أنت محظوظ بقدر ماتعمل
يخفق كثير من الناس في تحقيق غايتهم لأنهم لا يستعدون للقيام بما يجب عليهم من أجل تلك الغاية، تذكر أن توقك ورغبتك في أداء عمل معين، هي عمليا زرع بذرة طموحك. وإذا توقفت هنا، ستحصد بقدر ما حصد ذلك المزارع الذي وضع بذوراً في تربة لم يستصلحها، ولم يسمدها أو يدفن البذور عميقاً. يجب أن تدّعم ما يتوق قلبك إلى فعله بنية صادقة لبذل أفضل جهدك وطاقتك لتجعل رؤياك حقيقة ملموسة. إن الاكتفاء بامتلاك الرغبة لفعل ذلك – بصرف النظر عن قوة ومثابرة حفاظك عليها – لن يساعدك في تحقيقها.
إذن عليك ألا تكتفي بزرع بذرة الرغبة والتوق، بل يجب أن تغذيها وتحرثها وترعاها، وإلا لن تحصد غير الشوك. فنحن نرى رجالا ونساءً في كل مكان يحصدون مواسم شوك وأعشابا ضارة، لأنهم اكتفوا بزراعة الأشواك فحسب، ونادراً ما يجني هؤلاء مواسم تكفي للحد الأدنى من متطلبات الحياة، وذلك ببساطة لأنهم لم يعتنوا ببذورهم بعد زراعتها.
دعنا من روعة موهبتك أو وضوحها لا شك أنها تذوي ما لم تصقلها باستمرار. فقانون: «استخدمها وإلا خسرتها» ساري المفعول في كل مكان. ولا مجال للهرب منه، ومفعوله حتمي على الموهبة والطموح، أو البذور المزروعة في التربة. فكل شيء لا يُستخدم ولا يُصان أو يُصقل يذوي. لأن الكسل بالمعنى الصريح للكلمة هو العدو الأول للنجاح، ومهما بحثت لن تجد تعبيراً لطيفاً عن (الكسل). والعامل الرئيسي الآخر في الإخفاق والإحباط أو النجاح الجزئي هو التردد. أما مواجهة الظروف فتولد قوة. تمدنا بقدرة هائلة على المقاومة. وتجاوز حاجز يمدنا بقدرة هائلة على تجاوز الحاجز التالي.
لقد خلقنا الله سبحانه وتعالى لهدف سام وهو عمارة الأرض فنحن لم نخلق سدى، ولن نترك سدى، إن أخذنا بالأسباب وسعينا وعملنا، لأن العمل يكسب الحياة قيمتها، ولا يمكن التفكير في السعادة الحقيقية من غير إنجاز هدف قيّم.
المقدرة والإلهام
ولكي ترضى.. عليك أن تشعر بالرحابة والامتداد، لا توجد سعادة تفوق تلك التي نجنيها من شعورنا بتضييق أفق جهلنا وتأخرنا عن الركب، فالطريقة المثلى لتعلم الركض أو تركض، والسباحة أن تسبح، ولتطوير إرادتك عليك أن تشرع في ممارسة قوة إرادتك في شؤون الحياة. والذين يمارسون قوة إرادتهم يجعلونها أكثر صلابة وفعالية، خصوصاً عندما يواظبون على هذه الممارسة بذكاء. لأن ممارسة قوة الإرادة هي الوسيلة المثلى لتقويمها. لأنها تغدو أقوى مع المران والتدريب وذلك أن مواظبتك على عمل تتقنه يعد اختبارا لقدرتك وانضباطك الفكري.
يحتاج النجاح إلى اتحاد المقدرة والإلهام، حتى أكثر الناس قدرة لا يستطيعون تحقيق النجاح ما لم يحوزوا الإلهام لأداء ذلك. غير أن الإلهام وحده لا يكفي، لقد استطاع مايكل أنجلو أن يحلم بنحت تمثال داوود، بيد أنه ما كان لينجزه من غير الموهبة. من ناحية أخرى، إن نحاتاً ماهراً ما كان بوسعه إنجاز تلك التحفة البديعة ما لم يُلهم بذلك الحلم.
