الشدائد والمحن يالروعة فوائدها
يا لروعة فوائد المِحن ومنافعها. فهي تكشف لنا قدراتنا وتحشد طاقاتنا. فإذا كان للشخصية أي قيمة حقيقية، فإنها ستفوح بعبق شذاها عندما تتعرّض للضغط، شأنها في ذلك شأن الأعشاب العطرية.
واجه الرجال والنساء العظام على مرّ العصور الشدائد والمحن فاكتسبوا منها القدرة على المضيّ قدماً وتحقيق أهداف عظيمة. بينما سمح الآخرون للشّدائد أن تغرقهم في الوحل.
كل يواجه الإخفاق بطريقته الخاصة.. إما أن يستسلم أو يتماسك وينطلق ثانية على طريق النجاح.
ستتعلم في هذا البحث الشيق كيف يمكن للفقر والمحن أن تؤثر في حياتك وماذا يمكنك أن تفعل كي تستعيد الرخاء والنجاح.
يرفض الرجال والنساء الناجحون احتمال الإخفاق، بل يتعلمون من أخطائهم ويتابعون مسيرتهم الظافرة حيث يتجاوزن بأشواط كبيرة الموقع الذي تغلبت فيه الشدائد عليهم.
ويسأل أحد الفلاسفة: «ما هي الشدائد، كي تجعل الإنسان يتذمر تحت وطأتها؟ إنها مثل الألم الناجم عن ثقب أذن الحسناء، حيث تّعلَّق الجواهر الثمينة مكان الجرح».
تحمل المعاناة الناتجة عن الشدائد أثراً إيجابياً يساعد ذوي الطبائع القوية على حفظ ذواتهم، وكثيرون ممن أثبتوا قدرتهم على تحمل الفاقة بشجاعة ومواجهة العقبات بمرح، أبدوا عجزهم عن الصمود أمام مخاطر تأثيرات
الرخاء. إنَّ الريح القوية لا تطيح إلا بعباءات الضعفاء. أما الأكثر قوةً فيواجهون خطر فقدان عباءاتهم أكثر تحت تأثير أشعة الشمس الرائعة. ووفق الطريقة نفسها، فإن تحملّ الحظ الجيد يتطلب شخصية أقوى ودرجة أعلى من ضبط النفس.
القوى السامية
قال كاتب المقالات إدموندبورك: «المصاعب هي مدرّب حازم، عينته قوة سامية تعرفنا أكثر مما نعرف أنفسنا كما أنها تحبنا أكثر مما نحبّ أنفسنا. إنَّ من يتصارع معنا يزد أعصابنا قوةً، كما أنه يزيدنا مهارةً. وهكذا إن خصمنا هو عوننا الحقيقي». عدم معاناتنا للمصاعب يجعل حياتنا أسهل، لكنه يجعلنا بلا قيمة. فالممرّات الصعبة تدرّب الشخصية على الاعتماد على النفس.
تُخاض معركة الحياة، على طريق صاعد. أن نربح هذه المعركة من دون صراع قد يعني أن نربحها بلا شرف. لو لم توجد المصاعب لما وُجِد النجاح ولو لم يكن هناك شيء ما نكافح من أجله إذن لا يوجد شيء ننجزه. قد تثير المصاعب هلع الضعفاء، لكنها تشكّل حافزاً مفيداً لأصحاب العزيمة والشجاعة. أنى اعترضتنا المصاعب، علينا الخروج لمواجهتها مهما كانت الظروف. لأنَّ مواجهتها تمرّن قوانا وتصقل مهاراتنا، وتزيدنا صلابةً من أجل حياتنا المستقبلية.
قد يكون طريق النجاح شاقاً وذلك لاختبار طاقات هؤلاء الذين يتسلقون القمة. لكننا سرعان ما نتعلم من خلال الخبرة أنَّ العوائق يتم تجاوزها بأن نتشبّث بها في أثناء تسلقنا، وأن ملمس القُراص يبدو ناعماً كالحرير عندما نمسكه بجسارة، وأن أكبر مساعدة نتلقاها في أثناء سعينا إلى الحصول على شيء ما هي الإيمان الراسخ بقدرتنا على الحصول عليه. والمصاعب تتساقط عادة أمام التصميم على تخطيها.
سنحقق الكثير إذا تجشّمنا عناء المحاولة فقط. لن ندرك ما باستطاعتنا تحقيقه ما لم نحاول. يجب أن تنضج الأمنية لتصبح غايةً ومسعى. تعادل محاولة جادّة واحدة ألف مطمح كلمة (لو) الشائعة التي تعبر عن العجز واليأس – تسيج عادةً حقل الممكن، وتمنع إنجاز أي شيء، أو حتى محاولة إنجازه.
