي, فسماعه للأصوات والأنغام بانتباه توقد اهتماماته الموسيقى, تمعنه بخرائط المدن والمواصلات لتشعب وتشابك خطوطها الملونة وكثرة رموزها تبين اهتمامه بجزء من محيطه, كما إن حركة الدواليب ودوران الأقراص تثير انتباه وتحفزه على الاهتمام بالمكانيك والمكائن, إضافة إلى ولعه في العمل على الحاسوب   . (اهتمام بعض التوحديين بمهنة صباغة جدران البيوت  ليس حبا بهذه المهنة وبراعة, وإنما ما تخلقه الألوان ومزجها وانسياب حركتها من فرح ومتعة, عند رميها على الجدران , تؤدي إلى إتقانه مثل هذه المهنة ,فالتأهيل المهني للتوحدي اليافع يعتمد على ضخ وتوضيح المعلومات الأولية للحرفة وموادها المستعملة, وتعليمه أوليات العمل المهني كخطوة أولى في مجال الحياة العملية التطبيقية.

3- تقديم الدعم والمساعدة في مكان التدريب والعمل

يعاني التوحدي كما هو معروف من اضطرابات جذرية في الوعي والإدراك, وعدم القدرة على المبادرة الذاتية في تنظيم عمله ووقته بشكل فعال, إضافة إلى فشله في إقامة علاقات اجتماعية سوية, فالدعم والمساعدة الخارجية, تعوضه عن ضعف قدراته  الذاتية, وتعيد بناء وهيكلة عالمه الخارجي حسب رغباته, وتوجهه وفق الضوابط  الاجتماعية والحياتية المألوفة, كما إنها تسهل عملية إدماجه في قضية العمل, وتستمر هذه المساعدات إلى أن يتمكن التوحدي من تحقيق قدر من الاستقلال في إدارة شؤونه ذاتيا.  يدعم ويسند ويرافق التوحدي اليافع, ليس فقط أثناء التدريب العملي, بل حتى بعد انجاز فترة التدريب لمساعدته في البحث عن عمل مناسب خلال مرافقته إلى دوائر العمل والمعامل والمصانع, ومتابعة متطلبات التوظيف المكتبية  (انشات لهذا الغرض مؤسسة Job-Coach  من قبل القطاع الخاص لمساعدة التوحدي اليافع بعد انجاز فترة التدريب . تقوم هذه المؤسسة عبر وكلائها وعمالها المختصين , بتقديم كافة أنواع المساعدات التي يحتاجها  التوحدي اليافع, من إشراف ومتابعة ورعاية , وتعمل على تغير مكان التوحدي إذا رغب بذلك , وتنظيم أوقات عمله, وهي على اتصال دائم بعائلة التوحدي,  بالمعالج وطبيبه, كما تعمل على دعم التوحدي في توطين نفسه على مكانه الجديد والتالف معه, و تمثل التوحدي أمام أرباب العمل  وتقوم بالتوعية باضطرابات التوحد واشكالياته في المصانع والمعامل لقبول التوحدي اجتماعيا من قبل زملائه في مكان العمل  .

 

4- إعادة هيكلة العمل

تحفز العروض البصرية والمجسمة المحسوسة للأشياء وأوامر وأنظمة وقوانين العمل التوحدي اليافع على انجاز عمله وواجباته برغبة وبدقة, أما عدم وضوح مكان العمل واضطرب الأنظمة فيه, وارتباك تدرج و بديات ونهايات العمل يزيد من اضطراباته ويؤجج انفعاله وهياجه ,ويدفعه بعض الأحيان إلى حالات عدائية, فنرى من الضروري تنظيم تتابع خطوات انجاز العمل في الخطة اليومية, وعلى الأخص , تنظيم وهيكلة أوقات الاستراحة وفرص تناول الطعام بشكل واضح مجدول . تشمل هيكلة العمل مستويات متعددة .

- هيكلة المكان

يتمكن التوحدي عبر سلسلة من الأنظمة البصرية من الاستدلال والتوجه إلى مكان العمل, والوصول إلى الأدوات أو إلى مكان يقصده, فتقسيم أماكن العمل بأشرطة ملونة تشير إلى مكان جلوسه أو وقوفه ومكان طاولة عمله  تخفف من ارتباكه وتساعده في الإسراع في عمله, كما إن تقسيم المكان بخزانات وطاولات واستخدام الكلمات والصور في توضيح أقسام مكان العمل يوفر له حرية التحرك .