يعتقد كثير من الناس أن مقدرتهم شيء موروث، وأن بوسعهم صقلها قليلاً، ولكن لا يمكنهم الإضافة إليها أو توسيعها. لكننا بدأنا نرى أن كل القدرات قابلة للتطوير إلى حد كبير إذ بالإمكان زيادة قوة الدماغ إلى درجة متقدمة بتطوير منهجي للطاقة الفكرية. في الواقع لا توجد مقدرة غير قابلة للتطوير خلال مدة زمنية قصيرة نسبياً.
استخدم موهبتك
إن موهبتك تدعوك.. اختر مهنة تستفيد فيها من المواهب التي منحك الله تعالى إياها، فتجد نفسك تقوم بالعمل الذي خلقت له. واختر إن أمكن، مهنة تمزج فيها بين التربة وبين ميولك، ولن تكون عندئذ مالكاً لموهبتك الفطرية فحسب، بل ستستخدم مهارتك ومعرفتك التي تشكل رأسمالك الحقيقي.
اتبع ميولك فلا يمكنك مقاومة إلهامك مدة طويلة، قد يسعى والداك أو أصدقاؤك إلى خنق أو كبح ما تتوق إليه بإجبارك على إنجاز مهمات لا تستسيغها، لكن وكما هي الحال في البركان، ستنفجر النار الداخلية مشققة القشرة التي تحاصرها وتغدق بغزارة طاقاتها الحبيسة في العلم أو الأدب أو التجارة أو في صناعة مفضلة.
حذار من «موهبة لا تقدر على إتمامها على أكمل وجه» لأن الناس تكره كل عمل أخرق نصف مكتمل.
إن الشخصية أعظم من أي مهنة، فتجب رعاية كل مقدرة، ويظهر النقص في صقلها في أول عمل تقوم به، ويجب تدريب اليد على الكرم والثبات، والقوة. ويجب تدريب العين على اليقظة والملاحظة أو دقة التميز.
وينبغي تدريب القلب على الحنان والتعاطف والصدق وتدريب الذاكرة لسنوات على التذكر والاستيعاب الدقيقين.
ذلك أن هناك حداً للعمل الذي يمكن استجراره من الجسد أو العقل البشريين. والشخص الحكيم لا يهدر طاقته في التنطح لأعمال هو ليس أهلاً لها. قال توماس كارلايل: «طوبى لمن وجد صنعته فلا يستجدي صدقة الآخرين، إنه يمتلك صنعة، أي أنه وجد هدف حياته وسيبقى في إثره».
عندما تختار مهنة، لا تفكر في كم النفوذ أو الشهرة اللتين ستكسبهما جراءها، بل اختر مهنة تستنفر كل طاقتك وتطور قوتك واتساقك. أنت لا تحتاج إلى النفوذ والشهرة فحسب بل تحتاج إلى القدرة من أجل التأثير الإيجابي. فأنت أكبر من الثروة وأعظم من الشهرة، ولأن العالم لا يقرر لك أن تصبح محامياً أو وزيراً أو طبيباً أو مزارعاً أو عالماً أو تاجراً، ولا يرسم لك عملك المستقبلي. ولكنه يقتضي أن تكون متمكنا من عمل تضطلع به. فإن تمرست في عملك يصفق لك العالم وتنفتح لك الأبواب جميعاً.
درب عينيك وأذنيك ويديك وعقلك وكل قدراتك في أثناء اختيارك الصادق للعمل. وتذكر أن العمل المنجز جيداً هو التقدير الأكبر الذي تجده شخصيتك، استخدمه لتطوير نقاط في شخصيتك وللتخلص من نقاط الضعف. تذكر أن لكل مهنة محاسن ومساوئ لا توجد في غيرها.
قال يوهان غوته:»مهما يكن فنك، تفرغ له تماماً» إنها لروعة أن تنجز عملاً دفعة واحدة، أن تركز له بكيانك من دون استعجال فلا تقلق عليه بعدئذ.