الفقر والحرمان مقابل العزم والشجاعة
لا أحد يستمتع بالمحن. لا أحد يختار مواجهة الحرمان والفقر. ومع ذلك هناك الأشخاص الذين عانوا من الحرمان بسبب ظروفهم، ويكتسبون الكثير من خلال تجربة المعاناة تلك. ويكتشف الكثيرون بأنهم قادرون على تحمل
الحرمان بشجاعة، ومواجهة المصاعب بمرح.
يتحقق التقدم من خلال السلوك الجيد الثابت والحماسة الصادقة، والنشاط والمثابرة من خلال توطيد العزم على التغلب على المصاعب ومواجهة الحظ العاثر.
دعونا نلقي نظرة على الحياة المهنية الرائعة لأندرو غروف، مدير شركة (إنتيل) والشخصية الأولى لعام 1997 في مجلة (التايم). ثم توم موناغام، الذي جعل من إيصال طلبات البيتزا إلى المنازل أسلوباً للحياة، وبعده مارك فيكتور هانسن، الذي جعل من
«حساء الدجاج» باعثاً للراحة لملايين الأشخاص.
آندروغروف، مدير شركة إنتيل. إنّه أول من أسهم في صنع القانون الذي يعرّف عصر التكنولوجيا: وهو أن قدرة الـ (مايكرو تشيبس) ستتضاعف كما أنَّ سعرها سيهبط بمقدار 50 % كل ثمانية عشر شهراً. فضلاً عن ذلك القانون، أضاف غروف قانونه الخاص القائل: «سنجد باستمرار أشياء جديدة نضيفها إلى الـ(مايكرو تشيبس) لم نكن لنحلم بها قبل عام أو عامين». كان يتمتع بتفاؤل ثابت، مغروس في نفسه كما ينغرس المهاجر في أرض تزخر بالحرية والفرص.
ماذا نتعلم من تجربة غروف:
1 – فرص النجاح وتكوين ثروة، لا تعوقها الشدائد، أو المضايقات، أو الفقر.
2 – بالرؤية الواضحة والعمل الدؤوب يمكن تحقيق الإنجازات العظيمة.
3 – يمكن تجاوز العثرات في الحياة المهنية والعملية، إذا ملكت قوة الإرادة اللازمة لمواصلة الكفاح.
أما توم موناغام، رجل البيتزا: فكان له حصة كبيرة من المعاناة سواء في حياته العملية أم الشخصية. إنه من ذوي القدرة على التحمل. نهض مراراً من بين رماد الهزيمة وانطلق ليحرز نجاحاً عظيماً كأشهر بائع بيتزا يضمن وصولها إلى أي بيت خلال ثلاثين دقيقة.
عاش طفولة مضطربة، ولم يملك موارد مالية ولم يحصل على فرصة تلقي التعليم الرسمي. حاز جميع الأسباب التي تقود عادةً إلى الإخفاق. ومع ذلك حقق النجاح. يملك موناغام 97 % من (دومينو)، وهي أضخم سلسلة مطاعم بيتزا تقوم بإيصال الطلبات إلى المنازل في العالم.
راهن بعناد على نجاحٍ مهني يقوم على توزيع بيتزا لذيذة وساخنة، رغم أنَّ منافسيه قالوا إن فكرته لم تكن معقولة أو ملائمة اقتصادياً. ويعود نجاحه إلى حسّه العملي ومثاليته. ويعتقد أن الدين والقاعدة الذهبية (التي تقول أنَّ
على المرء أن يعامل الناس كما يحب أن يعاملوه) ساعداه على تجاوز المحن. بالإضافة إلى ذلك كان يتميز بدرجة عالية من الانضباط: كان برنامج لياقته البدنية يتضمن تمرينات أرضية تستمر خمسا وأربعين دقيقة بما فيها تكرار تمرين الضغط مائة وخمسين مرة، ثم الركض لمسافة ستة أميال، ست مرات في الأسبوع. يمثل توم موناغام مثالاً يحتذى لكل من ينوي ابتكار عمل جديد لنفسه أو كل من يريد أن يبرع في مجال عملٍ ما.
ماذا توضح لنا تجربة توم موناغام:
1 – بالعزم والتصميم والعمل الدؤوب يمكن للمرء أن يصل إلى القمة، وإن حُرِمَ من فرصة تلقي التعلم وعاش طفولةً بائسة في أسرةٍ مفككة.
