موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

كابيتشينو

 

في مقهى كبير على أحد الطرق المؤدية إلى القاهرة، يجلس ثلاثة رجال، يشربون الشاي، وينظرون إلى بعضهم البعض، ثم تتجه عيونهم إلى باب المقهى الكبير، وبينما يسود الصمت تحدث كبيرهم:

حسان:

يظهر أننا جينا بدري يا رجاله.

شعبان:

لا يا باشا أكيد الزبون أتاخر... تلاقيه بيعد الفلوس اللي جايبها معاه. 

فرج الله:

يا ترى الزبون ده أنت واثق منه يا معلم حسان.. يعنى مالى أيدك جامد منه.

ويقاطعه شعبان بصوت مرتفع...

شعبان:

جرى أيه يا زفت يا فرج الله، أنت عامل بتفهم قوى، طب لما أنت كده مفتح، كنت هتودينا في داهية ليه في العياط، لما كنت هتبيع التحفة لضابط المباحث.

حسان:

ملوش لازمة الكلام ده، خلينا نتكلم في الشغل شويا.

يقاطعه فرج الله:

سيبوه أصل شعبان بيحب يشمت فيا قوى. وهو أنا كنت عارف يعني الحمار اللي حيستلم، ده أول ما الضابط قرب منه وقال له نهارك أسود بتبيع آثار بلدك، وعنها جرى الحمار، وقال أيه نط في الترعة، شفت غباوة أكثر من كده، راحوا طلعوه، وبعد الطريحة الساقعة والسخنة، اعترف بكل حاجة، وعلى ميعاد التسليم ولاقيت الضابط هوة اللي مستنيني.

شعبان:

بس أنت كنت واعى برضه يا فرج الله.

فرج الله:

طبعا... طبعا روحت، ومعايش اى حاجة، ومشيت قدامه، وكانى معرفش حاجة، وعديت من جنبه، ولمَ نده على، عرفت على طول إن فيه حاجة غلط، ولما بصيت في وشه، لاقيت شكله نظيف ما ينفعش فلاح، ده لازم واحد شكله بيأكل عيش فينو، وكمان سنانه بيضا، و زى الفل هو من الأخر، شكله كده ضابط.

حسان:

واعي يا مضروب، بس ازاى عرفت تسوق العبط على الهبل وتنجى منه.

فرج الله:

مفيش... كل اللي عملته أنى فتحت بقى، وتنحت، وهو حاول يكلمنى، وماشى في الساعة دى ليه، وفين الحاجة اللي معاك، قولت له أنا معاييش حاجة أنا رايح الترب اللي في آخر الطريق ده استرزق يا أخ أنت عاوز منى أيه؟ راح رد على بكف على كتفى.

شعبان:

قصدك على قفاك.

فرج الله:

متفكرنيش.. وقعت فى إيدين خمس رجاله، وهاتك يا ضرب من كل اتجاه، وراحوا واخدنى على البوكس، وفى المركز كان ضرب لحد ما فقدت الوعى.

شعبان:

وأخر ما زهقم منك رموك، ومعرفوش ياخدوا منك حق ولا باطل.

فرج الله:

أصل الوله الضابط لما لاقنى مضروب كل ده، وما اعترفتش قال خلاص ده مش الراجل اللي المفروض أستلم منه الفلوس، طب فين الفلوس اللى معاه.

شعبان:

طبعا أنت كنت شايل الفلوس معايا.

فرج الله:

طبعاً عملت إنى رايح الحمام وسبت شنطة الفلوس في الغرزة اللى فى أول الطريق، وكويس إنك كنت معايا وأخذتها، ومشيت لم لاقيتهم بيضربونى.

شعبان:

طبعا... طبعا أنت مقدر ظروف، أنى لو كنت ظهرت، كنا رحنا في داهية.

حسان:

الناس أتاخروا قوى.

فرج الله:

وشك حلو علينا يا..........

شعبان:

يا أيه؟ يا فرج الله.

فرج الله:

يا حسان باشا دى أول مرة أحنا نشتغل معاك، ولازم برضه، يكون الكلام واضح والحاجة دى محتاجة الصبر، وشكلك كده يا باشا أول مرة تشتغل فى الكار ده.

حسان:

دا.. أنا وارثها أبًا عن جد.

فرج الله:

مااحناش عارفين ليك أب ولا جد وشكلك وهيئتك ما يمشيش عليها خالص حسان ينفع ليها هاني... تامر... أو... وائل.

شعبان:

بس بقى يا فرج الله، الباشا حسان من أعيان الصعيد الجوانى، وأنت عارف يافرج الله إن الصعيد فيه تجار آثار كتير.

حسان:

عارف يافرج الله.. أسوأ حاجة في حياتى إنى قابلتك، ودى أول وأخر عملية معاك.

شعبان:

خلاص خلاص.. بص ياباشا.. مين داخل هناك اثنين دى البهوات جايين علينا.

حلمي الوردانى:

مساء الخير.. آسف على التأخير المسافة كانت بعيدة، والطريق واقف اتأخرنا شويه يا حسان بيه.

دسوقى الحلو:

أن شاء الله معرفة خير ممكن نشرب كابيتشينو. علشان الجو يروق.