ركز طاقتك
قال أندرو كارنيجي: «يكمن أحد أسباب إخفاق الناس في عملهم في عدم التركيز» معظم من يغدون عظماء يحصرون قدراتهم كلها في قناة واحدة، ليس المطلوب أن تؤدي أعمالاً متنوعة من غير تركيز، بل أن تنجز عملاً واحداً على أكمل وجه. يكمن الكسل الفكري خلف كثير من الإخفاق فلا مكان في العمل لتذبذب الهدف، واضطراب الغاية.
تعد إساءة إدارة العمل مضيعة للجهد، فقد تجد نفسك مشغولاً دوماً، وبذلك لا تتقدم البتة في عملك.
لا يكمن الفارق الجوهري بين الناجحين والمخفقين في كمية العمل المبذول من قبل الفريقين بل بمقدار ذكاء العمل. ركز طاقاتك على هدف واحد ثابت وغاية ممتعة، فمهما يكن العمل الذي انخرطت فيه، فأنت على رأي غوته مضطر أن «تتفرغ له تماماً» عليك أن تفكر فيه وتخطط له وتعمل عليه، تنغمس فيه بعقلك وقدرتك وقوتك وقلبك وروحك عندئذ ستتوج بالنجاح.
إن الذين يتركون بصمتهم على العالم كقانون هم الذين لا يتركون مهمتهم قبل انجازها على أكمل وجه، ويتميزون بالمواظبة الصحيحة والحس السليم والصدق. لأن العالم مليء بأعمال نصف منجزة من مخفقين يحتاجون إلى قليل من المواظبة وتدريب أفضل قليلاً. وتثقيف أفضل لجعلهم مفيدين.
لنفكر بحجم الخسارة لو أن رجالا مثل «توماس أديسون» و «ألكسندغراهام بيل» لم يأخذا بأعمال الآخرين نصف المنجزة ويدفعانها إلى نهاياتها الناجحة.
ابذل قصارى جهدك
اجعل قانون حياتك أن تبذل أفضل جهودك في أي عمل تتناوله بين يديك. ليكن التفوق علامتك الفارقة التي تميز كل ما تنزه. وهذه هي غاية كل موظف، فالعمل الجيد هو العائد الأمثل لنقوده وهو رأسمال أفضل من النقود السائلة، إنه يثير الفعالية أكثر من الأصدقاء.
قال رالف والدو: «عندما يستطيع امرؤ أن يؤلف كتاباً أو يصنع مصيدة فئران أفضل من جاره فإن العالم سيشق طريقاً إلى باب بيته، حتى إن كان قد شيد بيته في الغابة».
لا تسمح لنفسك بالتباطؤ فيما تفعل، فأنت تملك شيئاً ذا قيمة وأهمية متعاظمتين إلى ما لا نهاية، إضافة إلى أن سمعتك وسيرتك المهنية ونجاحك المستقبلي ستتأثر جميعاً بطريقة إنجازك لعملك وفقاً ليقينك أو عدمه الذي تضعه في واجبك.
أي شيء تفعله هو جزء من سيرتك المهنية، إن أي عمل يخرج من بين يديك سينعكس سلباً على شخصيتك إذا تهربت منه أو استعجلت إنجازه أو أنجزته بطريقة خرقاء غير متقنة.
اعلم أننا مخلوقات متسقة منضبطة، إذ لا يمكن الحصول على شخصيات قويمة وكمال وسيرة مهنية نظيفة إذا سمحنا للخدمات الرديئة أن تدخل إلى عملنا.
انظر إلى طاولة شخص كان يعتقد في طفولته بعدم أهمية انجاز الأعمال الدقيقة. تراه مليئاً بالأوراق والرسائل والفوضى تعم المكان كله. إن شخصاً كهذا لا يمكنه تحديد أين يقف، وإن افتقار الشخص إلى النظام والكمال يورثه عادات الإهمال في عمله والطرائق الرديئة معدية، تلتقط عدواها، ولا أحد يثق بشخص لا يجيد إتمام ما ينجز. ترى أية كارثة ستحل بشخص يكتشف أن مستقبله عرضة للشبهة والخطر بسبب عادة إنجاز نصف الأشياء؟ فالعمل غير المتقن، والمفتقر إلى الاهتمام يخلق شخصاً غير مبال عديم التركيز.