2 – لا تخش الشركات المنافسة إن كنت قادراً على ابتكار أسلوب عمل أفضل من الأسلوب الذي يتبعونه.
3 – لا تستسلم أمام تحدي الخصوم الأقوياء بل استمر في كفاحك.
4 – تمسك بالاستقامة والأمانة.
5 – امضِ قُدُماً في تطلعاتك. تخيل ما تريد تحقيقه، وضعه نصب عينيك دائماً، واعمل على تحقيقه بكل قوتك.
رجل حساء الدجاج
مارك هانس رجل «حساء الدجاج» إنه من أكثر الأفراد مرحاً ونشاطاً وحماساً في زماننا. حقق أفضل نسبة مبيعات بوصفه كاتباً فضلاً عن أنه من خطباء الإلهام الناجحين، إنه يتحدث بسرعة كبيرة، يطلق أفكاراً عن كل شيء، بدءاً من مساعدة الأطفال على أن يكونوا أكثر مرونة، وصولاً إلى مساعدة الذين يعملون في حقل البيع والتسويق. لقد تجاوز بمقدار سنة ضوئية، الذلّ الذي عاناه نتيجة إخفاقه المهني منذ عشرين عاماً.
كان يشكك خلال الأشهر المظلمة بقيمته الذاتية وكان قلقاً حيال مقدرته على الوقوف على قدميه والاعتماد على نفسه ثانية كان يقول: «اعتقدت أحياناً أنها النهاية» حتى أنَّ بعض أصدقائه المقربين نفد صبرهم وضاقوا ذرعاً
به وكانوا يتردّدون في إقراضه المزيد من المال كي يدبرّ أموره.
وهو الآن يستمتع بنجاحه الرائع الذي يسمح له ولشريكه أن يعدا نفسيهما من أكثر من كتبوا عن عالم الأعمال نجاحاً.
سلسلة كتبهم، التي تبدأ بعنوان «حساء الدجاج من أجل الحيوية» حيث أن حساء الدجاج وصفة تقليدية لعلاج أي مرض- بيع منها أكثر من عشرين مليون نسخة ولم تزل تلاقي الرواج ذاته حتى الآن – خرج مارك في إخفاقه
المبكر بمجموعة من المبادئ والأسس التي مكنته من تجاوز محنته والتطلّع إلى هدف عظيم. تعلّمَ أن يضحك مستخفاً بمشاكله «عندما تضحك تجد أن حجم المشاكل يتقلص آلياً» ولكي تبني ما يسميه «اعتداداً بالذات لا يُهزم»
ينصح مارك بأن تنظر إلى نفسك في المرآة وتشير بإصبعك إلى صدرك وتقول: «أنا قادر» ويشرح ذلك قائلاً: «العالم يتآمر علينا كي يجعلنا نشعر بأننا عاجزون عن النجاح».
القاعدة الأخرى للتعامل مع المحنة هي أن تسأل نفسك «ما الذي يجعلني شخصاً متميزاً واستثنائياً؟» ثم يجيب على هذا السؤال كتابةً وبالتفصيل.
يحثنا هانس على الاستفادة من شبكة صداقاتنا ومن آبائنا كي نكتشف ميزاتنا الشخصية.
ما الذي نتعلمهُ من رجل الحساء
1 – لا يعني الإخفاق أو الإفلاس النهاية. فمارك هانس تمكن من التغلب على الإخفاق وحقق حلمه.
2 – يمكن لفكرة جيدة مصحوبة بالتشجيع اللازم أن تغيرّ حياتك.
3 – لا تستسلم. رفض ما يزيد عن ثلاثين ناشراً نشر كتاب «حساء الدجاج من أجل الحيوية والنشاط» قبل أن يتمكن هانس من بيعه.
4 – ابحث عن الصفات التي تميزك ثمّ استفد منها.
بما أن العالم يتآمر علينا ليقنعنا بعدم قدرتنا وكفاءتنا، قل لنفسك «أنا قادر وكفؤ» وبعد ذلك تشعر بالرضا عن نفسك وتزداد رزانةً. وبذلك تبني اعتدادك بذاتك.
الشجاعة تستلزم المجازفة
هيلين كيلر مثال عن المرأة التي ساعدتها شجاعتها على التغلّب على العمى والصمم وجعلتها واحدةً من أكثر نساء جيلها جدارةً بالتقدير. لم تكن هيلين قادرة على الرؤية أو السمع، كما أنها نشأت غير قادرة على النطق بوضوح.
وكان من السهل أن تنطوي على نفسها وتذوي. لكنها استطاعت بمساعدة والديها ومرشدتها المتفانية أن تتجاوز حالتها.