حسان:

قوم يافرج الله هات كابيتشينو.

ومن بعيد جاء فرج الله يحمل خمسة أكواب شاي، وقدمها للضيوف قائلاً: الشاى الصعيدى المر ينفع في الزمن ده.

وهنا تنبه شعبان، وأشار إلى فرج الله، وتحرك به بعيدا عن الجميع , وهمس في أذنه: فيه أيه يا فرج الله.

رد عليه فرج الله في أذنه:  يا شعبان دول مباحث.

وهنا نظر شعبان إلي حسان بيه، وقال: لا مؤاخذه يا جماعة الظاهر إن فرج الله مبيعرفش يعمل كابيتشينو، يا حسان بيه، ممكن كلمة علي جنب.

شعبان:

ياباشا أنت تعرف الناس دي كويس. أصل الواد فرج الله بيقول كلام خطير.

حسان:

فيه أيه يازفت يافرج الله.

فرج الله:

أنت عارف الناس دى كويس.

شعبان:

حلمي الوردانى ده اعرفه من زمن، لكن دسوقى الحلو أول مرة أشوفه.

فرج الله:

لكن دسوقى الحلو مش حلو.

شعبان:

يعنى ايه؟

فرج الله:

ده ياباشا ضابط مباحث، وشفته لم كنت عامل مغمى عليا من كتر الضرب في المرة اللى أتمسكت فيها، لقيته دخل علينا، وسأل المخبرين، خلصتم أنا مش سامع ضرب أوعوا يكون مات، شوفته ياباشا.

حسان:

طيب تعالوا  معايا.

وجلس حسان واخذ ينظر جيداً في وجه حلمى الوردانى الذي وجده يحدق فيه بشده، ثم يحدق في دسوقى الحلو بشده.

دسوقى الحلو:

فيه إيه يا حسان بيه.

حلمى الوردانى:

مش حنتكلم في الشغل يا حسان بيه.

حسان:

قولى يا حلمى بيه يا وردانى.. صاحبك دسوقى الحلو ده تعرفه منين.

حلمى الوردانى:

ده اخويا، وصاحبى طول العمر.

حسان:

وبيشتغل ايه.

حلمى الوردانى:

بيشتغل فى كله.

حسان:

بس أنا حاسس أنى شوفته قبل كده، أقولك استنه فى التليفزيون، فى السينما لا استنه يانهار اسود أنت بتحضر مؤتمرات أو ندوات.

دسوقى الحلو:

ممكن لو طبيعة شغلى بتطلب كده ما أنا لازم أتخفى.

ضحك حسان وقال:

آه.. أنت دلوقتى بتتخفى يا دسوقى يا حلو أنت مش فاكر وأنا مش فاكر ولكن حظك السيئ أنى أنا افتكرت بس أنا حقولك ياباشا.

حلمى الوردانى:

جري ايه يا حسان بيه.

حسان:

فاكر يا سيادة الرائد لم جيت تكلم سيادة اللواء العمورى، عصام الدين العمورى وقلت له الموضوع خلص.

دسوقى الحلو:

أنا مش فاهم حاجة.

حسان:

أعرفك بيه يا سيادة الرائد أنا ابن أخت سيادة اللواء عصام الدين العمورى.

فرج الله:

يانهار اسود.

حلمى الوردانى:

الكلام كده مش حلو يعنى ايه.

حسان:

يعنى ايه.. رد أنت بقى يا دسوقى بيه يا حلو.

دسوقى الحلو:

يا حسان بيه طالما حضرتك ابن أخت سيادة اللواء عصام الدين العمورى، رئيس مباحث الآثار اللي أنا مجرد رائد صغير في جهاز المباحث، والظاهر إن فيه سوء فهم، وإن فيه عصابة بتبيع قطعة آثار،  ومجموعة نادرة، ومطلوب ربع مليون دولار، وفرصة سعيدة أننا قابلنا هنا ابن أخت سيادة اللواء عصام الدين العمورى المرشح لرئاسة الوزراء عن قريب أن شاء الله. فرصة سعيدة خالص، إحنا سننتظر العصابة لم تيجى، واتفضلوا سيادتك يا حسان بيه، وضيوفك الظاهر إن وراكم موعد مهم.

حسان:

شكرا يا سيادة الرائد، ياله يا شعبان، ياله يازفت يافرج الله، مع السلامة يا ساده ربنا يوفقكم وتقبضوا علي العصابة كلها.

فرج الله:

يا ولاد الكلب انتم....... (بصوت هامس).

دسوقى الحلو، وهو يخرج جهاز اللاسلكي , ويقول بصوت حزين ألو... ألو عمليات هل تسمعنى الغي الكابتشينو.

 

            تمت

 

 

 

المصدر: مجموعة قصصية " إيمان " تأليف دكتور " ناصر علي " الناشر مكتبة الآداب ، القاهرة ، 2009م
barki

مع خالص الود دكتور " ناصر علي محمد أحمد برقي "

  • Currently 98/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
33 تصويتات / 372 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2010 بواسطة barki

ابحث

تسجيل الدخول

الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي

barki
هذا الموقع ... موقع الدكتور ناصر علي محمد أحمد برقي »

عدد زيارات الموقع

93,467