قدر نفسك
يعتقد كثير من الناس أنهم قليلو الشأن لأنهم في موقع وظيفي متواضع، ولا يحتلون مركزاً بارزاً أو مكانة ذات أهمية فيقعون فريسة عادة الانتقاص من قدر أنفسهم.
لذلك يجب أن تنظر إلى ندائك مهما كان متواضعاً بشعور الفخر التي سينتابك فيما لو كنت تشغل منصباً رفيعاً.. إن مكانك ووظيفتك ثمرة جهدك وتتمثل مهمتك المقدسة في إعلاء شأن ذلك الموقع، بأن تجعله محترماً، فالشخصية الفذة وتكرس حياة الرفعة، تُعلى من شأن أي مهنة جيدة إلى مصاف السمو والاحترام.
يمكن أن يرفع مدير إلى مكتب فخم، بينما قد يقوم إسكافي بعمل يتميز بتصليحه أحذية على سندانه. يحتشد كثير من السياسيين في المجالس النيابية، بينما يكون الميكانيكيون والمزارعون كل في مجاله يصنع طابع الأصالة على عمله، وكثير من المساعدين أعظم شأناً من رؤسائهم. وقد يمهرون عملهم بخاتم النجاح، بينما رؤساؤهم يسيئون إلى عملهم. فأداء العمل بطريقة سامية هو الذي يصنع الناجح، ذلك أن السمو ابن الرقي.
اجعل عملك أنموذجاً يحتذى بصرف النظر عن طبيعته، سواء أكنت مزارعاً أو مشرعاً قانونياً أم بناءً.
انظر إلى عملك مهما يكن، كما ينظر الفنان العظيم إلى لوحته ومصيرها الذي يتأثر بأي ضربة من فرشاته. فحياتك برمتها تتأثر بجودة الجهد الذي تبذله في العمل الذي يقع بين يديك، لأن الكمال يقود إلى الجودة، وهو أساس نجاحك في بناء شخصيتك، ونجاحك الخارجي في بناء تشيده لزمانك وتطور مجتمعك.
كن جديراً
ينجز الكثير منا أعمالاً خرقاء غير متقنة في حين نستطيع إنجاز أعمال رائعة، والسبب في ذلك أننا لا نستغرق في العمل بكليتنا، لا نضع فيه إلا جزءاً يسيراً من طاقاتنا. لا نستجيب إلى ندائنا بكينونتنا كلها. ومن يخش الزج بكينونته كلها في العمل لن ينجز أعمالا عظيمة. عندما يذاع صيت جديتك، وأنك تهب ذاتك لعمل تقوم به، يؤسس لثقة الناس فيك، ويمنحك مصدر قوة هائلة. فالناس من حولك يراقبونك وينتظرون منك مقدرة استثنائية.
إن صيت طموحك إلى بلوغ مكانة في العالم وتبنيك لهدف عظيم في الحياة يستحق كل شيء. وعندما يلاحظ أصدقاؤك جديتك لا يستطيعون ثنيك عن عزمك للمضي قدما أو أن يسرقوا منك وقتك أو يبددوه في أشياء سخيفة، سيعجبون بك، وعندئذ يقلدونك وتغدو قادراً على حماية نفسك من إزعاجات كثيرة كانت تعوق تطورك.
أنت ترى في أثناء مرورك بالمخازن والمكاتب والمعامل عدداً كبيراً من الموظفين الذين يمضون أيامهم بفتور، ببلادة وكسل، وكأنهم فاقدو الطموح أو الاهتمام بنجاح أو إخفاق عملهم.
فإذ أردت التقدم ينبغي أن تكون جدياً ومتحمساً لعمل مُستخدمك. يجب أن تدرسه وتفهمه، تعرف عنه أقصى ما يمكنك. وإذا أردت أن تشق لنفسك الطريق نفسه في العمل ستكون فرصتك في دراسته لا تقدر قيمتها.
فعندما يلاحظ صاحب عملك أن لديك مشاريع كثيرة، وأنك تحاول أن تتعلم كثيراً مما يعرفه عن العمل سيبدأ صاحب العمل يفكر أنك قابل للارتقاء. لكن عندما يرى رئيسك أن طموحك محدود بالحصول على راتبك وقضاء أسهل وقت ممكن فلم تلفت انتباهه إلا بوصفك موظفاً يجب استبداله.