عندما بلغت السادسة، لجأ والداها يائسين إلى ألكسندررغراهام بيل، الذي ساعدهما في العثور على مرشدة هي آن سلفيان. كانت سلفيان في العشرين من عمرها وقد شفيت جزئياً من حالة العمى التي عانتها هي نفسها. لقد
علمت هيلين أسماء الأشياء عن طريق ضغط الأبجدية اليدوية (الخاصة بالعميان) على راحة كفها. كما علمت هيلين أن تتحدث عن طريق ضغط أصابعها على حنجرتها كي تتمكن من «سماع» الاهتزازات. وعلمتها أن تقرأ وتكتب بطريقة (بْرِيل) وجعلتها تتفوق في الواجبات المدرسية الطبيعية.
وعند بلوغها السابعة عشر من عمرها. تخرجت هيلين كيلر من كلية (رادْكلِيف) واستمرت في تكريس حياتها للسفر حول العالم وإلقاء الخُطَب مروَّجةً لفكرة أنَّ بمقدور الصمّ والعميان أن ينتصروا على محنتهم.
وكانت بصيرتها أوسع مدى من بصيرة مجرد معَّوق يشارك الآخرين في تجربته بل كانت تشاركهم ببصيرتها وفكرها. على سبيل المثال قالت واعظةً مستمعيها: « الشعور بالأمن والطمأنينة مجرّد خرافة. لا وجود له في الطبيعة، كما أنّه شعور لا ينتاب الناس عامة. تفادي الخطر لا يعني الأمان على المدى الطويل من التعرض والانكشاف الكامل. فإما أن تكون الحياة مغامرة جريئة أو لا شيء».. أصبحت هيلين كيلر ملهمة للملايين. فالعزم الواضح يفرض الاحترام.
«عندما تقع في ضائقة ويقف الجميع ضدك، لا تستسلم أبداً، لأن تلك اللحظة بالذات هي عادةً بداية للانفراج» هذا ما تقوله هارييت بيتشر ستو.
شاهد على الانضباط
في أثناء التنقيب بين أثار بومبيي، التي كانت مدفونة بالغبار والرماد نتيجة ثوران البركان فيسوس عام تسعة وسبعين ميلادي، وجد العمال هيكلاً عظمياً لجندي روماني داخل غرفة حراسة قرب إحدى بوابات المدينة.
كان بمقدوره أن يجد ملجأ تحت الصخور القريبة، لكنه، وفي وجه الموت المحتمّ، بقي على رأس عمله، كشاهد صامت على الانضباط والحذر والإخلاص الذي جعل فيالق الجيش الروماني تسيطر على العالم.
إنَّ العالم يُكبر الشخص الذي لا يتراجع أمام الصّعاب غير المتوقَّعة، الذي يتصارع مع الظروف بصبر وأناة وشجاعة، ويبدي استعداداً للموت في سبيل الواجب.
العزيمة الصّرفة هي السمة الشخصية التي تمكّننا من الإمساك بهدفنا بقبضة فولاذية، وتبقي على إبرة الجدوى مشيرة باتجاه نجم آمالنا. عبر الشمس الساطعة والمطر، عبر الأعاصير والعواصف، عبر البرد والمطر، وفي سفينةٍ مثقوبةٍ تمرّدَ طاقمها، يمكن للعزيمة أن تحفظنا. في الواقع، لا يمكن لشيء أن يقهر العزيمة ما عدا الموت.
العزيمة تعبر عن نفسها
لا يحتاج ذوو العزيمة إلى أن يعلنوا عن أنفسهم، لأن عزيمتهم تعبر عن نفسها من خلال أفعالهم. إنها لا تتجلى في نوبات وطفرات، بل إنها جزء من حياتهم إنها تلهم إقداماً رائعاً وشجاعةً بطولية. يعود الكثير من الإخفاق
في الحياة إلى الافتقار إلى العزيمة والبدء في الحياة بهمّة واهنة، بلا قرار أو عزيمةٍ تحدّد لنا مسارنا وتجعلنا نلتزم بقرارنا، وبلا قدرة على قول كلمة (لا) بحزم، مما يجعل الشخص يتخبط في وضع تخمينات كثيرة، وكي لا يهين صديقاً، يوقع بلا تردّد على ورقة تثير التساؤلات والشكّ.
ذوو العزيمة يتخذون عزمهم فوراً. وتبقى الأفكار مجرّد أحلام إلى أن نجرب فعاليتها. هل يزعجك التنافس؟
واصل العمل إذاً. حقّق مكانةً لك في هذا العالم. جميع الأشياء تفضل الشخص الجريء. قارع المصاعب مباشرةً.
