ومضات تنموية
الندم السلبي
د. عبداللطيف العزعزي
كل إنسان في هذه الحياة ينجح ويفشل، يفرح ويبكي، يصيب ويخطئ، يجد فيها ما يسعده، ويجد ما يحزنه، وهذا هو حال البشر في كل زمان ومكان. نحن نتعامل مع أنفسنا ومع أسرنا ومع أهلينا ومع الآخرين في المجتمع وفي العمل والأسواق، فنساعد هذا ونخدم ذاك، ونمد يد العون للآخر بقدر استطاعتنا، ونتعامل بالحسنى مع من يربطنا بهم عمل آني أو دائم. فتحدث في بعض الأحيان صدمات ممن قدمنا لهم الخير في يومٍ ما، وممن ساعدناهم، أو شجعناهم، أو أثنينا عليهم وامتدحناهم أمام الآخرين وزكيناهم ورفعنا مكانتهم ودعونا لهم بالخير في ظهر الغيب. فتجد منهم من يذمك، ومنهم من يتهمك، ومنهم من يكذبك ويستهزء بك من ورائك وأنت لا تعلم، ومنهم من يبحث ويسأل هنا وهناك لعله يجد ما يمسكه عليك حقداً منه وحسداً (اللهم عافنا من أمراض الصدور). وقد نحتاج لأحدهم في موضوع ما باستطاعته أن يقدم لنا المساعدة فيرفض أو يتهرب ويضع الحجج، وبعضهم ينتظر اللحظة التي تأتيه لطلب خدمة ما فيبدأ يمارس عليك النظرة الفوقية والنفسية المريضة، ولا تجد منه خيراً كعلبة تتدحرج وبها حجر تصدر صوتاً. وقد يتكرر هذا المشهد مع غيره في موقف آخر فنصدم فيكبر في أذهاننا ملف أسود مؤلم مختوم عليه بالمشاعر السلبية «لا تساعد أحداً» «لا تقدم الخير لمن لا يستحق» «الناس كلهم صنف واحد، لا يستحقون منك شيء» ... إلخ. فإذا تحقق ذلك وتوقف الناس عن مساعدة الآخرين من جراء مواقف سلبية لمن قدموا لهم العون فإن دورة الخير في الحياة ستقف، وإن وقفت سيظلم كثيرون ممن يستحقون تقديم يد العون ولو بكلمة طيبة، أو ابتسامة ود وصدق ومشاعر جميلة
الندم إحساس مؤلم ومزعج ولكنه مفيد في نطاق معين، فبه تقوم الأمور، وبه يعيد الإنسان حساباته، وبه يرتقي بفكره وسلوكه وتصرفاته، والندم أحد أهم شروط قبول التوبة، فهذا هو الندم الإيجابي الذي يجعل من الإنسان من وقت لآخر منتجاً بانياً مقداماً متجدداً بإيجابية. ولكننا في هذه المقالة لا نتحدث عن «الندم الإيجابي» بل نتحدث عن الندم السلبي الذي ربما يشل حركة التعاون والتسامح والبناء والعطاء والعمل والتقدم وتطوير العمل وتطوير الذات وإعادة الحسابات لما يجب أن يكون بوعي وفكر وإدراك. الندم السلبي آفة الحركة والعمل، ومدمر للنفوس ومطفئ لضياء العقول
لا تندم على ما فات ندماً يجعلك حبيس الدار، حبيس الألم والحزن، حبيس الفكر السوداوي. اجعل مما حدث ومضى من حياتك دروساً لك ومواعظ لمستقبلك، فالمستقبل لا يأتي إلا على ركام الماضي ليبدأ حياة جديدة، وإن كنت لا تريد إلا الندم السلبي فاعلم أنك تسير بغير هدى؛ لأن الندم الإيجابي هو أن تتوقف عن سلبيات الماضي المسببة للألم والندم، والإقبال على نقيضها من الأفعال الإيجابية والسلوكيات الحسنة، فقد قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53).