إنها فرصة رائعة مهما يكن موقعك الحالي، أن تجعل رئيسك يرى ما لديك، أي نوع من الموظفين أنت!
لأن كل موظف استثنائي يعد جائزة، إن صاحب العمل يلتقط وبسرعة الجودة والتفوق أينما وجدهما، إنه في بحث دائم عن علاقات المقدرة الاستثنائية، عن إمارات التفوق.
يعرفون إن كنت تهرب من العمل، وتقطع ساعاته وتختبئ كلما سنحت لك الفرصة، تضيّع الوقت، وتراقب عقارب الساعة، غير مبال بالعمل، أو إذا كنت جاداً تماماً، ويقظاً تحاول فعل أي شيء ينجح العمل.
لا تظن أن جهودك وتفوقك لن يُلاحظا أو يُقدرا. قد تتأخر ترقيتك، لكنها مؤكدة إذا كنت من النوعية المطلوبة. وإذا لم يلاحظ رئيسك تفوقك فسيلاحظه شخص آخر. سيقوم أصدقاؤك بإذاعة صفاتك الحميدة وغير الحميدة أيضاً. وإذا طورت قدراتك على الملاحظة، وكنت تتعلم فهم الأشياء وتحاول جعل الزبائن أصدقاء، فأنت تراكم رأس مال عملك للمستقبل.
إن النجاح كقاعدة انتصار للفضائل العادية الشائعة. إن العادة الدقيقة هي إمارة العبقرية التي تنجزها. وإذا درسنا حياة معظم الناس الناجحين نجد أنهم ليسوا عباقرة، وإنما يتمتعون بعادة المثابرة والإصرار على المضي في الأعمال إلى نهاياتها.
الحس السليم
والواثقون من نجاح سيرتهم العملية هم أصحاب الحس السليم والحكم الصحيح، مجتهدون في عملهم، متسلحون بعادات جيدة، من لا يتعجلون في إنجاز عملهم، والذين ينجزونه على أكمل وجه.
إن التطبيق الدائم لهذه الصفات والقدرات والمبادئ العامة والمثابرة والتصميم وبذل الجهد الدقيق هو السمة الرئيسية لأصحاب الإنجازات في العالم. وليسوا بالضرورة عباقرة أو أصحاب قدرات متميزة.
تسود فكرة خرقاء مفادها أن الحاجة إلى التطبيق تتعارض مع المقدرة العظيمة، كما أن هناك فكرة خاطئة تزعم بأن فضائل الجد والمثابرة لا تتسقان مع الهبات الطبيعية ويعتقد الشبان أن «العبقرية الفطرية» تنجز أشياء عظيمة بأية طريقة، وأنهم إذا كانوا عباقرة، فسيصبحون عظاماً دونما جهد. إنهم يظنون أن العبقري هو المهمل لدراسته أو نادراً ما يدرس، ومن حين لآخر ينجز أعمالا باهرة في اللحظة المناسبة، وأنه يتناول قلماً مثل عضا ساحر وبخط واحد يحقق رغباته يرون أنه فوضوي ومتشرد يتأمل في الحقول أو الأحلام وهو مضطجع بجوار المدفأة، شخص تدفعه نزواته القوية إلى سلوكيات شديدة الغرابة والحماقة، إنه يكره النظام والترتيب ولا يحتمل التقيد ويكره التفصيلات والعمل المجهد.
يجد بعض الناس في التركيز على عملهم إجهاداً كبيراً. ويعتقدون أن الانتباه إلى التفصيلات الصغيرة أمر مضجر وإن كان صحيحاً أن بعض الأعمال الروتينية والمهام المتكررة لا تشكل تحدياً وقد تصبح شاقة ومتعبة أيضاً. بيد أنها لابد منها إذا أردت أن تقدم إنجازاً ممتازاً. فالعمل الشاق هو في الذهن، فإذا اعتقدت أن عملك شاق فسيغدو كذلك. ولكن إذا ركزت على القيم التي تجترحها من هذه النشاطات الروتينية، ستجعل من عملك أكثر متعة، أكثر إنتاجاً، حتى أكثر تحدياً.