تحمّل الحظ العاثر بشجاعة. وتحمّل الفقر بنبل، وواجه خيبات الأمل ببسالة.
يملك الشجعان تأثيراً مُعْدياً وهم يخلقون وباءً من الحماسة النبيلة يحيط بهم أينما حلوا كل يوم يمرّ بنا يُرسل إلى القبر أشخاص مجهولون. والسبب في بقائهم مجهولين حتى مماتهم هو أنَّ جبنهم أعاقهم عن القيام بمحاولة أولى.
ولو أنه قُدّر لهم أن يبدؤوا، لقطعوا شوطاً كبيراً على طريق النجاح المهني والشهرة. قال جورج اليوت: هؤلاء الذين يريدون أن يكونوا على يقين تام، لا ينجزون شيئاً».
لا تتخيل عقبات قد تعترضك
لا تضع وقتك في تخيل عقباتٍ قد لا تعترضك أبداً أو في اجتياز جسور لم تصل إليها بعد. ستفلت الحياة من قبضتك إن لم تعزم عزيمة كاملةً وبقيت متردّداً إلى مالا نهاية.
كان لنكولن رجلاً ذا عزيمة. لم يتردّد عن مناصرة أية قضية يؤمن بعدالتها مهما كانت غير شعبية. وعندما كان الدفاع عن عبدٍ هارب يكلف المحامي لقمة عيشه، وعندما كان المحامون الآخرون يرفضون قضايا كهذه، كان لنكولن دوماً يترافع أمام القضاء مدافعاً عن المظلومين.. «اذهبوا إلى لنكولن» كان الناس يقولون عندما كان العبيد يبحثون عمن يحميهم.
لا تكون نتيجة السباق دوماً لصالح الأسرع، كما أنَّ الفائز في المعركة ليس الأقوى دائماً. فالخيول تتعرض أحياناً للإرهاق أو العرقلة في أثناء السباق، ويؤخذ هذا بعين الاعتبار عند تقدير النتائج. ذلك السباق شبيه بسباق
الحياة، المسافة وحدها التي يقطعها المرء لا تحدّد الجائزة. علينا أن نأخذ في اعتباراتنا العوائق، والأعباء التي حملناها، والظروف المعوّقة التي اجتزناها من تعلم غير كافٍ. ومن ظروف تربية سيئة وتأهيل ناقص وبيئة معادية وظروف محيطة غير مناسبة.
كم نعاني.. ونعاني
كم من الأشخاص يعانون من إعاقة الديون والفقر والتوجيه غير السّوي من قبل الأسرة أو الأصدقاء العاجزين عن تقديم النصح السليم؟
وكم يبلغ عدد الذين يقيدهم الجهل، وتُعرقل مسيرتهم بيئة قاسية، ويصطدمون بمعارضة والديهم الذين لا يفهمونهم؟
وكم من شبابٍ يُدفعون إلى مالا يناسبهم كدفع قطعة دائرية في فتحة مربعة؟
كم من شابٍ يتوانى في مسيرته لأنّه ما من أحدٍ يؤمن بقدراته، وما من أحدٍ يشجعه، ولا يحصل على تعاطف. بل يُلام لأنه لا يقوم بعملٍ ما حتى لو كانت كل ذرة من كيانه تثور على هذا العمل وترفضه وتنفر منه.
وكم من شخص يضطر إلى تلمس طريقه نحو هدفه وهو يتخبط في عمى الجهل والافتقار إلى الخبرة؟
وكم من شخصٍ يفتقر إلى الإتقان في كل ما يفعله لأنه لم يتعلم الانضباط في سن مبكرة؟ وكم من شخص يمضي أعرج يعتمد على عكاز لأنه لم يتعلم أبداً الاعتماد على نفسه، بل اعتاد الاعتماد على ثروة والده أو تساهل أمه؟ وكم من شخص يضعف عن متابعة مسيرة الحياة بسبب تساهله مع نفسه وانغماسه في الملذات واللهو والتسلية؟..
وكم من شخص يعوقه المرض أو بنية جسمه الضعيفة، أو نظره الشحيح أو سمعه الضعيف؟
عند توزيع جوائز الحياة في النهاية، سيؤخذ بعين الاعتبار المسافة التي قطعناها، والأثقال التي حملناها، والإعاقات التي كبلّتنا. وليس فقط المسافة التي قطعناها، بل الصعوبات التي تخطيناها والظروف المعاكسة التي أعاقتنا في أثناء السباق، ثم تحدّد الجائزة.