– هيكلة الزمان

لا يعرف التوحدي اليافع مديات الزمن, وقلما يستطيع حصر وتحديد فترة زمنية مثل " قبل, وبعد ذلك , متأخر, مبكر الخ "  لذلك يتم توضح زمن النشاطات وانجاز الواجبات له بوسائط ترمز إلى الزمن وفتراته, مثل الساعات الرملية , أو التقويم الزمني, و كتابة كلمات"  نهاية أو بداية أو استراحة " على قطع ورق مقوى تستعمل عند الحاجة, فحين بداية العمل نستعمل كلمة أبدا أو صورة لبداية العمل, وفي نهاية العمل تستخدم كلمة انتهى أو صورة لانتهاء العمل, أما في وقت الاستراحة, وفترات الطعام فتستخدم كلمة توقف عن العمل أو صورة  التوقف عن العمل  .

 

 

 

- هيكلة تنظيم العمل

يرغب التوحدي اليافع بمعرفة مكان عمله والوصول إليه دون صعوبات, أين يبتدئ ؟ماذا يفعل ؟ وأين يذهب المنتج من العمل ؟, ومتى ينتهي من العمل ؟. من المفيد جدا الإجابة على كل ما تمور به رأس التوحدي, بإيضاح تسلسل العملية الإنتاجية بصريا , يبدأ العمل من اليسار إلى اليمين أو من الأعلى إلى الأسفل,

ومن المستحسن بعد انجاز خطوات من العمل, منحه فسحة استراحة للأكل والشرب, وممارسة طقوسه التوحدية الخاصة , وينصح أيضا بسماع الموسيقى .

– هيكلة ادوات العمل

تنظيم ادوات العمل المستعملة وتأشيرها بحرف أو بلون معين ,ووضع المواد والأدوات العائدة لحرفة واحدة بصناديق أو جرادل وتأشيرها أيضا ,مما يسهل عملية الإنتاج  ويمكن وصول المتدرب التوحدي اليافع إليها بسهولة وبسرعة . اتضح لنا عبر سنوات العمل في التأهيل المدرسي للمعوقين والمرافقة المهنية في مراكز التأهيل المهني, تميز شخصية المعاق  أثناء التدريب على حرفة ومهنة بحزمة من الكفاءات والقدرات إلى جانب حزمة أخرى من الضعف والتردد, وتتماهى هذه الميزة في شخصية التوحدي اليافع, ولتسليط الضوء على مواطن القوة والضعف في شخصية التوحدي , أورد الدكتور "ماتياس دالفرت" خلال إشرافه على مشروع "ابنزبرغ " ما يلي :-

ملاحظات حول قدرات ومهارات التوحدي اليافع أثناء التدريب والعمل

قوة التوحدي اليافع تتمثل في 1-  مهارة وقدرة الملاحظة . 2– القدرة على الاستقلالية في العمل.   3– الاهتمام في العمل وإتقانه . 4– انضباط في مواعيد العمل وقوانينه. 5 – الالتزام في أنظمة وأمر العمل.

ضعف التوحدي اليافع  يتمثل في 1– قدرة التواصل اللغوي الاجتماعي 2– التعامل المرن والسوي مع زملاء العمل   3 – فهم التغييرات وتبديل أماكن العمل  4– تحويل قدراته وطاقاته من حرفة إلى أخرى 5 – بطء في الحركة والنشاط. 6 – القدرة على التخطيط وإبداع المخيلة. 7– تحمل النقد والتقويم من قبل الأخر.

على الدولة ومؤسسات المجتمع المدني اتخاذ إجراءات قانونية استثنائية في مجال التأهيل المهني والحرفي للمعوقين, لتمكنهم من تحسين أدائهم العملي, والوصول إلى حدود من القدرة والكفاءة, تضمن لهم المشاركة في العملية الإنتاجية في مجتمعاتهم.

 

لطيف الحبيب   29.4.2011

المصدر: "عندما دخلت المدرسة شغفت بالحياة عشقا " التلميذ بنيامين العمر 7 سنوات نشر الموضوع في الحوار المتمدن
  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 649 مشاهدة
نشرت فى 30 مايو 2011 بواسطة berlin

ساحة النقاش

عدد زيارات الموقع

7,539