لجعل عملك أكثر متعة
إليك هنا طرائق تساعدك على جعل العمل الروتيني أكثر متعة وينزع منه المشقة. احترم عملك واستمتع به، لا تتعال عليه، وضع قلبك فيه، أبصر الشعر فيه، اعمل بهدف، وأنجزه بكل طاقتك، غُص إلى أعماقه وأنجزه تباعاً، كن أكبر من عملك وحضّر له بإتقان. اجعله وسيلة لبناء شخصيتك، أده بمرح وإن لم يلائم مزاجك.
أنجزه بروح الفنان، لا الحرفي. اجعله في سلم عمل أرقى. أنجز هدفك على أكمل وجه ولا ترض بأقل من ذلك.. آمن برفعته وقيمته، بصرف النظر عن تواضعه.
اقبل ما لا تستسيغه فيه برحابة صدر مماثلة لتقبلك لما تستسيغه فيه. وانظر ماذا تستطيع أن تضع فيه بدلاً مما تستطيع أخذه منه.
هارفي ماكي مؤلف كتاب «كيف تسبح مع القرش دون أن تؤكل» الذي ألهم كثيراً من الناس لكسر القيود التي كبلتهم ودفعتهم إلى الانطلاق نحو النجاح. ولنستمع إلى ما يقول عن العمل الشاق: «العمل الشاق ليس سيئاً، ومن المؤكد أن الموهبة الطبيعية تجعل الفارق كبيراً، لكن أرني مهاجما طبيعياً في لعبة البيسبول أرك شخصاً يضرب الكرة حتى تدمي يديه من أجل أن يبقى الضربة متوازنة. اسأل جراحاً كم نام مدة عشر دقائق في أثناء المحاضرات. اسأل عازف بيانو في فرقة سيمفونية كم يلزمه من الوقت لعزف أربعين دقيقة من الذاكرة. كل هذه الأشياء الغريبة تحتاج إلى أكثر من أيد سحرية. إذ أن النجاح يحتاج إلى عزيمة صلدة وكثير من العمل الدؤوب».
شيء عادي بجودة عالية
تصبح محظوظاً بقدر ما تعمل.. وكما قال جون. د.روكفلر: «إن سر النجاح هو أن تفعل شيئاً عادياً بجودة غير عادية. لا يلاحظ معظم الناس أن الخطوات التي تؤدي إلى الموقع الأرقى من موقعهم تبنى رويداً رويداً بالإنجاز الدقيق للواجبات اليومية العادية المتواضعة ومن موقعهم الذي يشغلونه. ذلك أن العمل الذي تنجزه الآن سيغلق أو يفتح أمامك باب الترقية.
قلة من الناس تفكر في العمل الدؤوب المتأني والتدريب المتواصل الذي تتطلبه الأعمال الفنية العظيمة. تبدو للناظر سهلة رائعة، ولكنه لا يفكر بحجم التدريبات التي أدت إلى اكتساب هذه السهولة. قال نبيل فينيسي لنحات: «أخذت مني خمسين سكونياً ذهبياً ثمناً لتحفة لم تستغرق منك إلا عشرة أيام عمل» فأجابه النحات:»لكنك نسيت أني تعلمت ثلاثين عاما كي أنجزها في عشرة أيام».
أينما ذهبت ترى رجالا ونساءً محبطين حانقين على الحياة لأنهم لم يستطيعوا بلوغ ما تاقوا إليه من التعليم اللازم لممارسة الطب أو القانون أو الهندسة أو أي مهنة أخرى شعروا بانجذابهم إليها إنهم يجاهدون في بيئة لا متجانسة يلومون القدر الذي يسلبهم حقهم، يشعرون أن الحياة خدعتهم. الواقع أنهم لم يجهزوا قط المغزل وفلكته اللذين يجذبان خيوط الكتاب كي يغزلوا منها شبكة حياة سعيدة كاملة. لم يظهروا رغباتهم وأشواقهم ولم يعالجوها كما يجب ويرفضون بإصرار التخلي عنها، وعلاوة على ذلك لا يبذلون جهدهم الحقيق